قال بعض الحكماء: إني رأيت عواقب الدنيا فتركت ما أهوى لما أخشى فكرت في الدنيا وعالمها، فإذا جميع أمورها تفنى وبلوت أكثر أهلها، فإذا كل امرئ في شأنه يسعى أسمى منازلها، وأرفعها في العز أقربها من المهوى، تعفو مساويها محاسنها لا فرق بين النعي والبشرى، ولقد مررت على القبور فما ميزت بين العبد والمولى، أتراك تدري كم رأيت من الأحياء ثم رأيتهم موتى، فإذا ظفر المصاب بأحد هذه الأسباب تخففت عنه أحزانه، وتسهلت عليه أشجانه، فصار وشيك السلوة قليل الجزع حسن العزاء. قال بعضهم: من حاذر لم يهلع، ومن راقب لم يجزع، ومن كان متوقعاً لم يكن متوجعاً. وقال ابن الرومي: إن البلاء يطاق غير مضاعف، فإذا تضاعف صار غير مطاق، فإذا ساعده جزعه بالأسباب الباعثة عليه، وأمده هلعه بالذرائع الداعية إليه، فقد سعى في حتفه وأعان على تلفه. فمن أسباب ذلك تذكر المصاب حتى لا يتناساه، وتصوره حتى لا يعزب عنه، ولا يجد من التذكار سلوة، ولا يخلط مع التصور تعزية. وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تستفزوا الدموع بالتذكر. قال الله سبحانه وتعالى: لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ. سورة الحديد الآية رقم 23