يُعد كتاب «زيغود يوسف كما عرفته» للمجاهد ووزير المجاهدين الأسبق إبراهيم سلطان شيبوط، من أهم الإصدارات التاريخية التي تناولت شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف عن قرب، حيث قدّم المجاهد شيبوط شهادة قيّمة في 150 صفحة من الحجم المتوسط وباللغة الفرنسية، عن أحد أهم رجال الجزائر الذين ساهموا بأحرف من ذهب، في صنع التاريخ المجيد لبلد المليون ونصف المليون شهيد. وتناول الكتاب السيرة الذاتية للشهيد قبل وعند التحاقه بالثوار في الجبل وتشبّعه بالروح الوطنية التي استمدّها من نضاله في الحركة الوطنية، انطلاقا من نشاطه في الكشافة الإسلامية وصولا إلى انخراطه في حزب الشعب الجزائري، كما تطرّق إلى الأخلاق الحميدة لزيغود يوسف الذي يُعد نموذجا في السلوك الحميد والخصال السامية أخلاقيا ودينيا، إذ كان متشبّثا بالقيم الإسلامية السمحاء، صارما ومصرّا على الإسهام في تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي الذي كان يمقته كلّ المقت. وتطرق المؤلف في بداية كتابه للوضعية الاجتماعية لأرملة الشهيد زيغود يوسف في الفترة ما بين عام 1950 وخريف سنة 1957، وتنقّلها بين دوار صوادق مسقط رأس مهندس هجمات الشمال القسنطيني ومدجيرة في بيت أخوال زوجها (البوشريخة)، ثم عند أقارب آخرين بمنطقة البودرسة. بعدها التحقت بعائلتها بالحروش؛ حيث كانت نوعاً ما في أمان، خاصة أن الإقامة بناحية السمندو كانت صعبة جدّا، فجنود الاستعمار كانوا في ملاحقة زيغود يوسف. وفي الجزء الذي عنونه ب “الحياة السياسية مدخل إلى العمل المسلّح”، واصل المجاهد إبراهيم شيبوط التفصيل في رحلة البطل زيغود يوسف مع النضال والكفاح منذ انخراطه عام 1943 ضمن الحركة الوطنية، والذي يعود، حسب المؤلف، إلى اقتناع الشهيد بأفكار عائلته نتيجة موقع قريته التي توجد على محور الطريق الرابط بين قسنطينة وفييلب فيل (سكيكدة) أو الحروش؛ حيث يقطن أخواله، فقد عرفت هذه المدن بواكير الحركة الوطنية وتطور الحركة الكشفية إضافة إلى أنها كانت مقراً للشخصيات السياسية، أمثال: مسعود بوقادوم المسمى الحواس، وعبد الله فيلالي، وموسى بولكورة وحسين لحول. كما يشير المؤلف إلى أن المجاهد علال ثعلبي بكندي سمندو، كان له تأثير كبير على زيغود يوسف، الذي قضى سبع سنوات وهو يشرح لسكان كندي سمندو ضرورة التنظيم والوحدة لإجبار الاحتلال على الاستسلام، وقد سعى مع المجاهدين: ميهوبي، العربي شوجي، البوضرسة، البوشريخة والغرابي، لجلب كل الريف المحيط بكندي سمندو للانضمام للقضية الوطنية. ويضيف أنه بفضل هذا العمل صوّت القرويون والفلاحون بكثافة في انتخابات سنة 1947، والتي تم فيها انتخاب زيغود يوسف مستشاراً بلدياً للكوليج الثاني، ما جعل الرجل ينخرط في العمل النضالي بشكل مباشر؛ حيث كان له دور كبير في تنظيم مظاهرات 8 ماي 1945 وترأّسها بمنطقته، ولحسن الحظ لم يكن هناك ضحايا، وقد تم إيقاف سبعة أشخاص ادعى جيش الاحتلال أنهم حطّموا أختام محل الكشافة. وقد تأثر زيغود يوسف أيما تأثر بمجازر 8 ماي 1945، واختير في المنظمة السرية من طرف مسؤوليها، ومن بينهم محمد بوضياف لرئاسة ناحية كندي سمندو. وحسب المجاهد شيبوط، فإنه بعد حادثة تبسة الشهيرة واكتشاف المنظمة السرية من قبل سلطات الاحتلال الفرنسي، أُلقي القبض على زيغود يوسف بمنزله يوم 22 مارس 1950، حيث اتجهت الشرطة الفرنسية بقسنطينة نحو المسكن الذي كان يقطنه عند عمه زيغود سعد في مخرج القرية على الطريق المؤدي إلى سكيكدة، وقامت قوات الاستعمار بتحطيم وإتلاف كل المؤونة بالبيت، وتعذيب