أضحت الانقطاعات المتكررة في التموين بالكهرباء التي ازدادت وتيرتها خلال هذه الفترة من الحرارة غير المسبوقة التي تجتاح ولايات الجنوب من الهواجس التي تؤرق الحياة اليومية لسكان عدد من ولايات الجنوب. ولا تزال تفرز هذه الانقطاعات التي تتزامن مع موجة الحر الشديد، سيما في أوقات الذروة "سخطا" في أوساط سكان تجمعات سكانية عديدة من ولايات الجنوب والتي تسببت في مضاعفة حجم معاناتهم، سيما بالنسبة لفئات الرضع والمسنين والمصابين بأمراض مزمنة. كما انعكست هذه الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي على بعض الأنشطة التجارية، وفي مقدمتها المخابز التي توقف بعضها عن النشاط، كما حصل ببعض المخابز العاملة بمدينة ورقلة فضلا عن ما يترتب عن ذلك من خسائر في تجهيزات الكهرومنزلية للمواطنين. وقد ألقى ملف الانقطاعات المستمرة في التموين بالطاقة الكهربائية بظلاله على أشغال الدورة العادية الثانية للمجلس الشعبي الولائي بورقلة التي عقدت في الآونة الأخيرة، حيث شكلت هذه الوضعية نقطة محورية في تدخلات المنتخبين المحليين الذين التمسوا من مؤسسة سونلغاز "بذل جهد أكبر للتحكم في إشكالية التموين". وتشير التوضيحات التي قدمها مسؤولو المديرية الجهوية للتوزيع لمؤسسة سونلغاز إلى أعضاء المجلس بأن المشكلة لا تخص قدرات التموين بهذه الطاقة الحيوية بقدر ما يتعلق الأمر بارتفاع نسبة الاستهلاك للكهرباء في مثل هذه الفترات من السنة، بالإضافة إلى تقديم شروحات للمنتخبين حول التصنيف الذي تعتمده المؤسسة في التموين للمناطق، حيث أن معظمها يمون بشبكات الكهرباء الريفية باستثناء مدينتي ورقلة وتقرت الممونتين بشبكات الكهرباء الحضرية. وأغلب شبكات الكهرباء محمولة جوا، مما يطرح مشاكل أخرى حسب ممثل المؤسسة. ومن هذه المشاكل المطروحة والتي تؤثر سلبا على وتيرة التموين بالطاقة الكهربائية، كما أوضحوا، ظاهرة الاعتداءات المتكررة على الشبكة، ومن بينها أشغال الحفر العشوائي وسرقة الكوابل، بالإضافة إلى أعمال التخريب التي تتعرض لها بعض مراكز التوزيع. وقد شرعت المديرية الجهوية لمؤسسة سونلغاز ورقلة، حسب مسؤوليها، منذ 2004 في تنفيذ استثمارات جديدة مدرجة ضمن البرنامج الخماسي الواسع للمؤسسة من شأنها أن تساهم مستقبلا في تحسين عملية التموين، والذي يرتكز بالأساس على إعادة الاعتبار وإعادة هيكلة لشبكة التوزيع وفق تشريح دقيق قامت به المصالح التقنية. ومن بين أهم محاور هذا البرنامج إعادة الاعتبار لمسافات طويلة لشبكات توزيع الكهرباء وتدعيم وإنشاء مراكز توزيع جديدة وتأهيل المراكز الحالية والرفع من شدة المحولات الكهربائية لشبكات ذات التوتر العالي والمتوسط بمنطقتي تقرت وورقلة. إلى جانب الشروع في إنجاز عدد من المنشآت للمكثفات ببعض المناطق، ومن بينها منطقة الطيبات، وإنجاز في القريب لمركز تحويل لفائدة منطقة الرويسات (ضواحي ورقلة) وهذا بالإضافة إلى مراهنة المؤسسة على المشروع الضخم المتعلق بشبكة التسيير عن بعد (ميكروسكادا) وتموين المدن الجديدة لمنطقتي تقرت وورقلة بتقنيات