إن الإسلام يكره التثبيط وغمط فضل الناس والأفراد، فحين رجع المسلمون من غزوة بدر وقد انتصروا فيها نصرا عظيما بفضل الله وما أيدهم به من ملائكة تقاتل معهم، أقبل أهل المدينة يهنئون من شهدوا بدرا وقد أكبروا هذا العمل، فقال سلمة بن سلامة وقد كان ممن غزا مع رسول الله: ما الذي تهنئونا به؟ والله؛ إن لقينا عجائز صُلعا كالبدن المعلقة فنحرناها. فتبسم النبي وقال: (أي ابن أخي؛ أولئك الملأ) فكأنه قال ما فعلنا شيئا، لما رأوا من رؤوس تتطاير قبل ضربها بالسيوف، لكن النبي صلى الله عليه وسلم ذكّر، وقال: أولئك الملأ، صناديد قريش ورؤساؤها، انتصر عليهم المسلمون بجهدهم وجهادهم.ولقد دأب المسلمون في عصر الانحطاط والتراجع على نهج هذا الطريق، طريق استصغار المبادرات واستحقار الجهود وتقزيم النتائج، والعكس هو الحق، فالإسلام يأمر بالثواب والثناء والشكر والاهتمام، لما له من إدخال السرور على نفس العامل والمجتهد، ولما له من اعتراف بالجميل.وإن الثناء والتشجيع وتسليط الضوء على مكامن الكمال في النفس البشرية والإشادة بها منهج نبوي كريم، يراد منه بعث النفس على الزيادة، وإثارة النفوس الأخرى نحو الإبداع والمنافسة، إلا أن التشجيع والثواب له شروط، فهو مشروط بأن يكون حقاً، أي الجانب المجتهد فيه جانب حق ودور نافع، كمن نجح في علاج مرض أو ابتكار تكنولوجية نافعة أو متعلم علم شرعي يهدي به الناس، ففي هذا الزمن صار التكريم والتشجيع يخص المغني والمغنية، ومن يشارك في لهو عابث واجتماع ماجن، فتعطى لهم الملايير، في حين يُهمش المتعلمون والمتفوقون والناجحون، ومن شروط التشجيع أن يُؤمَن جانب الممدوح فلا يؤدي به إلى الغرور والرياء، فمتى خيف عليه ذلك فإنه يجب عدم مدحه أو الثناء عليه ومجازاته، فقد امتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن بيان بعض منزلة قريش لما في نفسهم من الكبر، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فقال: (لولا أن تبطر قريش لأخبرتها بما لها عند الله عز وجل)، ومن شروط التشجيع أيضا أن يكون بالقدر الذي يحقق الهدف، بأن يكون من غير مبالغة، فمن أخطاء المشجعين أن يبالغ في إكرام مستحق التشجيع إلى درجة إفساده، كمن يشتري لولده سيارة وهو في سن المراهقة فتنسيه وتلهيه عما شُجع عليه، كما ينبغي أن لا يكثر المرء من التشجيع فقد يفقد قوته وأثره، فمن يجازي كل يوم أو على أي شيء يصير الجزاء بلا معنى، ولا يجد بعد ذلك بما يجازي، كما ينبغي أن يكون عدلا بين الأبناء دون تحيّز، لقوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الله واعدلوا بين أبنائكم).