زيغود يوسف تعذيباً شديداً، وبعدها نُقل إلى عنابة ووُضع تحت الحجز بتاريخ 28 مارس 1950. وفي السجن التقى زيغود بكل الذين اعتُقلوا من مناطق قسنطينة، عنابة، ڤالمة، سوق أهراسوتبسة، وتكونت صداقة بينه وبين عبد العزيز بولحروف. كما تطرق المجاهد شيبوط في كتابه لقصة فرار الشهيد زيغود يوسف من سجن عنابة، الذي كان قبلها ديراً للراهبات، حيث جاء في رواية الكاتب: “... كلّ هؤلاء المساجين حوكموا يوم 30 جوان 1951 من طرف المحكمة الفرنسية، إلا أن زيغود يوسف، بن عودة كمال، بركات سليمان وبكوش عبد الباقي حوكموا غيابياً؛ لأنهم تمكنوا من الفرار بفضل الحفاظ على السر ومهارة زيغود يوسف في صنع المفتاح الذي استُعمل لفتح غرفة النوم الفاصلة مع الزنزانة رقم (18)، والتي تُستعمل كمرقد للسجناء، وبذلك تمكن زيغود يوسف من الوصول إلى سقف مخدع النوم، ليقوم بثقبه، وتمكن من الهروب رفقة بركات، بن عودة وبكوش عبد الباقي عبر السقف، وبفضل الحبائل التي ظفر بها بواسطة حصيرة من الحلفاء، تمكنوا من إيجاد منفذ نحو ملحقة للمحكمة، والتي كانت تُستعمل لحفظ الأرشيف، ليقطع الفارّون رواق المحكمة دون أن ينتبه لهم أحد، ووصلوا إلى المخرج، حيث تمكن زيغود من فتح باب المحكمة، مستغلا ضجيج السيارات المارة، وبذلك نجح في الفرار، ليتوجه رفقة من كان معه إلى شاطئ البحر بمنطقة سرايدي (بيجو سابقا)”، وفي حين اقترح بن عودة - حسب المؤلف - الاتصال بعائلة راشدي التي كانت تضم عدداً من مناضلي حزب الشعب الجزائري، فضّل زيغود يوسف متابعة السير إلى الطريق الوطني الرابط بين عنابةوقسنطينة، في رحلة دامت أربعة أيام سيرا على الأقدام، والتي كان خلالها كل فرد يتغذى على قطعتين من الحلوى فقط، جلبها سليمان بركات، الذي أخذ معه حوالي خمسة عشرة قطعة من الحلوى التي كان المساجين يتلقونها من عائلاتهم. وخلال رحلتهم - يواصل الكاتب - اجتاز زيغود ورفقاؤه ضيعة وادي الكبير، فنزلوا عند عمال مغاربة، تناولوا عندهم العشاء وقضوا ليلتهم، ولم يجدوا أنفسهم في مدخل قرية الحروش إلا بعد تسعة أيام؛ أي يوم 30 أفريل 1950، حيث اتجه زيغود يوسف وبكوش نحو عائلة الطرايفة (من أقارب زيغود يوسف)، في حين اتجه بن عودة وبركات نحو عائلة بودرسة. وتتواصل المسيرة، فخلال شهري أفريل وماي كان الفارون يقيمون عند المناضل بودرسة عمار، والذي يُعد من أقارب زيغود يوسف. وبتاريخ 02 جوان 1951، قرر الحزب التحاق الهاربين الأربعة بالأوراس، حيث اتجه زيغود وبن عودة نحو دوار عين كار، أما بكوش وبركات فاتجها نحو دوار عين كباش. وفي شهر أوت 1951 ضايق الجيش الفرنسي زيغود ورفقاءه وطاردهم بعد العملية العسكرية التي قام بها بالأوراس، مما جعل الفارين يعودون أدراجهم إلى الشمال، وبالتحديد إلى ميلة التي عُيّن فيها زيغود كممثل للحزب. وتناول المجاهد إبراهيم شيبوط في الشق الثاني من الكتاب، تفاصيل حياة الشهيد زيغود يوسف بعد الانتقال إلى الكفاح المسلح ومشاركته في اجتماع ال22، فعند اندلاع ثورة التحرير، حسب الكاتب، كان زيغود على رأس فوج من عشرة جنود هجموا على القوات الفرنسية. وتوقف الكاتب عند هجومات 20 أوت 1955، التي خطّط لها زيغود يوسف في شهر جويلية 1955 بعدما تحدّث مع كل من بوقادوم بشير، بوبنيدر، بوجريوي، إسماعيل زقات، ساسي، بوركايب، بوشريخة ومجموعة من معاونيه المقربين من منطقة الوسط، عن المشروع، وبرمج اجتماعاً مع بن طوبال وبن عودة، وقد تم الاجتماع الذي حضره أكثر من مائتي جندي من بينهم عمارة العسكري بالمكان المسمى (قندابو)، الذي يبعد خمسة عشر كيلومتراً عن