إذا كان انتشار مرض السرطان في السنوات الأخيرة واقعا يمس كل بلدان العالم، فإنه يعرف في الجنوب الجزائري تطورا يوصف ب ''الخطير'' من طرف الكثير من المختصين والعاملين في الميدان، لاسيما في محور أدرار - رقان - جانت -تمنراست، ورغم أن أغلب من تحدثنا إليهم يعتبرون ان السبب وراء الارتفاع المخيف لعدد المصابين بالسرطان وأمراض أخرى في المنطقة راجع إلى الإشعاعات الناتجة عن التجارب النووية، فإن غياب الأدلة العلمية على ذلك تعيق تأكيد العلاقة بين الاثنين. كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن مسألة التجارب النووية التي أجرتها فرنسا في الجنوب الجزائري في الخمسينيات من القرن الماضي، وذلك من زاوية الضرر الذي مازالت تتسبب فيه بعد أن لوحظ انتشار غير عادي لمختلف السرطانات وأمراض أخرى لدى سكان المنطقة. وأكدت أغلب الملتقيات التي نظمت حول هذا المحور على أهمية إجراء تحقيقات ودراسات علمية لتأكيد وجود علاقة بين الإشعاعات النووية المخلفة في المنطقة والأمراض التي يعاني منها السكان، وهو ما يفتح الباب أمام المطالبة بالتعويضات لهم. التقينا على هامش الملتقى الرابع حول سلك شبه الطبي العامل في مصالح الأورام السرطانية الذي نظم مؤخرا في الجزائر بالسيد عبد الرحمان تومي وهو رئيس جمعية الغيث القادم الخيرية لمساعدة المرضى برقان، وتحدثنا معه في المسألة، فأكد أن هناك فعلا انتشارا لافتا للانتباه للسرطان بكل أنواعه ولأمراض أخرى، وهو ما جعله يفكر في إنشاء هذه الجمعية سنة ,2010 مشيرا إلى أنها لاتهتم فقط بمرضى السرطان ولكن بكل الأمراض الأخرى المنتشرة. 80 بالمائة من سكان قرية برقان صم بكم الجمعية تنشط في منطقة ادرار ومقرها برقان حيث تمت التجارب النووية الفرنسية، والمشكلة كما يقول محدثنا ليست فقط انتشار الأمراض ولكن ''الفقر الذي يعاني منه سكان المنطقة الذين يعد أغلبهم من البدو الرحل، وهو ما لايسمح لهم بالعلاج... كما أن نقص الوعي لديهم يؤدي الى عدم لجوئهم إلى الفحص المبكر أو المراقبة الطبية الدورية، وبالتالي غالبا ما يصل إلينا المريض وهو في حالة متقدمة من المرض، أي بعد فوات الأوان''. ولأن أغلبهم يحتاجون إلى مساعدة سواء للتكفل بهم أو للتنقل إلى العاصمة من أجل الفحوصات أو العلاج، فإن الجمعية تأسست لتقديم يد العون لهم، وهي تعمل بالتنسيق مع جمعيات أخرى في نفس المجال من بينها جمعية ''نور الضحى". ويطالب السيد تومي السلطات بالإسراع في اتخاذ بعض الإجراءات على رأسها'' إجراء تحقيق في المنطقة حول أسباب انتشار مختلف الأمراض لاسيما السرطان... هناك منطقة الحمودية مثلا التي يعيش سكانها في قلب المستنقع أي في منطقة التفجير النووي... ونطالب كذلك ببرنامج وطني تشرف عليه وزارة الصحة خاص بهذه المنطقة من أجل تشجيع التشخيص المبكر.. كانت لدينا اتصالات بالوصاية، وقد وعدونا بدراسة هذا المقترح، لكن نتمنى الإسراع في تحقيق ذلك ضمانا لحياة سكان المنطقة وصحتهم''. وعن