إن النافلة تكميل لما ينقص من عمل المرء، فما دامت الصلاة بذلك القدر من الأهمية حيث أنها أول ما يحاسب عليه العبد كان حريا به أن يعنى بها ويحرص عليها وأن يُعنى بنوافلها أيضاً، لأنها وسيلة لسد ما لعله أن يُنقص من شأن هذه الفريضة العظيمة، ولهذا أوصى صلى الله عليه وسلم أن يصلي المرء في بيته - يعني النافلة والراتبة – وقد ثبت في آحاديث عدة منها ما هو في الصحيحين من حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، لا تتخذوها قبوراً) رواه مسلم، وفي رواية له أيضاً: (وصلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً). وأيضاً (إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيباً من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته خيراً)، وكان مما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة) وهذا نص عام يدل على أن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة، وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلى الرواتب في بيته، وكان صلى الله عليه وسلم يحث أصحابه على أن يصلوا الرواتب في بيوتهم، مع أنهم كانوا يصلون في مسجده صلى الله عليه وسلم، في المسجد الذي تضاعف فيه الحسنات وتضاعف فيه الصلاة، فالصلاة فيه تعدل ألف صلاة مما سواه، ومع ذلك يأمرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالصلاة في بيوتهم، وحقاً وصدقاً فإن صلاتهم في بيوتهم خير لهم من صلاتهم في مسجده صلى الله عليه وسلم، وفي غيره من المساجد من باب أولى، وهذا الأمر هدًى راتب عند سلف الأمة، فحين نقرأ سير السلف نرى أنه قد حُفظ عن الكثير من أصحابه صلى الله عليه وسلم ومن تلاهم من التابعين أنهم كانوا يصلون الراتبة والنافلة في بيوتهم.ففي مصنف ابن أبي شيبة أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه كان يصلي الركعتين بعد المغرب في بيته. وفيه أيضاً عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: لقد أدركت زمان عثمان بن عفان وإنه ليسلم من المغرب فما أرى رجلاً واحداً يصليهما حتى يخرجوا فيصلونها في بيوتهم. وروى أيضاً عن ميمون قال: كانوا يستحبون هاتين الركعتين بعد المغرب في البيت. وروى عن عبد الله بن يزيد قال: رأيت السائب بن يزيد يصلى في المسجد ثم يخرج قبل أن يصلي فيه شيئاً. يعني: لا يتطوع، وروى عن الأعمش قال: ما رأيت إبراهيم متطوعاً في مسجد قومه، وروى عن الربيع ابن خثيم أنه ما رؤي متطوعاً في مسجد الحي قط والربيع ابن خثيم من زهاد التابعين وهو الذي قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: لو رآك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأحبك. كان رجلاً مشهوراً بالزهد، والرقة والصلاح والتقوى، وكان من أخص أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه. وروى أيضاً مثله عن عبيدة أنه ما رؤي متطوعاً في المسجد قط، وروى عن أبي معمر قال: إذا صليت المكتوبة فبيتك.