بين الشعر والقصة يعبر السرد الفني من على جسر الأدب فوق نهر الزمن الجارف ومكان الحزن الذي يغمر الأشياء بألوانه الرمادية وكأنها بقايا لحرائق كبيرة، هي الكلمات عندما تطوف بنا أحياء القبيلة تبحث عن أثر من رسموا خريطة الوطن وساروا صحبة قافلة التاريخ.. هنا فقط يتوقف الشاعر صالحي ميلود ويستوقفنا لتفحص المكان، قد يكون التوقف للبكاء ويبقى السؤال هو ذاته: وتبكي الأحزان؟! المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر صالحي ميلود ''... وتبكي الأحزان'' الصادرة مؤخرا عن الجاحظية، هي مجموعة، وإن صح التعبير، حزمة أحزان أبى الأستاذ صالحي إلا أن يحلمها على حروف عجفاء لا تستطيع حمل هذا الثقل المتراكم منذ بدأ التاريخ للحزن والبكاء.. يقول الأستاذ صالحي في تقديمه لمجموعته الشعرية ''وتبكي الاحزان.. خنجر مغروس في نحور الخانعين، المنبطحين على نصب الخيانة المتسولين على أرصفة العهر والشهوات، المتفسخين في بؤر النفط النتن والغارقين في لجج دماء المستضعفين البسطاء الحالمين بجرعة ماء وقطعة رغيف''. ويؤكد الأستاذ صالحي ميلود أنه يصرخ بكل أفواه الرفض في وجه زمننا العربي المزري الملقح بكل فيروسات التمسيخ والتشويه والانزلاقات الخطيرة في مهاوي الفتن والدمار فيقول: '' كتبت في جوف الليالي المضاءة بالرصاص وبالخوف ووميض البرق في قمم الجبال الموحشة الملغمة بالإرهاب، جبال دار الشيخ بتلمسان، وكتبت في قفاز تندوف، وأعالي قالمة وفي كل مكان لا يخطر على بال إنسان''. ويضيف الشاعر ''صالحي ميلود: ''إن الزمن لم يعد زمن الكتابات الجادة، وإن المتربعين على عرش الكلمة المعبرة والعابرة يرون أنه إما أن تكون المهلهل أولا تكون''. استهل الشاعر صالحي ميلود مجموعته الشعرية الجديدة بقصيدة ''ما بين العشق والنبوءة'' والتي يقول فيها: '' من بين العشق والنبوءة يحمل حلما أبدي الرغبات حافيا سرق من العمر أولى الخطوات يتعثر كالمهر الجامح ليصنع الفتوحات جوادي على ثرى الوديان الآتية من وحي القوافي والصلوات...'' ويقول في قصيدة رجولة: ''أعيان القبيلة كانوا عند مرة يتداولون الراحج جرة بجرة يتراهنون عن عدد الأيامي وعن شق الغبار وقهر الندامى'' ويمضي الشاعر بنا في مجموعته كأي صعلوك عربي خبر مفاوز الصحراء يقص أثر عصابات القوافل العابرة للتاريخ بأحاجي القصور والخمور العتيقة وروائح المخادع المخملية المسروقة من طريق الحرير... الشاعر يكتب المرارة العربية، يحرك الخنجر الإسرائيلي المغروس في الخاصرة، يصيح من وجعنا في وجعنا ويلهث ظامئا لسراب فارس يحتضن الصحراء ويلعب بلهبها المقدس ويركض مع كل الصهيل والحمية وتكسرت النصال على النصال. المجموعة تحتوي على 31 قصيدة وهي من القطع المتوسط. صالحي ميلود من مواليد 1971 بقرية البعاج ولاية الوادي التحق بصفوف الجيش الوطني الشعبي أواخر الثمانينيات، متحصل على شهادة البكالوريا وهو طالب سنة رابعة علوم سياسية وعلاقات دولية بجامعة بسكرة.