تجمع "هوامش في غزة" بين سمات الكتاب الهزلي والصحافة الاستقصائية، وهي قصة مصورة لجو ساكو تركّز على يومين في غزة عام 1956، عندما سقط مئات المدنيين الفلسطينين برصاص القوات الإسرائيلية... ولم يجد ساكو وباحثوه شيئا يذكر مكتوبا بالإنكليزية عن هذه الوقائع، رغم أن تقديرات الأممالمتحدة في ذلك الوقت أشارت إلى أنّ عدد القتلى بلغ نحو 400، منهم 275 في خان يونس في الثالث من نوفمبر و111 في رفح القريبة في 12 من الشهر نفسه، وفي محاولة لاكتشاف حقيقة ما يصفه بأنّه "هامش التاريخ"، سافر ساكو 49 عاما مرتين إلى غزة لسؤال شهود الوقائع. ويريد ساكو وهو فنان حاصل على جوائز وصحفي ألّف رواية مصوّرة عن الضفة الغربية وقطاع غزّة وكتابا هزليا عن الصراع في البوسنة، أن يستخدم الماضي وسيلة لكشف مشكلات الشرق الأوسط، وقال في مقابلة حديثة "الناس هنا يركّزون بشدّة على ما يحدث الآن، عندما كنت أكبر كانت تذاع أنباء كثيرة عن الفلسطينيين في التلفزيون وكانت دائما عمليات خطف وتفجيرات ودائما كانت تربط بالإرهاب". واستطرد "لم أعرف مطلقا السياق الذي حدثت فيه هذه الأعمال وما أوصلهم إلى تلك المرحلة التعيسة، ويعتقد بعض الفلسطينيين الشبان الذين التقيت بهم أنه ربما كان عليّ أن أركّز على الأحداث التي تجري هنا الآن، هذه ليست واقعة معزولة، إنّها تتحدّث عن شعب تعرّض للاستهداف مرارا وتكرارا". تتنقل الرواية التي تقع في نحو 400 صفحة وتحوي رسوما تفصيلية بالأبيض والأسود، بين زيارات ساكو إلى غزة في الفترة بين نوفمبر 2002 ومارس 2003 والأحداث التي وقعت عام 1956 ويضعها في سياق أزمة السويس. واشتهر ساكو بأنّه مراسل يرتدي نظارة ويحمل مفكّرة ومسجّلا خلال تجوّله في المنطقة، حيث يتحدّث إلى شهود العيان وينضم إلى جموع الصحفيين الأجانب الذين يحتفلون بطريقة صاخبة بعد يوم عمل كئيب وشاق، ويسعى إلى إعادة التذكير بالتفجيرات والاغتيالات وأعمال الضرب والاعتقال التي وقعت عام 1956.. مؤكّدا على انّ العنف في المنطقة اليوم ليس جديدا. ويعترف ساكو بأنّ رواية بنيت على ذكريات شهود عيان فلسطينيين وتسترجع أحداثا وقعت قبل 54 عاما والتي يحولها بعد ذلك إلى صور، لن تكون دقيقة مائة بالمائة، ويعالج قضية الدقّة في الكتاب.. موضّحا كيف تتنوّع ذكريات الناس عن نفس الحدث. كما يقتبس ساكو من تقرير للأمم المتحدة عام 1956، حيث يشير إلى الاختلافات في روايات السلطات الإسرائيلية واللاجئين الفلسطينيين. ويقول انه حتى القوات الإسرائيلية التي شاركت في العمليات تختلف بشأن ما حدث. مؤكّدا على أنّ تضارب الحقائق ساعد في الإبقاء على صراع يستعصي على الحل على ما يبدو، لكن ساكو يأمل أن تشجّع "هوامش في غزة" التي حظيت بآراء نقدية مشجّعة بعد قليل من صدورها، الآخرين، على البحث في فترات أكثر غموضا في تاريخ المنطقة، وقال "هناك تأريخات قليلة جدا تتسم بالدقة، خاصة التي تتحدث عن هذا الجزء من العالم.. آمل أن يعطي الكتاب المؤرخ الإسرائيلي نوعا ما من القوة الدافعة ليحاول مرة أخرى "كتابة التاريخ". والمشروع المقبل لساكو هو مجلة عن المهاجرين الأفارقة الذين يحاولون دخول أوروبا ويعتزم بعده أخذ فترة راحة من العمل كمراسل، وقال "أود الابتعاد عن الصحافة لفترة من الزمن وأن أفعل شيئا آخر.. الأدب القصصي.. ربما".