يعتبر الجنس من الموضوعات الهامة في حياة الإنسان، والغريزة الجنسية خلقها الله للمتعة واللذة وإنجاب الأطفال، وعلى الرغم من أن هذه الغريزة طبيعية إلا أن الحديث عنها مازال من الطابوهات في بعض المجمعات، انطلاقا من هذا المبدأ رغبت ''المساء'' في معرفة ما مدى توفر الثقافة الجنسية في المجتمع الجزائري، ومن هي الجهة التي من المفروض أن يستقي منها الطفل ثقافته، خاصة في خضم ثورة المعلومات التي نعيش في ظلها اليوم. فالشاشة الصغيرة ولاسيما بعد انتشار الفضائيات في معظم البيوت تعرض من الأفلام والبرامج ما يعطي ملامح فكرية عن حياة جنسية مطلقة وغير مضبوطة بقواعد محددة. يسأل الأبناء منذ طفولتهم أسئلة عن الجنس، ويريدون إجابة شافية ومقنعة عن هذه الأسئلة، وهنا يجد الوالدان حيرة شديدة في طبيعة الرد على أطفالهم؟ وهل يتحدثون في الأمور الجنسية أم لا؟ وفي أي سن يمكنهم الإجابة على أسئلة أطفالهم؟ وما يجب تعليمه للأطفال عن الأمور الجنسية دون ضرر؟ وأسئلة الأطفال الجنسية لا تواجه الوالدين فقط ولكن نفس الأسئلة تواجه المدرسين، فهل للمؤسسات التعليمية والتربوية دور في إكساب التربية الجنسية للأطفال؟ نجيب عن بعضها ونترك بعضها ليكتشفها بنفسه نظراً لكون الجنس من الموضوعات الحيوية، فإن الهروب من الحديث عنه أسلوب غير علمي، فالجنس يمس حياتنا اليومية ومن ثم لا يجوز أن ندفن رؤوسنا في الرمال كالنعامة. لذا نجد الأطفال منذ نعومة أظفارهم يتعلمون الجنس بأساليب عديدة، فالطفل قد يشاهد طفلاً آخر عارياً، كما قد يشاهد مناظر في التليفزيون وفي الطريق العام، هذا فضلاً عن الإحساسات الجنسية التي تولد معه، ولهذا إذا لم يجد الطفل توجيها واضحاً فسيكوّن لنفسه مفاهيم جنسية قد تكون خاطئة، ومن هنا يظهر دور الأولياء في توجيه وإرشاد الأبناء الى ما ينبغي لهم إدراكه، فهذه السيدة حورية أم لطفلين التقتها ''المساء'' أمام إحدى المؤسسات التربوية بصدد انتظار خروج ابنها، قالت حول الموضوع ''حقيقة يوجه إلي ابني ذو ال8 سنوات أسئلة محرجة، كأن يقول لي من أين جئت؟ وكيف ولدت؟ ولأني على يقين بضرورة عدم الكذب عليه أجيبه ببعض الحيلة، وأسعى كي أقنعه وأقرب له الصورة مع احترام سنه، كأن أقول له جئت بك من بطني بعد زيارة المستشفى'' وتضيف ''أعتبر دور الأولياء ضروريا حتى يتلقى الطفل ثقافة جنسية صحيحة، ولكن هناك حالات أجد فيها نفسي عاجزة عن الإجابة، فحبذا لو يتم إدراج هذه المادة ضمن البرامج التعليمية لحماية أطفالنا، وأقترح إدراجها في المرحلة المتوسطة، حيث تبدأ علامات البلوغ تظهر على الأطفال وتكثر أسئلتهم''، بينما حدثنا السيد زوبير الذي كان بدوره ينتظر خروج ابنته من المؤسسة التربوية عن الموضوع قائلا ''شخصيا أعتبر مسألة الثقافة الجنسية هامة، إلا أنه لابد من مراعاة المرحلة العمرية للطفل، ولا حرج من الكذب عليه خلال مرحلة الطفولة لاسيما إن كانت الإجابة معقدة، لأنه عندما يكبر سيكتشف بعض الأمور بنفسه لا سيما في ظل الثورة المعلوماتية، حيث نجد لكل سؤال جوابا''، وحول ما اذا كانت المعلومات التي يتلقاها صحيحة أو خاطئة يضيف ''أعتقد أنها مسؤولية المؤسسة التربوية التي من المفروض أن تلقن الأطفال بعض المفاهيم التي تساعدهم على فهم بعض الأمور المتعلقة بالجنس'' انطلاقا من رأي هذا الولي طرحنا سؤالا على بعض البالغين مفاده: ''من أين تلقيتم ثقافتكم الجنسية؟'' التلفزة والصديقات لقنونا الثقافة الجنسية في استطلاع صغير قامت به ''المساء'' مع شريحة من الطالبات الجامعيات تبين أنهن يعتبرن الثقافة الجنسية مادة تربوية غاية في الأهمية، إلا أن المصدر الوحيد للإجابة عن انشغالاتهن في مرحلة المراهقة كان التلفزة والصديقات، فهذه الطالبة فاطمة الزهراء تدرس بقسم علم النفس حدثتنا عن الطريقة التي مكنتها من