سيتم ابتداء من السنة المقبلة فتح ثانويات الامتياز لتشجيع الطلبة على الإقبال على شعب الرياضيات ورياضيات تقني بعد أن لوحظ عزوف الطلبة خلال السنوات الأخيرة عن الفروع العلمية وانخفاض التسجيلات الجامعية في مجال العلوم الأساسية والتكنولوجيا من حاملي شهادة البكالوريا، الذين يفضلون التسجيل في التكوينات المفتوحة عن طريق المسابقات. فخلال اليوم البرلماني الذي نظمته لجنة التربية والتعليم العالي والبحث العلمي والشؤون الدينية بالمجلس الشعبي الوطني أمس حول موضوع ''مواءمة برامج التعليم في المنظومة التربوية والتعليم العالي على ضوء الاصلاحات الجارية''، دق الأستاذ العسكري محمد الطيب، عضو مجلس الامة ناقوس الخطر بسبب ابتعاد الأجيال الشابة عن الدراسات العلمية والتقنية بالرغم من أن ''العلوم والتكنولوجيا هي مفاتيح أساسية لمستقبلهم''، مشيرا إلى أن هناك بعض القلق حول مستقبل التكوين العلمي والتقني رغم أنه يوفر الكثير من فرص التشغيل. وأكد المحاضر أنه حتى أواخر السبعينيات كان يوجه معظم التلاميذ النجباء تلقائيا إلى الثانويات التقنية وقدم في هذا الصدد مثالا عن الثانوية التقنية لولاية عنابة التي كانت تجمع أفضل العناصر للمنطقة (عنابة، الطارف، قالمة، سوق اهراس وتبسة)، كما أن أحسن التلاميذ من السنة الأولى يتم تنقلهم إلى السنة الثانية لتحضير بكالوريا رياضيات تقني، ليضيف في هذا الصدد قائلا ''فكرة ثانوية الامتياز كانت موجودة في ذلك الوقت بطريقة غير مباشرة''، إضافة إلى أن حاملي شهادة البكالوريا علوم، رياضيات ورياضيات تقني يسجلون في معظم الحالات وبرغبتهم في العلوم الدقيقة والتكنولوجيا وحتى التحويلات مابين الكليات والأقسام. وبرر الأستاذ العسكري عزوف الطلبة عن فروع العلوم الأساسية والتكنولوجية في السنوات الاخيرة بسبب الظروف الاقتصادية التي مرت بها البلاد، إذ خلافا لما كان عليه الأمر في السبعينيات من ''ثورة صناعية'' كانت تفتح المجال أمام الطلبة للدخول في سوق العمل، ونجد أن الطلبة الحاصلين على شهادة البكالوريا في العلوم الأساسية مؤخرا يوجهون حسب رغباتهم إلى العلوم الإنسانية والاجتماعية، العلوم القانونية والادارية والعلوم الاقتصادية والتسيير. ولم يتردد المحاضر في تحميل جزء من المسؤولية إلى الإعلام بالقول إنه لا يهتم بما يحدث في مؤسسة صناعية إلا في حال حدوث تلوث وإضرابات وإعادة الهيكلة والافلاس. وفي حديثه عن الفشل الدراسي أشار إلى أنه ناجم من توجيه خاطئ للتلاميذ والطلبة ففي الثانوية نجد أن الأقسام التكنولوجية تعمل أكثر ''كملجإ للطلبة الذين يتلقون صعوبات في الدراسة كحالة مثمنة تستجيب لخيار إيجابي، أما في الجامعة فتم تسجيل عدم التجانس في الطور الأول والذي يحدث بسبب وجود الطلبة الجدد والطلبة الذين تمت إعادة توجيههم بعد فشلهم في الفروع الأخرى. من جهته ثمن الأستاذ بوبكر سمير في محاضرته التي حملت عنوان ''إصلاحات المنظومة التربوية، الطور ما قبل الجامعي'' الجهود التي بذلتها وزارة التربية الوطنية من أجل هيكلة التعليم ما قبل الجامعي من خلال إعادة مراجعة الشعب الثانوية التي كان عددها في السابق 15 شعبة وتقليصها إلى 6 بسبب أنها كانت نظرية أكثر منها تطبيقية. وأشار المحاضر إلى أن ذلك يهدف إلى وضع هيكلة مؤهلة دائمة بتأسيس اللجنة الوطنية للبرامج وتنصيب مجموعات متخصصة في المواد العلمية لإعداد البرامج التعليمية في ظل التوجيهات القاضية بضمان انسجام بين منتوج التربية والتكوين في التعليم العالي. ورغم إشادته بالبرامج الجزائرية التي قال بأنها ذات مستوى عالمي وتسجيله لتطور نوعي وكمي في شهادة البكالوريا، إلا أن الاستاذ بوبكر سمير أبرز أهم العوائق التي تواجه عامل التوجيه والمتمثلة أساسا في التدريس باللغة الفرنسية لبعض المواد العلمية في الجامعة بعد أن كان التلميذ يدرس طيلة 12 سنة كاملة باللغة العربية، مشيرا إلى أن ذلك يعد أحد عوامل إخفاق التلاميذ لا سيما في السنة الأولى جامعي الذي قدر نسبته وزير التعليم العالي والبحث العلمي السيد رشيد حراوبية سابقا ب70 بالمائة. وفي هذا الصدد أكد المحاضر أن جهودا تبذل من أجل تدارك هذا الاختلال من خلال إدخال مصطلحات بالعربية والفرنسية لتسهيل التكيف مع المرحلة الجامعية. من جانبه قدم الأستاذ مرابط جودي محاضرة حول التعليم الجامعي وديناميكية الإدماج المهني -دراسة حالة جامعة بجاية- أكد فيها أن إرساء نظام ''ال ام دي'' مرهون بإرساء أرضية ملائمة وبتغيير الدهنيات والمحيط وإضفاء نظرة جديدة على الجامعة، في حين أشارت مداخلة السيد بوروبة نوار المدير العام للمعهد الوطني للتكوين والتعليم المهنيين حول ''التكوين المهني في الجزائر'' إلى أن إصلاح التكوين المهني لم يكن ليتحقق من دون إصلاح التربية الوطنية وأن الإصلاحات التي مست المنظومة التربوية بمكوناتها لم تكن إلا استجابة لهذا الانشغال لا سيما وأن هذه المنظومة كانت ولسنوات عدة رهينة لاختلالات وقفت دون تحقيق هذه الأخيرة لما يصبو إليه محيطها الاجتماعي والاقتصادي.