تجوز عيادة النساء للرجال الأجانب عند أمن الفتنة، لما رواه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وُعِك أبو بكر وبلال فدخلت عليهما، فقلت: يا أبت؛ كيف تجدك، ويا بلال كيف تجدك؟ وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى قال: كل امرئ مُصبح في أهله والموت أدنى من شراك نعله. وكان بلال إذا أقلعت عنه الحمى يقول: ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * * بوادٍ وحولي إذخر وجليل قالت عائشة: فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال: (اللهم حبب إلينا المدينة كحُبنا مكة أو أشد، اللهم وبارك لنا في مدها وصاعها وانقل حماها فاجعلها بالجحفة). كما روى البخاري أن أم الدرداء عادت رجلاً من أهل المسجد من الأنصار. وكما تجوز عيادة النساء للرجال كذلك يجوز عيادة الرجال للنساء إذا أمنت الفتنة أيضا، فقد روى الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على أم السائب فقال: (مالك يا أم السائب تزفزفين؟)، قالت: الحمى؛ لا بارك الله فيها. فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبي الحمى فإنها تُذهب خطايا بني آدم كما يُذهب الكير خبث الحديد). وتجوز عيادة الصبي الصغير؛ وقد عاد النبي صلى الله عليه وسلم صبيا في مرضه، فقد أرْسلت إليه بعض بناته أن صبياً لها قد احتضر فاشْهِدْنَا، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فرُفع الصبي إلى حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفسه تقعقع، ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله، وقد نهيت عن البكاء؟ قال: (إنما هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء) وغير المسلمين تجوز عيادتهم أيضا، وهذا من رفق الإسلام ورحمته، فقد قال أهل العلم: تُشرع عيادة غير المسلم إذا رُجي أن يُجيب إلى الدخول في الإسلام، والدليل على ذلك ما رواه البخاري أن غلاماً يهودياً كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض، فأتاه صلى الله عليه وسلم يعوده، فقال: (أَسْلِم)، فأسلَمَ، ولما حضرت أبا طالب الوفاة وقرُيت وظهرت علاماتها جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل بن هشام، وعبد الله أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عم؛ قل لي كلمة أشهد لك بها عند الله)، فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب، فلم يزل رسول الله يعرضها عليه ويعودان بتلك المقالة حتى قال أبو طالب آخر ما كلّمهم: هو علي ملة عبد المطلب، وأبَى أن يقول: لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنهَ عنك)، فأنزل الله تعال فيه: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة:113).