يكتنز الجامع الأخضر تراثا دينيا وثقافيا وسياسيا ثقيلا كان له دوره في مسار حركة التاريخ التي مرت بالجزائر وبذلك توجب أن يكون هذا الصرح معلما تاريخيا وطنيا. عانى هذا المسجد لسنوات طويلة من الاهمال مما انعكس على حالته المعمارية، حيث اهترأت جدرانه نتيجة تسرب مياه الأمطار شتاء إضافة إلى عوامل أخرى كثيرة. شهد المسجد في السنوات القليلة الماضية بعض الترميمات وينتظر المزيد منها كي يسترجع عافيته كاملة وهو الذي ظل عقودا صامدا أمام الزمن وفي وجه الاستعمار. المسجد يعطي لحي السويقة بقسنطينة مسحة من هيبة التاريخ لذلك يفضله السكان على باقي المساجد الجديدة كما يرتبطون بدروسه وبنشاطاته الدينية والثقافية المنتقاة بعناية. المسجد الأخضر من أهم مساجد مدينة قسنطينة والجزائر عموما بناه الباي حسن بن حسين الملقب ''أبو حنك'' الذي تولى حكم قسنطينة من عام 1736 حتى 1754 وكان بناء المسجد سنة 1743 كما تدل عليه كتابة الرخامة الموجودة فوق باب مدخل بيت الصلاة وبجواره مدرسة أيضا. كان يقوم بالتدريس فيه نحو 8 من المدرسين وآخر من أحيا فيه سنة التدريس العلامة ابن باديس. يسمى الجامع الأخضر بالجامع الأعظم وهو يقع بحي الجزارين قرب رحبة الصوف ولا تزال تقام فيه الصلاة وبعض دروس الوعظ والإرشاد، أما عهد ازدهاره الذي بلغت سمعته خارج الحدود فكان في زمن جمعية العلماء، حيث قام ابن باديس بالتدريس وتفسير القرآن لمدة 25 سنة. كان البرنامج الدراسي في هذا المسجد يدل على مستوى التعليم الشرعي في تلك الأيام، حيث قدمت دروس للمبتدئين وغيرهم مشتملة على فنون من علم اللسان يقدمها ابن باديس وخلاصة الطلبة الدارسين في المسجد. بلغ عدد التلاميذ الذين يدرسون العلم الشرعي في كل من الجامع الأخضر ومسجد سيدي قموش 200 طالب كان ابن باديس يجمعهم في نهاية السنة في حفل بهيج يكرم فيه المتخرجين ويحثهم على العمل لدين الله عز وجل ويرغب من حضر الحفل من غير الطلبة على الالتحاق بركب العلم. كان المسجد الأخضر بحق أحد قلاع الدين والعلم التي حفظت للأمة دينها وهويتها طيلة فترة الاستعمار. كان المسجد مركزا تربويا يربى فيه عامة الناس على فضائل الأخلاق وكريم الشمائل ومعرفة حقوقهم وواجباتهم في المجتمع المسلم، وبقي المسجد محافظا على هذه المبادئ في وقت طغت بعض الأغراض الدنيوية على مساجد أخرى، حيث انقلبت بعض حلقاته الى موارد للرزق ومعاقل للتعصب المذهبي والطائفي. يقول ابن باديس حول الرسالة الرائدة للمسجد في مجال التعليم ''المسجد والتعليم صنوان في الاسلام من يوم ظهر الاسلام فما بنى النبي الأعظم يوم استقر في دار السلام بيته حتى بنى المسجد فأقام الصلاة فيه وجلس لتعليم أصحابه ليرتبط المسجد بالتعليم كارتباطه بالصلاة فكما لا مسجد دون صلاة كذلك لا مسجد دون تعليم وحاجة الاسلام إليه كحاجته إلى الصلاة''. يبرز ابن باديس الدور الايجابي الذي تؤديه المساجد في تعليم وتثقيف العامة فيقول ''إذا كانت المساجد معمورة بدروس العلم فإن العامة التي تنتاب تلك المساجد تكون من العلم على حظ وافر وتتكون منها طبقة مثقفة الفكر، صحيحة العقيدة بصيرة بالدين''. اتخذ ابن باديس من المسجد الأخضر مدرسة لتكوين القادة واعداد النخبة التي حملت مشعل الاصلاح وأخذت بيد الأمة تعلمها دينها وتصحح عقائدها وتوحد صفوفها ضد الاستعمار.