غياب الدراسات الجينية يرهن التكفل بكل مرضى ”الهيموغلوبينية” الليلية الحادة تتحدث الدكتورة المساعدة سعاد شلغوم المختصة في أمراض الكلى بمستشفى ”نفيسة حمود” بحسين داي في هذا الحوار، عن مرض فقر الدم الانحلالي اليوريمي، وهو مرض نادر تصفه المختصة بالخطير، لأنه يهدد مناعة الأطفال ويفضي إلى الوفاة. وتؤكد على أهمية الدراسات الجينية التي تنعدم في الجزائر لغياب مجلس جيني متخصص، وهو ما يرهن التكفل بكل الحالات المرضية المصابة بهذا المرض اليتيم.
ما هو مرض الهيموغلوبين الليلي الانتيابي؟ هذا المرض يسمى أيضا ساندروم الالتهاب اليوريمي الآنيمي أو الهيموغلوبين الليلي الانتيابي، وهو مرض جيني يصيب بعض الأطفال الأقل من 4 سنوات، يؤدي إلى قصور كلوي حاد، وأنيميا حادة، وهو مرض غير معروف بصفة دقيقة، حتى لدى بعض الأطباء، يؤدي إلى فشل كلوي حاد بصفة سريعة جدا، لذلك فإن التشخيص الأول يكون الإصابة بقصور كلوي، لذلك فإن الأطفال المصابين بالهيموجلوبين الليلي الانتيابي يموتون دون أن يتم تشخيص حالتهم بصفة دقيقة.
ما هي أعراض هذا المرض النادر؟ من أعراض هذا المرض أن تمتلئ كليتا الطفل المريض بالماء، مع الغثيان المستمر بسبب تأثير المرض على الجهاز العصبي وهناك أيضا الحمى، وقصور عملية البول، أي أن المريض لا يتبول، مما يسبب له آلاما حادة في الجهاز البولي، ويستدعي نقله إلى الاستعجالات، وهنا معظم الأطباء، مثلما ذكرنا، لا يعرفون هذا المرض النادر، بالتالي لا يتم تشخيص حالتهم، لذلك يتوفى المريض.
ذكرتم في محاضرتكم أن هذا المرض مهم، كيف ذلك؟ مهم لأنه أول سبب يؤدي إلى القصور الكلوي الحاد عند الطفل، بالتالي موته، ومعرفته مهمة جدا لإنقاذ حياة مرضى الهيموجلوبين الليلي الانتيابي، في مستشفى نفيسة حمود (بارني)، توصلنا إلى تشخيص هذا المرض بمصلحة أمراض الكلى لأننا كمختصين، بإشراف رئيس المصلحة البروفيسور فريد هدوم، اهتممنا بالغسيل الدموي عند الأطفال، ثم توصلنا إلى إيجاد حالات مصابة بهذا المرض، وبدأنا نلاحظ قدوم حالات أخرى حاملة لنفس المرض، بفضل التحسيس المتواصل بالأمراض النادرة عموما.
هل لديكم أرقاما حول عدد المصابين بهذا المرض؟ بين سنتي 2007 و2008 كنا نستقبل بالمصلحة من حالة إلى حالتين بهذا المرض في السنة الواحدة بسبب التشخيص الخاطئ أو وفاة المرضى، ثم بفضل نجاح التكفل بهؤلاء المرضى أصبحنا نتحدث عن ازدياد عدد المرضى، كيف نفسر ذلك؟ بوعي الناس حول هذا المرض، فأصبحنا نستقبل بمصلحتنا في الشهر الواحد من حالة إلى حالتين، وهذا الوعي ليس فقط عند الناس، لكن حتى عند الأطباء. وأشير إلى نوعين من فقر الدم الانحلالي اليوريمي، هناك المتلازمة النموذجية والهميوغلوبينية الشاذة أو الحادة، إذ يعتبر النوع الأخطر، وهو الذي يسبب الإسهال عند الطفل مع حمى ونقص شديد في البول، وهي أعراض هذا المرض الذي يتطلب نقل الطفل المريض به مباشرة نحو الاستعجالات. هذه رسالة نوجهها للأم التي ترى هذه الأعراض على طفلها، وعليها مباشرة نقله إلى الاستعجالات.
لكن دكتورة، هل هناك وعي سواء بهذا المرض النادر أو غيره من الأمراض النادرة؟ نحن كمختصين نعمل بالتنسيق مع الجمعيات العاملة في هذا المجال من أجل تأسيس ثقافة الوقاية من كل الأمراض وليس فقط الأمراض اليتيمة، لكن أشير هنا إلى أهمية وعي الأم في إنقاذ أطفالها، فإن هي مثلا أحست أن لون بول طفلها تغير فأصبح محمرا مثلا، أو أن بطن ابنها منتفخ، عليها ألا تستهين بالأمر وتأخذه إلى استعجالات طب الأطفال.