الأمراض الأكثر انتشارا إضافة للسرطان أجابنا السيد تومي قائلا ''أهمها التشوهات وأمراض القلب، إضافة إلى انتشار ظاهرة الأطفال الصم البكم، هناك على سبيل المثال قرية في المنطقة يمكن القول إن أكثر من 80 بالمائة من سكانها صم بكم، أخيرا تمكنت بمساعدة نائبين في البرلمان من جلب ستة أفراد من عائلة واحدة يعانون من الصمم والبكم إلى العاصمة من أجل إجراء تحاليل عليهم، لكن ذلك غير كاف، لابد من إجراء تحقيقات بعين المكان''. النقل الجوي للمرضى من أجل إنقاذ حياتهم من جانبها أكدت السيدة قاسمي رئيسة جمعية ''نور الضحى'' أن وضع مرض السرطان في الولايات الجنوبية ''خطير جدا'' وأن الأرقام تعرف منحى تصاعديا لافتا، وقالت ''إننا نستقبل الكثير من المرضى بالسرطان، ولاحظنا في السنوات الأخيرة أن أغلبهم من الجنوب، وأعتقد أنهم ضحايا الإشعاعات النووية، للأسف فإنهم لا يجدون من يتكفل بهم، أحيانا ينتقل المريض من برج باجي مختار إلى رقان على مسافة 650 كلم ليجد أمامه طبيبا واحدا في غياب سيارة إسعاف وكل اللوازم الأخرى، كما أن وزير الصحة وعد بتسهيل نقل مرضى السرطان من الجنوب إلى الشمال جوا، لكن لغاية الآن لم يتم الأمر، ونعرف جميعا أن إمكانيات أهل الجنوب المادية قليلة، ولا يمكنهم التنقل بأموالهم الخاصة، ولذا غالبا يصلون إلى العاصمة بعد فوات الأوان". مريضان أسبوعيا في تيميمون.. أغلبهم شباب نفس الواقع عبرت عنه الدكتورة الجراحة ليلى خناف التي تعمل في الجنوب منذ أكثر من 13 سنة، حيث كشفت لنا أنها لاحظت انتشارا كبيرا للمرض الخبيث في السنوات الأخيرة، مشيرة إلى أنها بصفتها تعمل في تيميمون فإنها تجد نفسها في المحور المعني بالتفجيرات النووية، لذا فهي لا تستبعد وجود علاقة بين الأخيرة وهذا الانتشار الهائل للسرطان في منطقة معروفة بقلة سكانها وبمعيشتهم التقليدية البعيدة عن النمط المعيشي المعاصر الذي كثيرا ما يشار إليه بإصبع الاتهام كلما كان الحديث عن مسببات السرطان. وحسب السيدة خناف فإن معدل الإصابة بالسرطان بلغ حالتين أسبوعيا هناك، وأكثر الحالات تخص سرطان الثدي وسرطان المبيض وسرطان الجلد، وكذا سرطان الرئة لدى الرجال. كما أن معدل عمر المصابين انخفض إلى 45 سنة، وأصبح من الشائع استقبال مرضى في سن ال18 أو ال,20 وهو ما يجعل من عملية التكفل أولوية لإنقاذ حياة هؤلاء الشباب والشابات. وتشير إلى صعوبة هذه العملية بالنظر إلى غياب الإمكانيات، فإذا كانت الجراحة متاحة في عين المكان فإن العلاج الكيميائي أو العلاج بالأشعة غير متاحين، ويضطر المريض للتنقل للعاصمة، تقول: ''علاقتنا جيدة مع البروفيسور كمال بوزيد رئيس مصلحة بيار وماري كوري للسرطان، ويمكن أن نحدد مواعيد للعلاج الكيميائي لمن يحتاجها، لكن بالنسبة للعلاج بالأشعة فإن المشكل مطروح بحدة لأن المواعيد عادة ما تتجاوز ثلاثة أشهر، أي بعد فوات الأوان، لذا نطالب بتوفير إمكانيات أكثر على مستوى المنطقة لاسيما أن سكانها محدودو الدخل".