القرض نوع من السلف، وهو مندوب إليه في حق المقرض مباح في حق المقترض، ثابت بالسنة والإجماع، فمن السنة ما حدث به أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بِكْرًا فقدمتْ عليه إبل من إبل الصدقة فأمر أبا رافع أن يقضي الرجل بِكْرَه فرجع إليه أبو رافع فقال: لم أجد فيها إلا خيارا رباعيا، فقال: (أعطه إياه، إن خيار الناس أحسنهم قضاء)رواه مسلم. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (ما من مسلم يقرض مسلماً قرضاً مرتين إلا كان كصدقتها مرة). وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: لأن أقرض دينارين ثم يُرَدان، ثم أقرضهما، أحب إلى من أن أتصدق بهما. وأما الإجماع فقد قال ابن قدامة: أجمع المسلمون على جواز القرض.والقرض فيه رفع لضائقة ألمت بالمقترض، وقضاء للحوائج، وتفريج للكربات، وإعانة للمسلم، وكل ذلك مما يحبه الله ويثيب عليه. ولا يصح القرض إلا من جائز التصرف، فلا يجوز لولي اليتيم أن يقرض من مال اليتيم، ومما لابد تعيينه أن يُعلم مقدار الشيء المقترض حتى يرد بدله إلى صاحبه عند حلول أجله. ولا يحل للمقرض اشتراط زيادة عند الرد، ومن شرَط زيادة عند رد القرض فقد وقع في الربا الذي حرمه الله ورسوله، وسواء سميت هذه الزيادة فائدة، أو ربحاً، أو هدية، أو غير ذلك من الأسماء فهو ربا يوقع صاحبه في الإثم العظيم. والزيادة المحرمة هي الزيادة المشترطة، أما لو أن المقترِض رد المال إلى المُقرض ثم أعطاه زيادة من عنده على سبيل الإكرام ورد الجميل في رفع ضائقته وسد حاجته فهذا ليس من الربا؛ بل هو من القرض الحسن، يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث المتقدم: (إن خيار الناس أحسنهم قضاء).ولو كان بين المُقرض والمقترض تهاد وأُعطيات قبل القرض وكان هذا معتاد بينهم، فإن أعطى المقترض المقرض هدية قبل الاقتراض، ولم يكن الدافع إليه هو القرض، فإن ذلك لا يمنع من قبول الهدية، لزوال المحذور. وعلى المقترض أن يرد مال المقرض متى ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، وليتق الله، فإن المقرض قد بذل ماله ليرفع ضائقة المقترض أو سد حاجته، أو إعانته في وقت هو فيها محتاج إلى المال، فإن ماطل المقترض، وضيع حق المقرض، أو رد بعضه مع إمكانه رده كله، فقد تعدى وأساء وظلم، وليتق الله، وليعلم أنه محاسب على ذلك قال تعالى: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء: 47). ومنْ فرّط ولم يرد ما عليه من حقوق مالية، فليبادر برد ما عليه قبل أن يكون يوم لا درهم ولا دينار، فيرد المال لأصحابه، وإن تعذر رده لصاحبه لموته فليدفعه لورثته إن وُجدوا، وإن تعذر ذلك فليتصدق به عنه، وأجره يصل لصاحبه. اللهم إنا نعوذ بك من ضلع الدين وغلبة الرجال.