أمام حشد كبير من الفنانين العراقيين والمثقفين، احتضنت قاعة المسرح الوطني في قلب العاصمة بغداد، مهرجان "خشبة وتصفيق"، تكريما للفنان الرائد يوسف العاني ودوره البارز في المسرح العراقي، وقدّم في المهرجان الذي أقيم برعاية مؤسسة "المدى" للثقافة والفنون، عرضان مسرحيان، الأول "حلم في بغداد" لمجموعة من الشباب والثاني "تحت الصفر" للمخرج رياض الباهلي عن حياة الفنان يوسف العاني الذي حضر التكريم·· كما قدّم الفنانون سامي قفطان وسامي عبد الحميد وشذى سالم وزهرة بدن وازاد وهي صموئيل، شخصيات تناولها العاني في أعمال مسرحية، منها "الجومة" و"الشريعة" ومقاطع من فيلم "سعيد افندي"، وقال جلال الماشطة ممثل الرئيس العراقي جلال طالباني في المهرجان التكريمي "الاحتفاء بيوسف العاني هو استحضار لصفحات من تاريخ بلادنا لعقود شهد إبانها العراق تحولات كبرى فتحت تارة أمامه أبواب الحرية وأغلقت عليه تارات جدران القمع" · وأضاف "المهرجان هو احتفاء بالمسرح العراقي الذي تبوأ مكانة مرموقة في العالم العربي وهو الآن ينهض من جديد"· ولد يوسف العاني عام 1927 في أحد الأزقة الشعبية الفقيرة في جانب الكرخ من بغداد يعرف بسوق حمادة من أسرة فقيرة، وكان والده يعمل في محل صغير يملكه لبيع السجائر، توفي أبوه وهو في عمر صغير ثم فقد والدته وهو في الثامنة من عمره، في عام 1944 قدم أوّل عمل مسرحي عندما كان يدرس في كلية الحقوق في جامعة بغداد مع مجموعة من الطلاب أسس معهم جمعية عرفت باسم "جبر الخواطر"، وكان عمل هذه المجموعة ينصب على نقد الواقع خارج الكلية· بدأ العاني كتاباته للمسرح بقضايا اجتماعية معيشة، عبر عنها بحوار حمل طابعا شعبيا اقترب به من الناس كثيرا، ولامس اهتماماتهم الحياتية وواقعهم الصعب، ودأب في كتاباته على التعرّض للرتابة الحكومية في العهود السابقة ولما يتعرض له المواطن الكادح من مشانق جراء ذلك، والتصدي للتفاوت الطبقي الذي عانى منه الشعب العراقي سنين طويلة· وعرف عنه اختياره لشخصيات مسحوقة لتكون بطلة مسرحياته، شخصيات لا حول لها ولا قوة سوى الكسب اليومي البسيط، ومن تلك الأعمال "دعبول البلام"، "الشريعة"، "ست دراهم"، "الخادم" و"مؤتمر بيك"، التي لا يزال المتتبعون يتذكرونها بشغف، وعمل يوسف العاني مدرسا في كلية التجارة والاقتصاد مشرفا على النشاط الفني في الكلية، وأسّس فرقة "الفن الحديث" مع الفنان الراحل إبراهيم جلال وعدد من الفنانين الشباب عام 1952 ··· وأوائل أعماله للمسرح "طبيب يداوي الناس" عام 1948، وكتب أكثر من خمسين مسرحية طويلة منها "المصيدة"، "الشريعة"، "الخرابة"، "أهلا بالحياة" و"صور جديدة"، ولعب عدة أدوار في أعمال مسرحية منها "النخلة والجيران" عام 1968 و"ولاية وبعير" في 1971 و"البيك والسائق" في 1974، والأخيرة عرضت في مصر ولاقت نجاحا كبيرا، ومثّل أيضا في مسرحيات "بغداد بين الجد والهزل" عام 1975، "مجالس التراث" عام 1980، "الليلية البغدادية" مع الملا عبود الكرخي في 1983، "الإنسان الطيّب" في 1985 والأخيرة للمخرج الراحل عوني كرومي· وحفلت السينما العراقية بمحطات متألقة مع الفنان العاني عبر أفلام عراقية خالصة ، شكّلت انطلاقة الصناعة السينمائية في العراق منذ خمسينيات القرن الماضي، قبل أن تندثر بفعل الحصار الاقتصادي مطلع التسعينيات، ومن الأفلام التي شارك فيها العاني بطلا ومحورا رئيسيا، "المنعطف" عن رواية "خمسة أصوات" للراحل غائب طعمة فرمان من إخراج الفنان الراحل جعفر علي، "المسألة الكبرى" لمحمد شكري جميل، ويعدّ هذا الفيلم من أبرز الأفلام الوطنية العراقية، وتناول ثورة العشرين في العراق ضد الاحتلال الإنكليزي· وبدأ الفنان يوسف العاني رحلة فنية طويلة أيضا مع التلفزيون، وكتب لتلفزيون العراق منذ عام 1959 وكانت أول أعماله التلفزيونية البرنامج التمثيلي "شعبنا"،"واحد اثنان ثلاثة"، "ناس من طرفنا" و"سطور على ورقة بيضاء"، وتعدّ "رائحة القهوة" من أبرز الأعمال التي كتبها العاني للتلفزيون للمخرج عماد عبد الهادي··· وأقيم على هامش المهرجان معرض للصور الفوتوغرافية وثّق المسيرة الإبداعية للفنان يوسف العاني، ضم أكثر من 75 صورة له جسدت مراحل مختلفة من حياته وعمله الفني·