الكهرباء الحضرية. وبغرض تجاوز العديد من الاختلالات التي تشوب وضعية التموين بهذه الطاقة الحيوية على مستوى معظم الأحياء السكنية بإقليم ولاية غرداية، فإن المديرية الجهوية للمؤسسة قد وضعت من جهتها مخططا يتضمن تجسيد عدة استثمارات تتمثل في عدد من المشاريع المبرمجة، حيث رصدت غلافا ماليا قدره 440 مليون دج من أجل تحسين التموين بهذه الطاقة. وحسب مسؤولي المؤسسة، فإن جزءا من هذا الغلاف المالي سيستثمر في إنجاز شبكة مزدوجة ذات توتر عالٍ لتموين مدينة غرداية، وذلك لتعويض شبكة التوزيع الأرضية التي تضررت مؤخرا جراء أشغال حفر "غير مرخص بها من قبل المؤسسة" جرت بعدة أحياء بعاصمة الولاية خلال جويلية الجاري. وستسمح هذه الاستثمارات التي تندرج، حسب ذات المسؤولين، في إطار سعي المؤسسة إلى تحسين خدمات توزيع الكهرباء وتغطية الحاجيات المتزايدة للزبائن، سيما أثناء فصل الحرارة الشديدة، في تشغيل مولدين لإنتاج الطاقة الكهربائية بطاقة 2000 ميغاوات بناحية المنيعة الواقعة على مسافة 270 كلم جنوب عاصمة الولاية. وبولاية إيليزي رصدت ذات المصالح غلافا ماليا قدره 125 مليون دج ضمن برنامج تنمية ولايات الجنوب لسنة 2008 موجه لإعادة الاعتبار لشبكة توزيع الكهرباء على مستوى الولاية من بينه 20 مليون دج دعم قدمته مؤسسة سونلغاز، كما أفاد بذلك مسؤولو المديرية الجهوية. وسيتم في هذا الصدد إنجاز عدة مشاريع استثمارية يتمثل بعضها في محطات كهرباء جديدة في كل من بلديات برج عمر إدريس وبرج الحواس والدبداب بطاقة توزيع مضاعفة، مما سيسمح، حسب نفس المسؤولين، لسكان هذه المناطق من أقصى الجنوب بتجاوز مشكلة التذبذبات الحاصلة في التموين بالكهرباء والناجمة عن تزايد مضطرد في نسبة الاستهلاك. كما برمج ضمن نفس التوجه تدعيم محطة الكهرباء بعاصمة الولاية التي تشغل بمحركات الدفع بطاقة الغاز والتي سترتفع قوتها من 13 إلى 19 ميغاوات، مما سيمكن من الاستجابة للحاجيات المستقبلية من طاقة الكهرباء لسكان المنطقة سيما في فترة الحر الشديد والذين يزيد عددهم عن 10 آلاف زبون. وبولاية أدرار فإن قلة المحولات الكهربائية من بين العوامل الرئيسية التي تقف وراء الانقطاعات المتكررة للكهرباء. وأكد مدير مصالح سونلغاز بالولاية أن زيادة استهلاك الطاقة الكهربائية بنسبة تفوق 20 بالمئة مقارنة بالسنة الماضية، وقلة المحولات بالنظر إلى التوسع العمراني، تعتبر العوامل الرئيسة للتذبذب الحاصل في التيار الكهربائي بالولاية. أما في بشار فلا يزال مشكل انخفاض الضغط الكهربائي مطروحا بمختلف بلديات الولاية، ويشتكي العديد من السكان من هذه الوضعية التي تسببت في أضرار بتجهيزاتهم الالكترومنزلية، ومع تشغيل مركز توليد الطاقة ل "قوراي" بجنوببشار والذي تم ربطه بخط 400 كيلوفولت، سمح ذلك بحل هذا المشكل بعدة أحياء بوسط مدينة بشار التي استفادت من 60 كيلوفولت إضافية. كما تم مؤخرا تشغيل مركز ثان لتوليد الطاقة الكهربائية، مما سيسمح في المستقبل القريب بالقضاء على مشكل انخفاض الضغط بالأحياء الأخرى للمدينة، حسب مسؤولي سونلغاز.