برزت إلى العلن مؤخرا عدة قضايا تدخل في صف قضايا الفساد التي تورط فيها مسؤولون وإطارات في الدولة الجزائرية ،ويمكن القول أن هذه الفئة تحولت من حمات المال العام إلى المساهمة في نهبه ،وقد تناول الإعلام الوطني هذا النوع من القضايا بشكل شبه يومي ،حيث تمكنت الصحافة الوطنية من تفجير مجموعة من الفضائح المالية خاصة تلك المتعلقة بالطريق السيار شرق –غرب ،وقضية سوناطراك وهي قلب الجزائر النابض ،فضلا عن إشكاليات الثغرات المالية في المؤسسات المالية كالبنوك وبعض مراكز البريد ،وفي هذا السياق ارتأينا أن نذكر ببعض القضايا التي طرحت ملفاتها أمام محاكمنا. ملايير مشروع الطريق السيار تسيل لعاب 14 إطارا لم يسلم "مشروع القرن" وهي التسمية التي تطلق على الطريق السيار شرق غرب والذي كلف ميزانية الدولة الملايير التي أسالت لعاب 14 متهما على رأسهم مسؤولون بالقطاع على غرار الأمين العام للوزارة ومدير الوكالة الوطنية للطرق السريعة ومديرها الجهوي ، إضافة إلى )ت.ع( وابن أخيه، و)ش.م( رجل الأعمال والمتهم الرئيسي في القضية، والإخوة (ن) و(م.ب)، وهما تاجرا عملة صعبة، ومدير التخطيط والتعاون بوزارة النقل، أسندت لهم تهم تكوين جمعية أشرار، استغلال النفوذ وتبييض الأموال، بسبب إبرام صفقة مخالفة للتشريع تخص محور العفرون وبئر توتة، وهي الصفقة التي منحت بالتراضي لشركتين خاصتين، الأولى تتعلق بمشروع التزفيت والثانية تتعلق بوضع الإشارات الخاصة بهذا الشطر، حيث انطلقت التحقيقات حول تكلفة وطريقة إنجاز المشروع منذ انطلاقه سنة 2006، وأطاحت بالرئيس المدير العام للمجمع الصيني سيتيك ، إلى جانب مسؤولين اثنين من المجمع، نظرا لعلاقتهم المباشرة بالقضية، خاصة أن المجمع أوكل له مهمة إنجاز جزءين من المشروع وسط-غرب . في وقت تم سماع- لضرورة التحقيق في هذا الملف الشائك- عدد من الشخصيات السياسية والمدنية لا يقل عددهم عن ال20 شخصا ذكرت أسماؤهم خلال التحقيق، أهمهم مدير إقامة الساحل والمدير العام السابق للطريق السريع ومدير وكالة تسيير الطريق السريع ، وعقيد سابق، بينما كشفت التحقيقات التي قامت بها عناصر الاستعلامات والأمن التي عملت على الملف قبل الدفع به إلى العدالة عن تورط عدد من الضباط، بينهم جنرالان و7 آخرين برتبة عقيد ومقدم تمت تنحيتهم بعد التحقيق معهم. وكان مشروع الطريق السريع محل شكوك منذ إطلاقه في 2006، من حيث تكلفته وطريقة إنجازه، وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة حرك شكوى ضد مجهول لدى محكمة الحراش في 2006، بعدما وصلته تقارير كثيرة، بعضها من مصالح الأمن وبعضها من وزارة المالية، عن وجود تجاوزات وشبهة فساد بالمشروع، وطلب من مكتب استشارات إماراتي تابع لمجموعة إعمار، إجراء خبرة على الصفقة وما إذا كانت فيها عيوب أو تجاوزات، غير أن نتائج الخبرة التي قام بها المكتب الإماراتي نفت وجود عيوب فنية أو تقنية أو تجاوزات مالية، عكس ما تضمّنته تقارير أجهزة الأمن ووزارة المالية، منها التقرير الذي أعده فاروق شيالي مستشار وزير المالية السابق مراد مدلسي ويشغل حاليا منصب مدير صندوق مراقبة مشاريع الدولة الكبرى، وهو مدير سابق للطرقات بوزارة الأشغال العمومية، الذي كشف عن جملة من التجاوزات، بينها كلفة الإنجاز، حيث تصل كلفة