قالت سفيرة أندونيسيا بالجزائر، يولي مومبوني ويدارسو، ل "المستقبل" إن بلادها ستكون ممتنة للجزائر إذا استثمرت جزءا من فوائضها النفطية في إنشاء مصفاة نفط في أندونيسيا وفي الحقول التي بإمكانها إنتاج محاصيل غذائية تكفي لسد العجز الغذائي في منطقة الشرق الأوسط، مبرزة من جهة أخرى اهتمام الشركات الأندونيسية بدخول السوق الجزائرية من خلال تصدير السيارات والمنتوجات الإلكترونية، وتحدثت سعادة السفيرة عن العديد من مجالات التعاون، خاصة في الميدانين السياحي والديني. المستقبل: سعادة السفيرة.. منذ تعيينكم على رأس الدبلوماسية الأندونيسية في الجزائر، لاحظنا نشاطا غير عادي لسفارتكم، خاصة على مستوى الميدانين الإعلامي والاقتصادي، وقد أدهشنا الإقبال المعتبر للجزائريين على جناح بلدكم في معرض الجزائر الدولي الفارط، فما هي رؤيتكم لتطوير العلاقات بينكم وبين الجزئر؟ - أشكركم أولا على زيارتكم لنا في مقر السفارة، كما أشكركم على زيارتكم لجناح أندونيسيا في معرض الجزائر الدولي المنقضي، وكسفيرة جديدة لأندونيسيا في الجزائر أعتبر أن هذه فرصة طيبة بالنسبة لي لتقديم مختلف التوضيحات التي تطلبها وسائل الإعلام الجزائرية حول مستوى العلاقات الثنائية الجزائرية الأندونيسية، وثانيا الإمكانيات الكبيرة المتوفرة في بلدينا والتي تعتبر تحديا بالنسبة لنا لترقية هذه العلاقات أكثر في المستقبل، فعلاقاتنا كانت قديمة، فالجزائر وأندونيسيا من الدول التي تحصلت على استقلالها عن طريق الكفاح المسلح، ومن الدول المؤسسة لحركة عدم الانحياز، ولذلك هذه العوامل تعتبر من اللبنات القوية لإقامة علاقات متينة بين البلدين، فأندونيسيا من الدول الأولى التي اعترفت باستقلال الجزائر وأقامت علاقات دبلوماسية معها في عام 1963، والآن نسعى لتوطيد هذه العلاقات بشكل ملموس لتأكيد العلاقات القديمة بين البلدين. * التعاون الاقتصادي مفتاح لتقوية العلاقات بين أي دولتين، فما هو حجم هذا التعاون بين الجزائر وأندونيسيا؟ - تم إبرام 14 اتفاقية بين البلدين في المجال الاقتصادي والاستثماري وكذلك في مجال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من أجل ذلك سنقوم بمتابعة تنفيذ تلك الاتفاقيات من أجل ترقية العلاقات الثنائية في المستقبل، والتبادل التجاري بين البلدين ما زال ضعيفا نوعا ما، والميزان التجاري خارج مجال المحروقات يميل إلى الجانب الأندونيسي تقريبا بنحو 97 مليون دولار، ولكنه يميل إلى الجزائر إجمالا؛ لأن أندونيسيا تستورد النفط من الجزائر، ورفع المبادلات التجارية بين البلدين يشكل تحديات لنا جميعا؛ لأنه لدينا إمكانيات كبيرة في الميدان التجاري، وكما تعلمون فإن الكثير من المستوردين الجزائريين استوردوا منتوجات أندونيسية عن طريق دولة ثالثة لذلك نتمنى أن يقوم المستوردون الجزائريون بالاستيراد مباشرة من أندونيسيا؛ لأنهم سيحققون أرباحا أكبر من الاستيراد من طرف ثالث. * خلال معرض الجزائر الدولي، أبدى رجال أعمال جزائريين نوايا لاستيراد منتوجات أندونيسية، فهل تجسدت هذه النوايا؟ - الحمد لله، لقد تجسدت الاتفاقيات الشفاهية بين رجال الأعمال الجزائريين والأندونيسيين، فقد زار رجل أعمال جزائري متخصص في الخشب لاستيراد كميات كبيرة من أندونيسيا، وجاء منذ يومين (الحوار أجري يوم الأحد) رجل أعمال أندونيسي متخصص في إنتاج الصابون بعد أن تلقى طلبات كثيرة من مستوردين جزائريين، ولعلمكم فإن أندونيسيا وماليزيا تعتبران من أكبر دول العالم في إنتاج الصابون، كما أبدى رجل أعمال جزائري رغبته في استيراد سمك الطونة، وقد أبدى حوالي 16 رجل أعمال جزائري رغبتهم في المشاركة في المعرض الدولي لجاكرتا الذي سينظم شهر أكتوبر المقبل، ونعتقد بأن الطلبات المقدمة من المستوردين الجزائريين سيتم تلبيتها في 2009؛ لأن المصدرين الأندونيسيين تلقوا طلبات كبيرة هذه السنة، وخلال هذا المعرض سيتم بحث الأمور المتعلقة بالإجراءات الجمركية في الموانئ والمطارات وطرق الدفع. * هل هناك خطوط بحرية وجوية مباشرة تربط البلدين وتسهل حركة الأشخاص والبضائع؟ - الخطوط الجوية الجزائرية والخطوط الجوية الأندونيسية "غارودا" لم تقم لحد الآن ببرمجة خطوط مباشرة بين البلدين، ولكن هناك خطوط دولية عديدة يمكن استغلالها على سبيل المثال شركة "لوفتهانزا" الألمانية و"آير فرانس" الفرنسية و"قطر آيروايز" التي تقيم حاليا خطا مباشر بين الجزائر وأندونيسيا، وكذلك بالنسبة للخطوط البحرية نعتبر أن هناك عوامل جغرافية لها أثر في عدم ربط البلدين بخطوط بحرية مباشرة، ولكن بعد تحديث الموانئ الجزائرية كميناء العاصمة وسكيكدة وعنابة أنا متفائلة بأن هذا التحديث سوف يسهل دخول السلع الأندونيسية إلى السوق الجزائرية، وأنا أقوم بدوري في تحسيس المصدرين الأندونيسيين للإمكانيات المتوفرة لدى السوق الجزائرية. * أندونيسيا لديها تجربتها المميزة كدولة نامية في تطوير الصناعات الالكترونية، كيف يمكن للجزائر أن تستفيد من هذه التجربة؟ - كما تعلمون، أندونيسيا صدرت منذ زمن بعيد موارد طبيعية متعددة كالقهوة والشاي والفحم الحجري، ولكن أندونيسية طورت وصدرت منتوجات صناعية وإلكترونية، كما تصدر السيارات وقطع الغيار، والحلي وكذلك المنتوجات الثقافية كالهدايا التذكارية، الآن نحن بصدد بحث فرص لتصدير هذه السلع إلى السوق الجزائرية، ومن السلع الإلكترونية التي دخلت إلى الجزائر منتوجات سامسونغ التي تم تركيبها في أندونيسيا، وكذلك رأينا بعض المنتوجات الأخرى التي دخلت إلى السوق الجزائري، أما في دول الشرق الأوسط الأخرى فتم ترويج منتوجات أندونيسة كأجهزة الإعلام الآلي، وقد بلغ حجم الصادرات الأندونيسية من الصناعات الإلكترونية 7.9 مليار دولار في 2007 بنسبة نمو 0.3 بالمئة مقارنة ب 2006 ونحن بصدد بحث فرص إدخال هذه المنتوجات الإلكترونية إلى الجزائر. * الجزائر من الدول المستوردة بكثرة للسيارات، لماذا لا تستثمر أندونيسيا في تصنيع السيارات بالجزائر؟ - صدرت أندونيسيا السيارات في 2007 بقيمة 2.1 مليار دولار مسجلة ارتفاعا ب 18.3 بالمئة مقارنة بعام 2006، وقد صدرت السيارات الأندونيسية إلى عدة دول في آسيا ودول الخليج وإفريقيا، وقد تم إنتاج هذه السيارات بالتعاون مع عدة شركات أجنبية منها تويوتا وداتسو ورونو، أما السيارات التي تصدرها أندونيسيا فهي من تصنيع شركة تويويتا كيجنغ وقد صدرت إلى السعودية والإمارات وقطر وجنوب إفريقيا والسنيغال ونيجيريا، وأندونيسيا لم تدخل بعد سوق السيارات بالجزائر، وقد اتصلت بشركة أسترا أنترناشيونال بأندونيسيا وقدمت لها المعلومات الوافية حول إمكانيات السوق الجزائري في مجال السيارات، وأتمنى أن يلتقي رجال الأعمال الجزائريين بنظرائهم المصنعين للسيارات في أندونيسيا خلال المعرض الدولي بالجزائر في العام القادم، وقد التقينا مع واحد من كبار رجال الأعمال في الجزائر والذي أبدى رغبته في استيراد سيارات أندونيسية نفعية وسياحية. * من هو رجل الأعمال هذا؟ - (تضحك) هذا سر. * أندونيسيا انتقلت من دولة مصدرة للنفط إلى دولة مستوردة له، كيف حصل هذا التحول؟ - ورثنا صناعة النفط في أندونيسيا من هولندا التي كانت تستعمر بلدنا، وبين عامي 1975 و1977 وصلت صادرات النفط الأندونيسية إلى قمتها، كما سبق أن تولت رئاسة منظمة أوبك، واعترف أعضاء أوبك بدور أندونيسيا في هذه المنظمة، لكن وبعد 25 سنة من استغلال الموارد النفطية في أندونيسيا تقلصت الاحتياطات النفطية الموجودة في البلاد بشكل كبير، كما أن الاستثمارات في مجال التنقيب كانت جد مكلفة، وحاليا لا يتجاوز إنتاج أندونيسيا من النفط مليون برميل يوميا، وخلال زيارة السيد شكيب خليل، وزير الطاقة والمناجم الجزائري ورئيس أوبك إلى أندونيسيا، مؤخرا أعلن أن إنتاج أندونيسيا من النفط يبلغ حوالي 980 ألف برميل يوميا وهذا الإنتاج لا يمكنه تغطية الاحتياجات المحلية للطاقة؛ نظرا لتقدم أندونيسيا في المجال الصناعي. * وهل ستبقى أندونيسيا عضوة في منظمة "أوبك" رغم أنها أصبحت دولة مستوردة للنفط؟ - أندونيسيا تفكر في الانسحاب من منظمة الدول المصدرة للنفط؛ لأنه ليس من اللائق أن تبقى في المنظمة ما دامت أصبحت دولة مستوردة له، ولكنها يمكن أن تبقى في المنظمة شريطة أن يوفر أعضاء أوبك الطاقة لأندونيسيا بأسعار مخفضة، وأن يقوموا بمشاريع للتنقيب عن النفط في أندونسيا؛ لأن ذلك يحتاج إلى استثمارات مكلفة وباهظة، على سبيل المثال بئر "تيبو" النفطي الذي اكتشف في أندونيسيا كان مكلفا في مجال التنقيب والاستغلال، لذلك نرجو من دول أوبك أن تساهم في التنقيب واستغلال النفط في أندونيسا. * ما هو الدور الذي تريدون أن تلعبه الجزائر في هذا المجال؟ - أملنا كبير في الجزائر الدولة المصدرة للنفط ورئيسة منظمة أوبك، وبعد حصولها على أموال كبيرة جراء ارتفاع أسعار النفط أن تقوم باستثمار جزء من فوائضها المالية بأندونيسيا، فبإمكان شركة سوناطراك إنشاء مصفاة للنفط بأندونيسيا؛ لأن هذا المشروع سيكون جد مربح؛ نظرا للاحتياجات الكبيرة للصناعات الأندونيسية للنفط المقدرة حاليا ب1.5 مليون برميل يوميا من النفط المكرر؛ لذلك هناك عجز كبير لسد متطلبات السوق المحلية، ولتغطية هذا العجز تستورد أندونيسيا من الجزائر حوالي 330 ألف برميل يوميا وكذلك 200 ألف من ليبيا، لذلك أندونيسيا ستكون جد ممتنة لو تستثمر الجزائر جزءا من الفوائض الكبيرة من صادراتها النفطية في ميدان تكرير النفط وفي المجال الفلاحي، حيث بإمكان أندونيسيا سد الاحتياجات الغذائية لبلدان الشرق الأوسط بفضل تربتها الزراعية ومناخها الاستوائي. * الجزائر وأندونيسيا بلدان جميلان من الناحية السياحية، فهل هناك تبادل سياحي أو تعاون في هذا المجال؟ - أبرم البلدان مذكرة تفاهم، وقد تم توقيع هذه المذكرة خلال زيارة فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى أندونيسيا في 2003، وتتضمن هذه الاتفاقية رغبة الجزائر في الاستفادة من التجربة الأندونيسية في مجال الاستثمار السياحي، في حين ترغب أندونيسيا في الاستفادة من تجربة الجزائر في مجال حماية الآثار السياحية؛ لأن الكثير من المواقع الأثرية تضررت بفعل السياحة، وقد قدمت أندونيسيا برامج تنفيذية لوزارة السياحة الجزائرية لتدريب الإطارات الجزائرية في المجال السياحي أو إرسال مدربين أندونيسيين إلى الجزائر، وسبق لنا أن تعاملنا مع شركات سياحية فرنسية مثل "آكور" و"نوفو تول" ونحن ننتظر الرد من وزير السياحة الجزائري في هذا المجال، وقد زار المدير العام للتسويق السياحي بوزارة الثقافة والسياحة الجزائر من 22 إلى 28 جوان 2008، وقد تم التباحث مع الجانب الجزائري حول سبل تفعيل مذكرة التفاهم، كما زار في 2007 نحو 5.6 مليون سائح أجنبي، وتسعى أندونيسيا لجذب 7 مليون سائح مع نهاية 2008، وقد بلغ عدد السياح حتى شهر أوت الجاري 6 مليون سائح وما زال هناك أربعة أشهر لجذب مليون سائح. * أبدى لنا مواطنون أندونيسيون التقينا بهم في الجزائر عن رغبتهم في الاستفادة من منح للدراسة في الجزائر وتعلم اللغة العربية وعلوم الدين، فهل هناك اهتمام بتبادل البعثات الدراسية والعلمية بين البلدين؟ - في 2005 وقع البلدان اتفاقية للتعاون في المجال الديني، ولمتابعة هذه الاتفاقية قام وزير الشؤون الدينية، مفتوه باشوني، بزيارة للجزائر في أفريل 2008 للتباحث حول تبادل البعثات الطلابية بين البلدين، ونعتبر التبادل الطلابي جد مهم، ونتمنى أن لا يكون محصورا في الجانب الديني فقط، بل يمتد إلى الجوانب العلمية الأخرى، إذ أن خمس جامعات أندونيسية مصنفة ضمن أفضل 50 جامعة في العالم، وإن شاء الله سيتم التباحث في هذا الأمر خلال اجتماع اللجنة المختلطة للبلدين التي ستعقد بالجزائر خلال الأشهر القادمة، وكذلك تم التباحث في مجال التعليم العالي بين أندونيسيا والجزائر خلال اللقاء الذي جمع وزير الشؤون الدينية ووزير التعليم العالي رشيد حراوبية. حاورها في الجزائر: مصطفى دالع