نظمت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أمس وقفة تأبينية على روح العلامة عبد الرحمن شيبان وذلك بدار الإمام بالمحمدية، التي لم تتسع قاعة المحاضرات بها لاستيعاب الوافدين إليها من كل حدب وصوب. افتتح اللقاء المقرئ محمد ذيب ابراهيمي الذي تلا آيات من الذكر الحكيم ومباشرة بعد النشيد الوطني قرأ الأستاذ عبد المجيد بيرم كلمة الجمعية التي كتبها الاستاذ محمد لكحل شرفاء النائب الأول لرئيس الجمعية والتي جاء فيها أن المناسبة عربون وفاء لرجل وهب حياته لرسالة الجمعية، بل ظل إلى آخر رمق من حياته يوصي بالجمعية وبضرورة التمسك بمبادئها لأنها تضمن المجد والعزة في الدنيا والسعادة في الآخرة. شيبان هو العالم والمربي والمعلم الناصح والناضج تجتمع فيه كل الصفات التي هي متفرقة، في خلق الله. يتميز الراحل بتجربة الشيوخ ونظرة الفقيه الموازن بين المصالح والمفاسد وترتيب الأولويات وبدبلوماسية رجل الدولة المسؤول عن قراراته وسلوكاته، مرت 92 سنة من حياته، حافلة لامكان فيها للفراغ أو السكون، لذلك فإن رحيله خسارة للجزائر وللغة العربية وللعالم الإسلامي، فهو الرجل الذي لم يكن ملكا لأهله وللجمعية فقط بل لكل المسلمين. بعدها تم عرض شريط مصور تضمن محاضرة ألقاها الراحل شيبان سنة 2008 في آخر مؤتمر للجمعية وكانت طافحة بالمبادئ والقيم الوطنية والإسلامية. مثّل عائلة الراحل في هذه الوقفة ابنه الدكتور عبد الحميد شيبان الذي خانته دموعه وهو يقرأ كلمة وجهها للحضور مشيدا بالوالد الذي كان نعم الأب بحنانه وسخائه وبالتزامه بالصرامة في كل ما هو حق، كما قرأ قصيدة تأبينية أبكت الحضور. أما السيد بوعبد الله غلام الله وزير الشؤون الدينية والأوقاف فوصف الراحل ب'' شيخ الجزائر'' و''الرجل الأمة'' لما له من مآثر في التربية والجهاد أثناء الثورة ونضاله بعد الاستقلال لتوطين التربية والتعليم الجيد، حيث كان من السباقين إلى تشكيل لجنة التأليف المدرسي بعد الإستقلال. حضر التأبينية الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة التونسية الذي حرص على الحضور رغم توجهه للمطار وذلك لمكانة الراحل ودوره في حركة الإصلاح، كما أشاد بالمناسبة بدور الجزائر الريادي المؤيد دوما للحق مشيرا إلى أنه يعود إلى الجزائر بعد 20 سنة من الغياب وشاءت الأقدار أن يكون الرجوع متزامنا مع تأيبينية الراحل شيبان هذا الرجل - كما قال - الذي تبقى آثاره شاهدة عليه متجلية في آلاف تلاميذه الذين رباهم وتبقى أيضا بقوته المستمدة من الحق لمواجهة أية مشاريع مشبوهة تضرب الجزائر. يتذكر الشيخ الغنوشي مجيئه إلى الجزائر بداية الثمانينات مع 500 من رفقائه وكيف أن الجزائر فتحت له الأبواب وكيف كان شيبان يحتضن هؤلاء الضيوف من تونس. تكلم الشيخ أيضا عن تاريخ جمعية العلماء وارتباطها بجامع الزيتونة وشيوخه وعلى رأسهم الإمام الأكبر أحمد الطاهر بن عاشور (أستاذ ابن باديس) وكيف كان العمل مشتركا ومتكاملا إبان الفترة الاستعمارية إلى درجة أن معهد ابن باديس بقسنطينة أصبح فرعا للزيتونة، في ذلك الوقت اعترافا بمكانته العلمية الأمر الذي أثار الاستعمار. في الأخير أكد الغنوشي أن مصير المغرب العربي واحد وأن هذه المنطقة كانت أكثر المناطق الاسلامية (عكس المشرق) ترحيبا بالمشروع الاصلاحي كما أكد ذلك الراحل محمد عبده عندما زار تونسوالجزائر في بداية القرن ال .20 الأستاذ جدواني - المكلف بالتراث في الجمعية - تطرق إلى السيرة الذاتية للراحل منذ أن كان تلميذا، حيث تعلم على يد المختار الورتلاني إمام منطقة الشرفة ثم محمد السحنوني ثم على يد شيوخ الزيتونة. للإشارة فقد حضر التأبينية بعض ممثلي السلك الدبلوماسي المعتمد في الجزائر وممثلي الأحزاب وبعض الشخصيات الوطنية والدينية والثقافية. على هامش التأبينية أقيم معرض لصور الراحل مع أبرز قادة الثورة التحريرية ومع رؤساء وملوك الدول ومع العلماء والمفكرين.