إنجاز الكيلومتر الواحد من الطريق السيار بين 5 إلى 6 ملايين دولار في كل دول العالم، وصلت إلى 8 ملايين دولار في الجزائر، وعليه فقد استدعت محكمة الحراش عددا كبيرا من المسؤولين المعنيين بإنجاز الطريق السريع واستمعت إلى أقوالهم بين جوان 2006 وجوان 2007، غير أنها قررت وقف التحقيق وغلق الملف في نهاية 2007 لعدم كفاية الأدلة حسب غرفة الاتهام. سوناطراك البقرة الحلوب لمسؤولي البلاد ولعل شركة "سوناطراك" او كما يطلق عليها "البقرة الحلوب" هي العش الذي ما فتئ مسيروها او كل من يتقلد منصبا بها ينهب من مدخلاتها لحسابه الخاص ،حيث فجرت سنة 2011 قضية امام محكمة وهران اين استانف في الاحكام الابتدائية بفرع الاستئناف ،الإطارات الخمسة لسوناطراك و هم الرئيس المدير العام الأسبق محمد مزيان و رئيس فرع المصب الأسبق عبد الحفيظ فغولي و مدير الدراسات بفرع المصب بوهران هني مكي و مدير مؤسسة كوجيز التابعة لسوناطراك و نشنيش تيجيني المدير السابق لمؤسسة سفير، بتهمة إبرام صفقة مخالفة للتشريع و تبديد أموال عمومية. وكانت الاحكام الصادرة في حق المتهمين تقضي بالحكم بعامين حبسا نافذا ضد محمد مزيان الرئيس المدير العام الأسبق لسوناطراك منها عام غير نافذ و عام نافذ بينما حكم على عبد الحفيظ فغولي رفقة الإطارات الباقية ب عام حبسا . و قائع القضية بدأت مباشرة بعد انتهاء القمة العالمية 16 للغاز المميع التي عقدت بوهران في منتصف أفريل من سنة 2010 عن طريق رسائل مجهولة أفادت وجود صفقة مخالفة للتشريع و بدأت مباشرة التحريات و التحقيقات الأمنية التي توصلت لتفاصيل الصفقة المتمثلة في مشروع إنجاز 10 خزانات لتخزين الآزوت و هو مشروع لشركة كوجيز التابعة لسوناطراك و المتخصصة في تسويق الغازات و التي كان يديرها المتهم بن عمرو تواتي . و تمت الصفقة في قسمها الأول عن طريق مناقصة دولية استفادت منها شركة "إينوكس إنديا" الهندية التي كلفت بجلب الخزانات و تركيبها ، أما القسم الثاني فظفرت به شركة "سفير" و هي مختلطة جزائرية فرنسية تضم سوناطراك و سونالغاز و شركة "ماري" العائلية الفرنسية و كان هذا عن طريق التراضي البسيط رغم أن غلاف الصفقة فاق 66 مليار سنتيم علما أن هذه الشركة أصبحت برأسمال جزائري مئة بالمئة منذ جويلية الماضي و تشير التعليمة الوزارية رقم "ر15 أ 408 "التي أصدرها الوزير السابق شكيب خليل على أن الصفقات تمنح بالتراضي البسيط في حالات الاستعجال و الذي برر خلال جلسات المحاكمة من طرف الإطارات بأن الآزوت ضروري لمنع انفجار المركبات في حالة الصيانة أو الغلق. و حدد نائب المدير العام و مدير بالنيابة لسوناطراك سابقا عبد الحفيظ فغولي مهمته في شرح المقصود من الاستعجال في المشروع و اقتراحه على الرئيس المدير العام لسوناطراك آنذاك أن يوافق إما على دفتر الشروط من أجل إعلان المناقصة أو منح الصفقة بالتراضي. أما الرئيس المدير العام السابق لسوناطراك محمد مزيان فأكد أنه تلقى الاقتراحيين و لكن دون علمه بأن المشروع انطلق قبل إبرام العقد. و برر مزيان محمد مسألة الاستعجال التي بفضلها منح المشروع بالتراضي باحتراق 3 وحدات إنتاج في سكيكدة منذ سنوات ووفاة 27 عاملا و قال "زرت المركب و الوحدات التي احترقت 3 أيام قبل الحادث و أمرت بغلقها و صيانتها و هذا ما