حذّر رئيس المجلس الاقتصادي والاجتماعي السيد محمد الصغير باباس، من مغبّة الاستمرار في نفس النمط الاقتصادي الحالي. وأضاف أنه في حال الاستمرار فيه فإن التداعيات ستكون سلبية على الأجيال القادمة، متسائلا: ”ماذا لو زالت المحروقات التي تُعد ثروة طبيعية رزقنا الله بها؟”، ولذا دعا إلى ”اليقظة” مشددا على أنها ”الرسالة الهامة التي خرج بها المنتدى الاقتصادي والاجتماعي للخمسينية”. وأكدت توصيات المشاركين في المنتدى لدى اختتام أشغاله أول أمس بقصر الأمم بنادي الصنوبر، على ضرورة الإسراع في الانتقال نحو نمط اقتصادي جديد قليل الاعتماد على المحروقات مع ضمان ديمومته، وذلك بوضع ميكانيزمات ضبط جديدة، محذّرة هي الأخرى من ”الضعف الهيكلي الذي تتعرض له الدولة والمجتمع والاقتصاد”؛ بسبب الاعتماد الكلي على مداخيل النفط والغاز رغم اتخاذ بعض التدابير الاحتياطية، كإنشاء صندوق ضبط الإيرادات. وما يغذّي هذه التخوفات جملة من المعطيات، أهمها المرحلة الانتقالية الطاقوية الراهنة، وعدم استقرار الأسواق العالمية للطاقة الناتج، بالخصوص، عن استغلال الغاز الصخري في الولاياتالمتحدةالأمريكية، والأزمة المالية في أوروبا وكذا الانخفاض في إنتاج وصادرات الجزائر من المحروقات. وأشارت التوصيات إلى أن هذا النمط الجديد يجب أن يعتمد على ثلاثة عوامل، هي ”تجديد نظم الحوكمة”، ”ترقية المقاولة الوطنية” و«تثمين الرأسمال البشري من أجل تجسيد اقتصاد المعرفة”، كما يقوم على أساس ”تنويع الاقتصاد”، لكن هذا الأخير لن يتحقق دون رفع العقبات، وأهمها تلك التي تُثقل كاهل المؤسسات، التي وصفتها التوصيات ب ”الرهان المحوري لنظام النمو الجديد الذي يمتد إلى 2020”. وفي السياق، تمت الدعوة إلى إلغاء عقوبة تجريم التسيير من أجل تحرير المبادرات في مجال المقاولة. كما شدّد المشاركون على ضرورة تنمية الموارد البشرية، كأساس للوصول إلى تحقيق اقتصاد المعرفة. وإذ أشاروا إلى أن أهم منجزات الجزائر المستقلة تم تسجيله في المنظومة التربوية لاسيما دمقرطة ومجانية التعليم وتطوير هياكله القاعدية، فإنهم اعتبروا أن التحدي الحالي يخص ”النوعية” لتكوين ”كفاءات عالية المستوى” مع إشراك الكفاءات الجزائرية في المهجر. ولم يُهملوا دور ”تكنولوجيات الإعلام والاتصال” في مرافقة هذا النظام الاقتصادي الجديد. واعتبروا أن تحويل التكنولوجيا لا يكفي إذا لم يرافَق بتشجيع الابتكار والتصنيع. وتحدّثت التوصيات عن ضرورة تطوير العقد الاقتصادي والاجتماعي وتكييفه مع التغيرات من أجل تدعيم الثقة بين مختلف الأطراف. كما دعت إلى خفض قيمة الواردات من الخدمات، التي تكلّف الجزائر سنويا 15 مليار دولار، بوضع استراتيجية لتطويرها، وكذا ترقية دور السياحة في الاقتصاد الجزائري. وأكد رئيس المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي السيد باباس، على ضرورة تطبيق هذه التوصيات الهادفة لبناء نمط تنمية جديد لما بعد 2015. وقال إنها تتعلق بمصير البلاد، و«لذا لديها طابع استعجالي” رغم اعترافه بأنه تم طرحه سابقا في مناسبات أخرى. وعبّر عن اقتناعه بأن حكومة سلال ستستمع هذه المرة بعناية فائقة، ل ”ندائنا المستعجل”، الداعي إلى الانتقال إلى نمط جديد للتنمية الاجتماعية والاقتصادية. وأكد أنها تعهدت بأخذ تدابير سريعة للتكفل ببعض التوصيات، مشيرا إلى أن تطبيق بعضها يتطلب وقتا. وفي السياق، ذكر بأن الحكومة استشارت المجلس في عدة مواضيع منها استراتيجية الجزائر الإلكترونية 2013، والجلسات حول التنمية المحلية، لكنه تأسف لكونها لم تصل إلى مبتغاها، وهو ما جعله يقول: ”هذا يشكل جزءا من إشكالية الحوكمة في الجزائر، ويدعونا إلى الإصرار على تجديد نظم التسيير”. وحتى لا يكون مصير التوصيات الحالية نفسه، أعلن باباس عن إنشاء لجنة متابعة على مستوى المجلس، تتكفل بتسطير رزنامة عملية لكيفيات تجسيدها ميدانيا، وقال: ”من يوم السبت سنشرع، في إطار هذه اللجنة، في معالجة التوصيات من أجل تدوينها في ملخَّص تنفيذي”. وقال إن هذه الأجندة ستُعرض في مختلف المحافل الدولية التي تنظمها منظمة الأممالمتحدة؛ بغرض مناقشة أهدافها الجديدة لما بعد 2015 في إطار التنمية المستدامة. من جانب آخر، تأسف باباس بشدة لكون الجزائر من البلدان القليلة التي لا تملك لحد الآن أكاديمية للعلوم والتكنولوجيا، وذلك في سياق حديثه عن أهمية التنمية البشرية، وتساءل: ”كيف يمكن أن نفسر أن في 2013، الجزائر مازالت لا تملك بعدُ مثل هذه الأكاديمية؟”. وعن دور”الكناس” شدّد رئيسه على أنه يجب أن يكون في إطار ”تحليل وتقييم السياسات العمومية... وإلا فلا فائدة من وجوده”. وتناول كاتب الدولة المكلف بالاستشراف والإحصائيات بشير مصيطفى، الكلمة في اختتام الأشغال؛ بصفته ممثلا للحكومة، وبدوره شدّد على ضرورة تحويل التوصيات إلى إجراءات عملية. وقدّم عشرة أفكار، قال إنها ستمكّن الجزائر من الإقلاع الاقتصادي ورفع التحديات المطروحة، من بينها تحقيق نسبة نمو برقمين، والتحكم في التضخم وفي نسبة البطالة، والانتباه إلى بعض المؤشرات السلبية في الاقتصاد الكلي، التي يمكن أن تتطور ”بطريقة غير متوقَّعة”، وهو ما جعله يدعو إلى الحكمة في إدارة هذا الجانب. ورافع هو الآخر لاقتصاد جديد مبني على المعرفة ووضع أسسه؛ بأخذ إمكانات وقدرات البلاد بعين الاعتبار.