نقل الرسائل.. إخفاء السلاح.. التجسس على الفرق الاستعمارية المتنقلة بين الأحياء.. الإبلاغ عن ''البياعين''.. هي أعمال رغم بساطتها إلا أن وزنها خلال الحقبة الاستعمارية كان كبيرا، وأسهمت إلى حد كبير في إنجاح العديد من العمليات الفدائية، كانت مهمات صعبة ألقيت على عاتق أطفال أدركوا منذ صغرهم أهمية أن يكون لديهم وطن مستقل، فتخلوا عن أحلامهم ورسموا لأنفسهم طريقا واحدا، ألا وهو مساعدة الفدائيين من أجل أن تحيا الجزائر ويعيشوا عهد الاستقلال، عهد كان يبدو كالحلم، إلا أنه لم يكن مستحيلا.. وهو ما كان يقوم به عمي جمال وعيل ذو 65 سنة والذي التحق بالثورة في سن 14 سنة من سكان بلكور، يروي لنا بعض ما يتذكره من أحداث ويعتبر ''حي بلكور'' من أهم الأحياء التي ينبغي البحث فيها عن تاريخ الجزائر خلال الحقبة الاستعمارية. يقول عمي جمال إن صغر سن الأطفال خلال الحقبة الاستعمارية لم يمنعهم من المشاركة الفعالة في إنجاح الثورة، كيف لا والمستعمر خلال تلك الفترة كان لا يشك مطلقا في الأطفال الذين يحملون محافظ على اعتبار أنهم متمدرسون لا يفهمون معنى الحرية، وهي النقطة التي استغلها الفدائيون واعتبروها بمثابة الوسيلة الخفية لنقل الرسائل أو إرسال الأسلحة، وهو العمل الذي كنت أقوم به - يروي عمي جمال - ''أذكر يوم قررت ترك مقاعد الدراسة والالتحاق بصفوف الفدائيين، كان ذلك في شهر جويلية حين كانت فرنسا تحتفل بعيد لها، كانت الحافلات وقتها مزينة بالأعلام الفرنسية وفي ذلك الوقت كنت رفقت صديقين لي ولست أدري ما الذي حدث لي عندما رأيت الأعلام الفرنسية ترفرف فوق الحافلات، فقررت بتلقائية رفقة أصحابي إزالة الأعلام الفرنسية ورميها، وبمجرد أن أحس بعض الجزائريين بأهمية ما نقوم به انضموا إلينا، ولكن سرعان ما افتضح أمرنا حيث توقفت دورية فرنسية فبدأت تعتقل المتسببين في إحداث الشغب، في تلك اللحظة دفعني الفضول لمعرفة ما بداخل عربتهم التي كانت متوقفة وبمجرد أن فتحت الباب حتى هرب من كان بداخلها من المعتقلين الجزائريين، فتم القبض علي وزجي بالسجن حيث كنت رفقة فدائي من أبناء حيي، والذي أبلغني رسالة طلب مني نقلها إلى أسرته إن أفرج عني''، ويستطرد المتحدث قائلا ''حقيقة أفرج عني ولكن عند حدود الساعة منتصف الليل في وقت حظر التجول ولحسن حظي نصحني شرطي كان أمام مركز الشرطة وهو جزائري بأن أمشي في وسط الطريق مرفوع اليدين حتى لا يطلقوا علي النار وهو ما حدث بالفعل حيث وصلت إلى المنزل آمنا وبمجرد أن دخلت توجهت عبر الأسطح إلى منزل جارنا، حيث أبلغت رسالة ''المسبل'' الذي كان برفقتي وكانت هذه أول رسالة أبلغتها واعتبرتها بمثابة الأمانة الثقيلة التي ينبغي أن تصل إلى أصحابها''. منذ تلك اللحظة انتقلبت حياة عمي جمال رأسا على عقب، وبعد أن ترك الدراسة تحول الى طفل يعرف معنى الاستعمار ويكن له الكره الشديد، ولأن أطفال حي بلكور كانوا مراقبين من طرف الفدائيين لاختيار من يمكن أن يثقوا بهم للاعتماد عليهم في نقل بعض الرسائل حدثنا عمي جمال عن الاختبار الذي خاضه والذي على أساسه تم اختياره كمكلف بنقل الرسائل والأسلحة والقيام بالتجسس لصالح الفدائيين حيث يقول ''رغم صغر سننا إلا أننا كنا نعرف كل الفدائيين بحينا، وحدث أن تقدم إلي فدائي أعطاني مسدسا وطلب مني قتل شخص أشار إلي بمكانه فتوجهت مباشرة ومن دون تردد، وما هي إلا لحظات حتى ناداني وقال إنه فدائي مثلي، وأنت من اليوم معنا، ومنذ تلك اللحظة تحولت إلى مكلف بنقل الرسائل والأسلحة داخل محفظتي من دون أن يشك أي أحد بي، كما كنت أشارك في العمليات الفدائية حيث أخرج رفقة الفدائي الذي يكون سلاحه بمحفظتي بعدها يأخذ مني السلاح ينفذ به عمليته ويعيده إلي لأخفيه، كما كنت أقوم بحراسة الفرق الفرنسية ومعرفة الأماكن التي يتواجدون بها حتى لا يقصدها الفدائيون''. ''حقيقة كنت صغير السن ولكني كنت أتمتع بشجاعة كبيرة، لا أعرف معنى للخوف ولو قطعوني إربا إربا ما أبلغت عن أي شيء أعرفه''.. يصمت عمي جمال ويقول ''واليوم نلاحظ نوعا من التهميش وقلة احترام، ونحرم من المنحة ولا نوصف حتى بالمجاهدين على الرغم من أن المهام التي كنا نكلف بها كانت كبيرة، ولو لا وجود أمثالنا لما نجحت بعض العمليات الفدائية التي تعتمد أساسا على نقل الأخبار والتجسس على العدو وإخفاء السلاح ويطلق علينا اسم المداومون''-.