كان النبي صلى الله عليه وسلم متواضعا في كل حياته وأحواله، فكان يركب الحمار ولا يستعلي على الناس بركوب الفرس، ويُردف خلفه مرات ولا ينفرد في ركوبه وحده، فقد أردف بعض نسائه وأردف معاذ بن جبل وأردف أسامة بن زيد، وقد روي أنه كان في سفر وأمر أصحابه بإصلاح شاة فقال رجل: يا رسول الله علي ذبحها. وقال آخر: علي سلخها. وقال آخر: علي طبخها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وعلي جمع الحطب). فقالوا: يا رسول الله نكفيك العمل فقال: (علمت أنكم تكفونني ولكن أكره أن أتميّز عليكم، وإن الله سبحانه وتعالى يكره من عبده أن يراه متميزا بين أصحابه). ولما جاء وفد النجاشي فقام النبي صلى الله عليه وسلم يخدمهم فقال له أصحابه: نكفيك، قال: (إنهم كانوا لأصحابنا مُكرمين، وأنا أحب أن أكافئهم). وعن ابن عمر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحب بز فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم فخرج وهو عليه فلقيه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله اكْسُني قميصا كساك الله من ثياب الجنة، فنزع القميص فكساه إياه، ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم وبقي معه درهمان، فإذا هو بجارية تمشي في الطريق تبكي فقال: (ما يبكيك)؟ قالت: يا رسول الله دفع إلي أهلي درهمين اشتري بهما دقيقا فهلكا، فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إليها الدرهمين الباقيين. ثم ولت وهي تبكي فدعاها فقال: (ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين). فقالت: أخاف أن يضربوني، فمشى معها إلى أهلها فسلم فعرفوا صوته، ثم عاد فسلم ثم عاد فسلّم الثالثة فردوا. فقال: (أما سمعتم أول السلام). فقالوا: نعم، ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام، فما أشخصك بأبينا وأمنا؟ أي ما الذي جاء بك، قال: (أشفقت هذه الجارية أن تضربوها)، قال صاحبها: هي حرة لوجه الله لممشاك معها، فبشرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخير والجنة، وقال: (لقد بارك الله في العشرة، كسا الله نبيه قميصا، ورجلا من الأنصار قميصا، وأعتق منها رقبة، وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته). فهذا الحديث يشهد لتواضعه صلى الله عليه وسلم وسماحته ورحمته، فقد كان يتفقد حال الصغير والكبير، ويخدم السيد في قومه، ويمشي مع الأمة والعبد المملوكين في حاجتهما، وكان يعمل بيده في بيته، فعن الأسود بن يزيد قال: سألت عائشة رضي الله عنها ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته قالت: كان يكون في مهنة أهله، يعني خدمة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة. وكان صلى الله عليه وسلم يُباسط أصحابه، وقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس بسّاما ضحّاكا. وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب ينقل التراب، وقد وارى البياض بياض بطنه. وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود المريض، ويشهد الجنائز، ويأتي دعوة المملوك، ويركب الحمار، ولقد رأيته يوما على حمار خطامه ليف. وقال: ما كان شخص أحب إلى أصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا لما يعلمون من كراهيته لذلك. وعن الحسن رضي الله عنه أنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لا والله ما كان يُغلق دونه الأبواب ولا يقوم دونه الحجاب، ولا يُغدى عليه بالجفان ولا يُراح عليه بها، ولكنه بارزا، من أراد أن يلقى نبي الله لقيه، كان يجلس بالأرض ويوضع طعامه بالأرض، ويلبس الغليظ ويركب الحمار ويردف بعده، ويَلعق والله يده صلى الله عليه وسلم. وعن قبيس بن أبي حازم أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فلما قام بين يديه استقبلته رعدة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (هوّن عليك فإني لست ملكا إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد). وإنما قال ذلك صلوات الله وسلامه عليه حسما لمواد الكبر وقطعا لذرائع الإعجاب وكسرا لأشَرِ النفس وبطرها وتذليلا لسطوة الاستعلاء، هكذا كان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وهو رسول الله وقائد الأمة.