يتطلب كميات كبيرة من الآزوت " و أضاف " لو حدثت أية مشكلة في وحدتين آخريين لكنا أمام مأزق عقود الغاز المميع الموجه للتصدير و كنا سندفع الثمن للأجانب و نكلف سوناطراك خسارة كبيرة " و هنا يكمن الاستعجال لأن إعطاء الصفقة عن طريق المناقصة يؤخر المشروع لأكثر من سنة . مديرية الامن الوطني لم تسلم من التجاوزات . تورط مدير الإدارة العامة السابق بالمديرية العامة للأمن الوطني، عميد الشرطة دايمي يوسف، برفقة 20 إطارا آخر بالمديرية العامة للأمن الوطني ، في قضية ذات علاقة بالفساد،بعد الإشتباه في ضلوعهم في قضايا الفساد التي مست ملف عصرنة جهاز الشرطة، على اعتبار أن هذه الإطارات كانت تمثّل لجنة العصرنة برفقة العقيد المتقاعد من صفوف الجيش الوطني الشعبي، شعيب أولطاش، المدير السابق للوحدة الجوية للأمن، الموجود حاليا رهن الحبس بتهمة اغتيال المدير العام للأمن السابق العقيد علي تونسي بمكتبه في ال25 من شهر فيفري 2010. جاء في فحوى القضية ان مدير الإدارة العامة للشرطة، يوسف دايمي، كان يوقّع على كل الوثائق المتعلقة بالصفقات الخاصة بالعتاد والتجهيزات، التي تصله من العقيد شعيب أولطاش، بدون مراقبتها أو حتى قراءتها!، باعتبار أن أولطاش كان يشغل في تلك الفترة منصب رئيس لمكتب الصفقات، وكان ذكيا إلى درجة أنه لم يكن يترك أثرا لبصماته، وورّطبطريقته هذه، مدير الإدارة العامة، الذي وجّهت له تهم فساد مرتبطة بصفقات التجهيز والعتاد، بإبرام صفقات مشبوهة أخرى كانت محل تحقيق بأمر من الراحل علي تونسي. وكان المدير العام للأمن الوطني، اللواء عبد الغني الهامل، قد أنهى مهام مدير الإدارة العامة، يوسف دايمي خلال الأسبوع الأول من شهر فيفري، حيث اودعت أن المديرية العامة للأمن الوطني شكوى ضد العقيد أولطاش على خلفية تورطه في قضايا فساد وإبرام صفقات مشبوهة لدى شغله منصبا بالشرطة، تكون العدالة قد تحركت على إثرها، واكتشفت اشتباه تورط الإطارات فيها. وكان العقيد علي تونسي، قد أمر نهاية فيفري 2010، بتجميد مهام العقيد أولطاش، بعد الإشتباه في ضلوعه في قضية فساد، ومنحه صفقات لعدد من ”معارفه” وأنسابه، حيث أفادت التحريات، أن شركة ”الجيرين بيزنس ميلتيميديا”، التي تعود ملكيتها لأحد أقارب أولطاش، استفادت من المناقصة الوطنية والدولية رقم 47 /2007 التي أطلقتها المديرية العامة للأمن الوطني، والمتعلقة باقتناء 10300 مخزن طاقة، بقيمة 105 مليون دينار جزائري، ونشرت المديرية العامة للأمن الوطني نتائج المناقصة بتاريخ 5 نوفمبر 2007، كما أعلنت بتاريخ 2 أوت 2007 عن عدم جدوى المناقصة التي كانت شركة ”الجيرين بيزنس ميلتيميديا” قد شاركت فيها، وهي المناقصة رقم 34 /2007 المتعلقة دائما باقتناء أجهزة مخزنات كهرباء ”أونديلور”، بسبب عدم استجابة العروض التي تقدمت بها الشركات الوطنية والأجنبية لتزويد المديرية العامة للأمن الوطني للشروط المحددة في بنود المناقصة،لتستفيد فيما بعد من المناقصة بطريقة مشبوهة، حيث وبعد فشل مسؤولي الشركة في الحصول عليها خلال المرة الأولى، تقدمت هذه الأخيرة وبعد أقل من شهرين، بعرض للحصول على المناقصة، لتحصل عليها في الأخير، بوساطة من العقيد المتقاعد شعيب أولطاش، الذي كان يشغل آنذاك منصب مدير برنامج العصرنة بمديرية الأمن الوطني.