وهل هناك علاج لفقر الدم الانحلالي اليوريمي؟ حاليا العلاج الوحيد هو تصفية الدم عن طريق الماكينة، وهي عند الأطفال فوق 10 كلغ، أما عند الأقل من هذا الوزن منهم فإنه يتم تصفية الدم عن طريق الجهاز البريتوني. بينما النوع الثاني من المرض الذي قلنا أنه الأخطر فهو المتلازمة الهيموغلوبينية الشاذة الحادة، لماذا تسمى الشاذة؟ لأن مناعة الطفل المريض تكون غير عادية أي أنها تحطم نفسها بنفسها، فالمعروف أن المناعة تدافع عن الجسم من كل جسم غريب لكن في حالة المتلازمة الهيموغلوبينية الحادة، المناعة تدمر نفسها وتسبب الإصابة بهذا المرض اليتيم، وهنا يحطم هذا المرض الكريات الحمراء والبيضاء وكل الخلايا التي نحتاجها في الدم، مما يسبب تحجر الدم والقصور الكلوي الحاد، ويؤثر سلبا على الجهاز العصبي والجهاز الهضمي. نحن في هذا اليوم التحسيسي اخترنا الحديث عن هذا النوع بالذات من المرض وهو متلازمة الهيموغلوبينية الليلية الحادة التي تعالج عن طريق الغسيل الدموي أكيد، لكن فيه دواء آخر يساعد المرضى، لكنه غير متوفر بعد في الجزائر.
ما هو هذا الدواء، وما هي أسباب عدم توفره خاصة أن هناك سجلا للأمراض النادرة؟ إذا تحدثنا عن الدواء في المقام الأول، فنقول بأنه يسمى ‘اكوليزوماب' وهو دواء يحد من النشاط الحاد للجهاز المناعي، وهو دواء مكلف، لكننا نقول بأن الصحة لا تقدر بثمن، ونؤكد كمختصين أن هذا الدواء ضروري جدا للمرضى. لعل تنظيم هذا اللقاء التوعوي يحمل أيضا هدف تحسيس السلطات الصحية لجلب هذا الدواء، مما يقودنا إلى الحديث عن الشطر الثاني من سؤالك، لنؤكد أنه حقيقة هناك سجلا وطنيا للأمراض النادرة، لكن مرض الهيموغلوبينية ذات النوبة الليلية الحادة وفقر الدم الانحلالي اليوريمي غير مسجلين بهذا السجل، بالتالي ندعو لتسجيلهما والتكفل بالمرضى، خاصة الأطفال الأقل من 4 سنوات، فهذا المرض لا يمس فقط الطفل، إنما يمس أسرة بأكملها، وأذكر هنا حالة أسرة فقدت ابنا عمره 8 سنوات بسبب عدم التشخيص الصحيح للمرض، وابنها الثاني البالغ من العمر 3 سنوات مصاب حاليا بنفس المرض، وهو يخضع لدينا للتصفية الدموية، لكنه بحاجة ماسة لدواء ‘اكوليزوماب'.
هل لديكم رسالة معينة تودون توجيهها؟ أود الإشارة إلى أننا بمصلحة أمراض الكلى في مستشفى نفيسة حمود، نريد التكفل بحالات مرضية أخرى مصابة بفقر الدم الانحلالي اليوريمي، لكن نقص الدراسات الجينية في الجزائر يحول دون ذلك، كما يوجد تزايد في نسبة زواج الأقارب وهذه حقيقة تمثل إشكالا كبيرا، وبدورنا ما نزال في كل مناسبة نشير إلى خطورة هذا الزواج على الأطفال. لكن بما أن هذا النوع من الزواج ما يزال حاضرا لدى الأسر الجزائرية، فإننا نشير إلى أهمية الدراسات الجينية، هذا النوع من الدراسات غير موجود في الوطن، إنما نقوم بنوع آخر من الدراسات خاصة بالجهاز المناعي مع البروفسور جنوحات المختص في دراسة الجهاز المناعي بمعهد باستور، وهنا نعمل على تحسيس السلطات الصحية حول أهمية فتح المجال لمجلس مختص بغية القيام بالدراسات الجينية في الوطن، صحيح أن هناك تبادل معرفي في هذا المجال بين الجزائر وفرنسا وبلجيكا، لكن لحالات ضئيلة، غير أنه لا بد من أن يتوفر هذا النوع من الدراسات في الوطن حتى يتم دراسة كافة الحالات المرضية المحتاجة لهذا النوع من الدراسات، خاصة أن هذه الدراسة تسمح لنا بزراعة كلى لدى الطفل المريض بالهيموغلوبينية اليوريمية الحادة بنسبة نجاح عالية، لأن إجراء زرع كلوي دون دراسة دقيقة يعني الفشل.