فهم بعض الأمور حول الجنس قائلة ''كانت تدور في بالي العديد من الأسئلة التي لم أكن أجد لها إجابة شافية من الأسرة، إلا أني بحكم متابعتي لمختلف القنوات الفضائية تمكنت من فهم بعض الأمور التي كانت بالنسبة لي غامضة، كما كنت أبحث في حقيقة بعض الأمور عند صديقاتي من اللواتي يتمتعن بوعي في ما يخص الثقافة الجنسية خاصة إن كن متزوجات''، وهو نفس الرأي الذي عبرت عنه الطالبة فتحية التي تدرس في قسم اللغة الألمانية، حيث اعتبرت الثقافة الجنسية غاية في الأهمية خاصة عند الفتاة، ولأن الأسرة لا تقوم بدورها كما يجب حيث تقول: ''أذكر أن والدتي كانت تتحرج كثيرا عندما أوجه لها بعض الأسئلة وتتجنب الرد علي بالقول عندما تكبرين ستفهمين وحدك! وكأن هذه الثقافة تأتي بمفردها''، وتضيف ''ثقافتي الجنسية المحدودة تلقيتها من اطلاعي على المجلات ومتابعة ما يكتب بالصحف وما يبث على الفضائيات، كما أن الصديقات لعبن دورا مهما في توضيح بعض الأمور الغامضة لي والتي لم أتمكن حتى من البحث فيها مع والدتي'' لذا تعلق قائلة ''حبذا لو يتم إزالة هذا الغموض الذي نواجهه بإدراجها بالمؤسسات التربوية كمادة قائمة بذاتها تمكن المتلقي من فهم بعض الأمور الجنسية بصورة مضبوطة وفي إطارها الشرعي، لأن ما لا يدركه الأولياء هو أننا في كثير من الأحيان لا نفهم بعض الأمور الجنسية بصورة صحيحة وهو ما يوقعنا في الخطأ''. ماذا عن الثقافة الجنسية بالبرامج التربوية؟ المتفق عليه عند بعض الأساتذة المستجوبين في الطورين الابتدائي والمتوسطي أنه ليس هناك مادة تربوية قائمة بذاتها تتعلق بالثقافة الجنسية، وهو ما يوقع بعض الأساتذة في إحراج خاصة إن كان السؤال الموجه من التلميذ لا يخص المادة المدروسة، كمادة الفيزياء أو حصة اللغة العربية، فإجابة الأساتذة تصب في وعاء واحد وهي ''هذا السؤال خارج عن الموضوع '' بينما لاحظنا أن بعض الأساتذة يوجهون التلاميذ إلى أساتذة العلوم الطبيعية أو التربية الإسلامية. ''المساء'' دردشت مع المعلمة نجية يحمي أستاذة في مادة العلوم الطبيعية التي حدثتنا قائلة '' توجه لنا في كثير من الأحيان أسئلة محرجة من التلاميذ، وبالنسبة لي لا اعتبرها محرجة وأتعامل معها بكل تلقائية، حيث أجيب على السؤال وأحاول أن أجعل الاستفادة عامة'' وتضيف ''ألاحظ في كثير من الأمور أن التلاميذ عندما يتعلق الأمر بمواضيع جنسية كموضوع التناسل والتكاثر أو التلقيح يضطرب سلوكهم ويكثر الغمز والشوشرة، لأنها مواضيع بالنسبة لهم محرجة، وهذا بالطبع راجع إلى التنشئة الاجتماعية التي جعلت الحديث في مثل هذه المواضيع مسألة غير عادية نتيجة للكبت الموجود''، من جهة أخرى ترى المتحدثة أن هناك عددا قليلا من الدروس تعد على الأصابع فيما يخص الثقافة الجنسية بمادة العلوم، لذا بات من الضروري إدراج مادة حول التربية الجنسية حتى تجيب على انشغالات التلاميذ بطريقة علمية''. بينما حدثتنا الأستاذة لطيفة، وهي معلمة في مادة الرياضيات بالطور المتوسط ومرشدة دينية قائلة: ''أنا شخصيا تطوعت رغم أني أدرّس مادة الرياضيات لتخصيص العشر دقائق الأخيرة من الحصة للإجابة على انشغالات بعض التلاميذ المتعلقة بالجانب الجنسي، لأني اعتبرت نفسي مسؤولة عن المفاهيم الخاطئة التي يتلقاه أبناؤنا اليوم، خاصة عندما أتجول بالساحة وأشاهد بعض المناظر التي لا تمت إلى ديننا بصلة، كأن أشاهد مثلا فتاة تجلس في حجر زميل لها أو تسمح له بوضع رأسه على حجرها، وغيرذلك من المناظر المنحرفة، وهذا إنما يدل على الفهم الخاطئ لمعنى الجنس والذي أعتقد أنه راجع أيضا الى قلة الوعي الديني، خاصة وان مادة التربية الإسلامية لا تغطي احتياجات المتعلمين، لأنها تضم جملة من المبادئ والأحكام العامة لذا لابد من وجود مادة مستقلة توصل الثقافة الجنسية لأبنائنا بصورة مضبوطة شرعا وتحميهم في ذات الوقت من اكتساب مفاهيم خاطئة وسلوكيات شاذة توقعهم في الخطأ''. الأسرة والمؤسسة التربوية يكملان بعضهما البعض ترى السيدة بوشارب دجلة أستاذة في علم النفس العيادي أن للتربية الجنسية جوانب متعددة حيث تتمحور أولا في جسد الطفل حيث نطرح السؤال أولا . هل يعرف هذا الطفل أعضاءه الجنسية؟ من هنا تبدأ مرحلة اكتساب الطفل للثقافة الجنسية أي ابتداء من عمر السنتين، وهو دور يتقمصه الأولياء عادة، وبعد الاكتشاف الجسدي تأتي مرحلة البحث في كيفية إيصال التربية الجنسية الى الطفل بالطريقة الصحيحة مع مراعاة سنه الصغير، ثم تليها مرحلة بلوغ الطفل سن الخامسة، في هذه المرحلة ينبغي على الأولياء ان يوضحوا لأبنائهم ان للجنس حدودا ينبغي مراعاتها، كان لا يلمس أعضاءه التناسلية أمام الآخرين، ولا يترك الآخرين يلمسونها، كما لا ينبغي الكشف عنها او الحديث عنها إلا في إطار عائلي مع الوالدين، إن تحقق هذا فيعني أن الطفل قد اكتسب ثقافة جنسية أولية لتأتي المدرسة التي تجعل الطفل يكتشف حقيقة أن هناك فروقا بين الذكور والإناث ولأن الطفل مطلع على هذه الأمور وتعتبر مدركة بالنسبة له فلا تأخذ من اهتمامه أكثر من شيء سمعه، وبالتالي يتكون لدينا طفل محمي من الشذوذ الناتج عن محاولة الاكتشاف الفردي، بينما إن لم يتلق هذه الثقافة بالأسرة نتحصل على طفل غير واع يبحث عن إجابات لأسئلته بصورة فردية وعشوائية، من جهة أخرى اعتبرت المتحدثة التلفزة من أخطر المصادر التي يتلقى من خلالها الطفل ثقافة جنسية قائمة على مفاهيم شاذة وغير ملائمة لتربيتنا الدينية، وهي الرسوم المتحركة الأجنبية التي تعتبر عالم الطفل المفضل والتي تعلمه الإباحية الجنسية »فنشاهد مثلا نزع الذكر لملابسه أمام الفتاة أو تقبيل الفتى للفتاة وغيرها من المشاهد التي تشجع الطفل على الإباحية، من هنا تظهر أهمية ان يتلقى الطفل في نهاية الطور الابتدائي وبداية الطور المتوسطي ثقافة جنسية في صيغة مادة تربوية مضبوطة شرعا ومقننة، كما ينبغي أن تكون الدروس التربوية في هذا الإطار ذكية تفتح للطفل المجال للاكتشاف بطريقة صحيحة«. لا يمكن إقرار ثقافة جنسية في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد يرى الأستاذ رزقي بوحداد أستاذ في علم الاجتماع أن إرساء ثقافة جنسية في المجتمعات العربية أمر صعب، لأن هذه المجتمعات لا تزال تحت رحمة العادات والتقاليد، لذا مهما تفتح المجتمع وتحرر يظل مجتمعا تقليديا تحكمه بعض السلوكات والقيم التي تحول دون نشر ثقافة جنسية، لذا يقول ''إننا بعيدون جدا من حيث إدراج هذه الثقافة بالمؤسسات التربوية، فالدول الاسكندنافية مثلا اعتبرت الجنس مادة أساسية أدرجتها في المراحل الاولى من التعليم ابتداء من سن السبع سنوات، حيث يتلقى التلميذ تعليما جنسيا علميا أكاديميا، منذ الستينات من القرن الماضي«. من جهة أخرى يرى الأستاذ رزقي أن هذه الثقافة الجنسية على مستوى الأسر حاضرة نوعا ما بين الفتاة وأمها، حيث تبدأ الأم في تعريف البنت حول معنى الشرف وكيفية وأهمية الحفاظ عليه، والمقصود من العار وغيرها، بينما يترك الولد ليكتشف بعض الأمور بصورة عشوائية خاصة عند بلوغه سن المراهقة، حيث تصبح مثل هذه الأمور جد مطلوبة وتحوز على اهتماماته، لذا يقول ذات المتحدث ''إنه على الرغم من أهمية الثقافة الجنسية في حياة المجتمعات المعاصرة للتخلص من العقد النفسية أستبعد أن تكون هناك ثقافة جنسية في المجتمع الجزائري خاصة عند الذكور، لأننا كمجتمع مسلم ومحافظ نراعي دائما الجانب الديني الذي يظل مسيطرا على ثقافتنا حيث يصور لنا الجنس بحكم العادات والتقاليد السائدة بالمجتمع مسألة غير مستحبة ولا تزال من المحرمات التي لا ينبغي أن تناقش بصورة علنية في الوسط العائلي فكيف إذاً بالوسط المدرسي''.