سكيكدة، ولم تتسرب أية أخبار إلى مصالح الاستخبارات الفرنسية. وخلال التسعة أشهر التي سبقت هجومات 20 أوت 1955م عمل زيغود يوسف مع مجموعة من مرافقيه جاهداً، على تنظيم سكان الأرياف والمدن بالناحية الثانية من الشمال القسنطيني. وحسب المجاهد شيبوط إبراهيم، فإن الأهداف المرجوة التي كان يريد زيغود تحقيقها من وراء هجومات 20 أوت 1955، يمكن حصرها في شرح وإقناع سكان المنطقة بأن الحرب المسلحة تحت قيادة جبهة التحرير الوطني وسندها المسلح الجيش الوطني الشعبي، تهم الشعب الجزائري. وبفضل انخراط الشعب في صفوف جيش التحرير الوطني تكونت مراكز اتصال أو سلسلة يقوم عليها جنود أو مسبّلون، الذين عن طريقهم يتم النقل السريع للأوامر أو المعلومات، كما أنهم يسهّلون تنقّل وحدات جيش التحرير الوطني. ومن خلال هجومات 20 أوت 1955، حسب المجاهد شيبوط، تأكدت وحدة الشعب والتحامه بالثورة المظفّرة، وتم وضع حد لأسطورة الجزائر الفرنسية، ووقع تمازج والتحام كبير بين الشعب وجبهة وجيش التحرير الوطنيين، كما تم فك الحصار عن الأوراس، إضافة إلى تأكيد التضامن الوثيق مع المغرب الأقصى؛ من خلال اختيار يوم 20 أوت تاريخا للإطاحة بالملك محمد الخامس سنة 1953. ويؤكد المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط في كتابه، على أنه تبين لزيغود يوسف أن التضحيات الكبيرة التي قُدمت أعطت النتائج المرجوة، على غرار الإمداد بالأسلحة بعد تراخي الحصار على الأوراس، تعاطف الشعوب والدول الأجنبية مع ثورة الجزائر، التنقلات أصبحت سهلة، استفادة كلٍّ من المغرب الأقصى وتونس استفادة كبيرة من الثورة الجزائرية، تزايد كبير في عدد جيش التحرير الوطني، التمكن من التوغل في كل مناطق الناحية، التنظيم العام يتحسن، ولاسيما في مراكز الحراسة ومراكز التمريض والصحة. وتطرق المؤلف لبعض الجوانب الإنسانية في شخصية الشهيد زيغود يوسف، ومن بين ما ذكره أنه خلال زيارته القصيرة جداً لزوجته سألته عن قرب تحقيق الاستقلال، فأجابها بالقول: “نحن لن نحضره”، وردّد الآيات القرآنية الكريمة التي تبرز منزلة الشهداء عند الله سبحانه وتعالى. وفي إجابته لسؤال لإبراهيم شيبوط قال زيغود يوسف: “أنا أتمنى السقوط شهيداً ولا أتمنى حضور الاستقلال حتى لا أحيد ولا أفسد بالإغراءات المادية والطموح السياسي المفرط”. في ختام الكتاب أورد المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط شهادة زوجته السيدة عائشة طرايفة وابنته شامة، ومما جاء في شهادة زوجته: «زيغود يوسف كزوج وأب لا يمكن أن يقدّم له أحد أي مؤاخذة؛ فهو هادئ الطبع، كان كثير التفكير، لا تبدو عليه أية علامات غلظة... الأطفال الستة الذين أنجبناهم توفوا كلهم ما عدا شامة المولودة عام 1948، والتي عاشت بعد أن عانت منذ ولادتها، من غياب والدها الذي كان منشغلاً بعمله بصفته مناضلاً وطنياً... الفترة الأكثر صعوبة بالنسبة لي كزوجة لزيغود يوسف، امتدت من مارس 1950 إلى 19 مارس 1962. خلال سنوات 1950- 1954 كان زوجي يعيش مختفياً بالدواوير التي تحيط بالقرية أو بميلة أو الأوراس، وقد عاد إلى المنطقة للتحضير لأول نوفمبر 1954، ثم كان ينبغي أن يقود الناحية الثانية للشمال القسنطيني. حياتنا أنا وشامة لم تعرف الهدوء، وجيش التحرير الوطني أُلزم بإرسال ابنتي إلى تونس، سفر قامت به صحبة مجموعة مكلّفة بجمع السلاح انطلاقاً من تونس. عاشت ابنتي بتونس ولم تدخل إلى الوطن إلا في الفترة الانتقالية. لقد عانينا، ولكننا كنا أوفياء ليوسف، الذي كان قد عوّدنا على استدعائنا لاستذكار ذكرى 8 ماي”.