هل يعد مقترح تغيير تسمية الجامعة العربية الى اتحاد عربي انتصار للقمة العربية الأخيرة التي عقدت في مدينة سرت بليبيا، مثلما كانت عليه الحال بالنسبة للدول الإفريقية التي اتفقت على تغيير التسمية من منظمة الوحدة الإفريقية الى الاتحاد الإفريقي واتفقوا على أن لا يتم الاعتراف بالحكومات التي تأتي عن طريق الانقلابات العسكرية وتبين في الواقع أنها أبعد ما تكون عن الالتزام بالقرارات المتفق عليها سابقا، رغم أن الحكام أنفسَهم الذين أقروا واعترفوا بالأنظمة الانقلابية معرضون للانقلاب، كما جرى في موريتانيا و النيجر وغيرها من الدول الإفريقية. في سنوات سابقة كتبنا مقالا وصفنا فيه حركات عدم الانحياز وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومنظمة المؤتمر الإسلامي بأنها ديناصورات هشة مهددة بالانقراض ولا تعرف كيف تموت ،واتضح أن الحل في تغيير التسميات لا يسمن ولا يغني من جوع لأن الأصل في الروح وليس الهيكل ،وحتى قضايا تدوير الأمانة العامة تدخل في إطار الخصومات الثنائية بين البلدان العضوة في المنظمات المعنية ولن يتغير الأمر بشكل جذري مادامت الآليات القطرية تسيطر على الهياكل المتكتلة عكس ما هو حاصل في الدول الأوروبية حيث العامل الوحدوي يسيطر على العامل القطري والدليل على ذلك موقف الاتحاد الأوروبي من الإفلاس المالي لدولة اليونان. يمكن القول أن الخطاب العربي السياسي في القمة الأخيرة كان مختلفا وغير تقليدي حيث كان هناك اعتراف صريح بوجود أزمة حقيقية في مسار العمل العربي المشترك وأن المواطن العربي يبحث عن الأفعال لا الأقوال وأن النظام الإقليمي العربي يحتاج الى مراجعة وإعادة النظر حتى يمكنه أن يتوافق مع المتغيرات المحيطة به ويواجه التحديات الضخمة التي تعانيها المنطقة العربية على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية وغيرها. لقد دفعت المنطقة العربية وما زالت تدفع ثمنا باهظا لأزمة العمل العربي المشترك حيث شجعت اسرائيل على التمادي في ممارستها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني واللبناني وتجاوزت الخطوط الحمراء بتهديد هدم المسجد الأقصى وتهويد القدس كاملة وجعلها عاصمة للدولة الإسرائيلية والأغرب أن العديد من الدول العربية تتعامل مع اسرائيل دبلوماسيا وسياسيا وتجاريا واقتصاديا رغم كل الانتهاكات ورغم كل القرارات الموقع عليها من قبل جميع حكام الدول العربية، وهو ما يعني أن الجامعة العربية هي كيان هيكلي بدون روح حقيقية. لقد طرحت قمة سرت العربية بعض الأفكار والمشروعات الخاصة بتطوير العمل العربي المشترك منها مشروع خاص بإنشاء الاتحاد العربي ومن المقرر أن تعقد قمة عربية استثنائية قبل نهاية شهر أكتوبر من العام الجاري 2010 للنظر في هذا المشروع وعليه يفترض طرح أفكار وبدائل لتفعيل العمل العربي المشترك خصوصا وأن الآليات التي اعتمدت سابقا أكدت أنها غير مجدية خصوصا مع عودة مصر للحظيرة العربية سنة 1990 بعد المقاطعة العربية لمصر سنة 1978 عقب توقيع اتفاق سلام بين مصر وإسرائيل في كامب ديفيد بالولايات المتحدةالأمريكية في عهد الرئيس السابق أنور السادات. فيما عدا هذا المقترح الذي لن يغير من جوهر المشكلة فإن قرارات قمة سرت لم تكن في مستوى طموحات الشعب العربي حيث أقرت القمة دعم صمود القدس وتخصيص مبلغ يقدر ب500 مليون دولار وهذا أدنى شيء مطلوب ، كما أن القمة التي دعمت مبادرة السلام العربية الموحدة من قبل المملكة العربية السعودية لم تقدم خيارات بديلة مع التأكد من فشل المبادرة بسبب التعنت الإسرائيلي، كما أن القمة العربية الأخيرة لم تعرف مصالحة عربية _ عربية لا بين مصر وسوريا ولا بين مصر وقطر ولا بين العراق مع سوريا وغيرها من مبادرات المصالحة المطلوبة من أجل مواجهة التحديات . على صعيد آخر لم نلمس وجود آليات واضحة من أجل تطوير العمل العربي المشترك، فيما عدا القمة الاستثنائية واللجنة الخماسية التي تضم قادة ليبيا واليمن ومصر وقطر والعراق للإشراف على إعداد وثيقة '' منظومة العمل العربي المشترك '' لعرضها خلال القمة، الأمر الذي يعني أن المسار لا زال طويلا وأن فكر الهيكل لا زالا مسيطرا وأن الروح القطرية لا تزال تسير الدول العربية عوض الروح العربية القومية الإسلامية.