إن من الصفات الذميمة التي ينبغي للمسلم الحذر من الاتصاف بها والتي جاء الشرع بذمها صفة الحسد، ذلك لأن الحاسد عدو لنعمة الله، متسخط لقضائه، غير راض بقسمته بين عباده. والحسد أول ذنب عصي الله به في السماء حين حسد إبليس أبانا آدم وزوجه وهو أول ذنب عصي الله به في الأرض حين حسد ابن آدم أخاه حتى قتله.وإنه لا يتصف بهذه الخصلة إلا ذوو النفوس الضعيفة، فذنب المحسود إلى الحاسد دوام نعمة الله عليه ليس إلا. وشر الحسد عظيم، قال أبو الليث السمرقندي: يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود، أولها: غمّ لا ينقطع، الثانية: مصيبة لا يؤجر عليها، الثالثة: مذمة لا يحمد عليها، الرابعة: سخط الرب، الخامسة: يغلق عنه باب التوفيق.قال الشاعر:ألا قل لمن ظل لي حاسداً * * أتدري على من أسأت الأدبأسأت على الله في حكمه * * لأنك لم ترض لي ما وهبفأخزاك ربي بأن زادني * * وسدّ عليك وجوه الطلبقال ابن المقفع: أقلُّ ما لتارك الحسد في تركه أن يصرف عن نفسه عذاباً ليس بُمدْرِكٍ به حظاً ولا غائظٍ به عدواً، فإنا لم نر ظالماً أشبه بمظلوم من الحاسد، طول أسف ومحالفة كآبة، وشدة تحرُّقٍ، ولا يبرح زارياً على نعمة الله ولا يجدها مَزَالاً، ويكدر على نفسه ما به من النعمة فلا يجد لها طعماً ولا يزال ساخطاً على من لا يترضاه، ومتسخِّطاً لما لن ينال من فوقه، فهو مُنَغَّص المعيشة، دائم السخطة، محروم الطِّلِبة، لا بما قُسِم له يقنع، ولا على ما لم يُقسَم له يَغْلِبْ، والمحسود يتقلب في فضل الله مباشراً للسرور منتفعاً به مُمَهَّلاً فيه إلى مدة، ولا يقدر الناس لها على قطع وانتقاص.وإن مما يدعو للعجب من حال الحاسد أنه يحسد قرينه أو صديقه على نعمة آتاها الله إياه مع أن كثيراً من الناس قد أوتوا مثل هذه النعمة وأكبر منها، لكنه لا يحسدهم عليها وما ذلك إلا لشيء قام في نفس الحاسد وكُرْهٍ مستقر حمله لصاحبه. ومع أن الحسد كله سيء إلا أن أسوأه الحسد الذي يقع من طلاب العلم والدعاة تجاه أقرانهم، وذلك لأننا لا نستغرب كثيراً أن يقع الحسد من الجهال وضعاف النفوس لقلة الإيمان في قلوبهم وقلة العلم في صدورهم، لكنا نستغرب بل نتألم ونأسى كثيراً عندما يقع مثل هذا الأمر من أناس عرفوا شر الحسد وذمه، وحملوا من العلم والإيمان ما كان حرياً أن يصدهم عن مثل هذا الجرم.ولماذا يحسد طالب العلم قرينه؟! ألأنه طلب العلم واجتهد في تحصيله في زمن قل فيه الجادّون في طلب العلم وحاز أكثر مما حاز هو؟! إن من حق هذا القرين أن يدعى له بالتوفيق ويشد أزره ويدفع إلى المزيد من تحصيل العلم، وليس من حقه علينا أن نتمنى زوال هذه النعمة عنه. لأننا إن فعلنا ذلك فإننا نتمنى للمجتمع أن يُسلَب منه أحد الأفراد النافعين فيه فتكون بذلك قد تعدت جنايتنا إلى المجتمع كله. بل لماذا يُحْسَدُ الداعية النشيط الذي تأثر الناس بكلامه وتركوا ما كانوا عليه من المعاصي وسلكوا طريق الحق على يديه؟! لماذا نحسده على ذلك ونتمنى زوال هذه النعمة عنه ونحن أحوج ما نكون إلى أمثاله، فنحرم الناس من خيره وإرشاده. بل الواجب على الحاسد أن يسعى بتكميل نفسه والاقتداء بمن هو خير منه وبمن سبقه في مجالات الخير حتى يلحق بهم. وصدق الشاعر إذ يقول:حسدوا الفتى إذ لم ينالوا سعيه * * فالقوم أعداء له وخصومكضرائر الحسناء قلن لوجهها * * حسداً وظلماً إنه لذميموإن من وسائل دفع الحسد واتقاء الاتصاف به: التفكر في وافر نعمة الله على العبد والنظر إلى من هو أدنى فيكون بذلك حق النعمة الشكر لا الحسد. ثم العلم بأن الحسد يفعل بالحاسد أكثر من فعله بالمحسود. قال أعرابي: الحسد داء منصف يفعل في الحاسد أكثر من فعله بالمحسود. دعاء الله بصدق أن يطهر القلب من الحسد.أسأل الله العظيم أن يطهر قلوبنا من الحسد، وأعمالنا من الرياء، وأن يصلح أحوالنا وذات بيننا.