أول ما يتبادر لأذهان العامة من الناس عند الحديث عن الدعارة، هو المرأة التي تبيع جسدها من أجل المال، ولا يفكر أحد في الظروف التي حوّلت ما كانت بالأمس القريب طالبة، أختا، الابنة، الزوجة أو حتى الصديقة، إلى إنسانة من الدرجة السفلى، فاقدة لشيء اسمه الشرف، فالأمثلة عديدة ومتعددة ومن حوّلتهم العلاقات الاجتماعية المبنية على الاستغلال مقابل المال والمال فقط. هن كثيرات، بل نقول كثيرين، فليست المرأة لوحدها مسؤولة عن بيعها لجسدها، وإنما هناك محيط يفرش لها بساطا من حرير ليخفي أشواك الحقيقة. فبعد هروب أو خروج الفتاة والمرأة بصفة عامة من بيتها الأسري، تجد حينها وفي وقت قصير وقياسي من يستقبلها ويفتح لها ذراعيه بابتسامة الأسود أو الضباع الجائعة، فتتحوّل رويدا رويدا إلى كائن تتقاذفه الأيادي في عالم الرذيلة المسقي بمال السحت. ومن بين هاته العينات الزهرة، إحدى جميلات الهضاب العليا عصفت بها الرياح وقذفت بها ملاهي الباهية وعمرها لم يتجاوز ال 17 ربيعا، هجرت الفقر والحرمان ودفء الأبوة. فرت من سيطرة وتسليط زوج الأم، أصرت أن تروي لنا اليوم حكايتها بعد أن بلغت ال 26 سنة بخبرة 40 سنة من الانحراف داخل وسط الدعارة. كانت تروي قصتها وحكايتها مع مافيا الرذيلة، وهي لم تكف عن احتساء الويسكي والسجائر مرسومة على شفتيها، لقد لجأت إلى ولاية وهران بعدما أن أغرمت بما يقال عن هذه الولاية من جمال ومناظر خلابة، ناهيك عن أنوارها الليلية الساحرة، أين كانت تطمح أن تجد المستقبل الرغيد، لكن سرعان ما تحوّلت أحلامها إلى كابوس مرعب دمّر حياتها ومعنوياتها في أول يوم حطت الرحال، إذ تعرّفت على شاب وسيم يملك سيارة أجرة أمضت طيلة النهار برفقته وأطلعته على أسرارها ورغبتها، لتغرب شمس ذلك اليوم المشؤوم تقول الفتاة حيث تحوّل ذلك الملاك البشوش إلى ذئب مفترس قام باغتصابها بالقوة وأفقدها أعز ما تملك بنات حواء... أي الشرف. "المافيا" تجنّد أشخاصا لاصطياد وتضليل الفتيات ولم تكن بنت الهضاب العليا تدر ما كان ينتظرها ويترصد لمستقبلها الغامض، حيث قدمها هذا الشاب المستهتر كطورطة ميلاد لأحد معارفه، وهو صاحب ملهى ليلي ويكسب العديد من النوادي الليلية على الصعيد الوطني، وذلك مقابل بضعة قنينات خمر، فهذا العجوز رسم لها الجنة فوق الأرض وعاملها الليلة الأولى كأميرة الزمان. وبعد تناول وجبة العشاء على إيقاع الموسيقى "الرايوية"، اختلى بها بغرفته الفاخرة بعد أن رسم لها هو الآخر حديقة من الورود فوق ناطحة السحاب، فرضخت الزهرة لشهوات ذلك العجوز الذي استمتع بجسدها الرهيف وهي لم تصدق أن أبواب السعادة قد فتحت لها بهذه السهولة. لكن هيهات، لم تغرب شمس في اليوم الموالي، وإذا بالفتاة تجد نفسها في عالم غامض سادته علامات الاستفهام؟ ألا وهو عالم الكباريهات، فتعرّفت على نخبة كبيرة من الفتيات والنسوة في العقد الثاني والثالث، جلهن عبرن نفس المسلك، وقيل لهن نفس السيناريو. فهؤلاء الفتيات اللواتي عهدن حياتهن في عالم السواد الليلي المليء بالمخاطر والأسرار، لا أحد يعرف كيف جئن وكيف وصلن إلى ما هن عليه اليوم، أمام حقائق مؤلمة ومأساوية. لقد أصبحت مدمنة على تعاطي الكحول والمخدرات، اختلط الحابل بالنابل، خضعت إلى أوهام خادعة وأحلام زائفة، تعلمت لغة الأرقام التي هي السائدة ولا وجود للمشاعر، فالأولية لمن يدفع أكثر، لا يهمها سنه ولا جنسيته، المهم ما في جيبه لتسدد ثمن الإيواء والضريبة التي فرضها صاحب الملهى، حيث أكدت أنها تعيش تحت ظله، بينما هو يعيش بفضل خيرات أجسادهن. فإن السياسة الداخلية للمحل، تنص على أن الموظفة أو الجارية إن صح التعبير ملزمة بإقناع كل زبون أو "كافي" حسب عبارتها يقع في شراكها أن يسدد قيمة مالية قدرت ب 2000 دج تكلفة الغرفة الكائنة أعلى المبنى قصد معاشرته جنسيا، هذا علاوة عن مبلغ يتراوح ما بين 3 و5 آلاف دينار لإشباع غريزته الحيوانية، مؤكدة في كلامها أنها تقوم بمعاشرة العشرات من الرجال، كما أنها تضطر إلى دفع البقشيش لأعوان الحراسة أو "الفيدور" لتنال الحماية. ترتيبات محكمة على المستوى الوطني انتهجها تجار الرذيلة وأكدت الفتاة التي استراحت للدردشة التي جمعتنا بها، والتي تمردت اليوم عن العمل، أنها تخضع إلى نظام عبودي، حيث أضحت مجبرة على العمل بالملهى ليلا ونهارا ولا يحق لها مغادرة حدود المبنى، وكأنها تعيش في زنزانة.. تسير حسب الأوامر ويتم تحويلها إلى ملاهي أخرى بكل من ولاية بجاية وورڤلة وكذا العاصمة. كل هذه المؤسسات هي ملك ذلك العجوز، وتتم تلك العملية السرية دون سابق إنذار حسب الرزنامة، وكأن الزهرة والأخريات تماثيل أو قطع ديكور يتم بهن تزيين قاعات الملاهي عبر الوطن. ونحن نتبادل الحديث، وإذا بشخص بدين البنية يتقدم نحونا وبملامح مليئة بالحقد والغل، طلب من الشابة التكتم والخروج من القاعة والتوجه مباشرة إلى مكتب مدير الملهى الذي راودته شكوك ويريد الاستفسار في أمرنا، حينها شحب وجه الفتاة وصرحت أنه يجلس وراء الكاميرات المنصوبة على كل زوايا القاعة، ثم غادرت الطاولة. وقتها، تسللنا خلسة وغادرنا المكان لتجنب الدخول في متاهات لا يحمد عقباها. سيدة تتاجر بأجساد فتيات قصر لإرضاء شخصيات هامة في الدولة غادرنا المكان وتوجهنا في اليوم الموالي رفقة صديقنا الهواري الذي يقطن بإحدى العمارات الشامخة بوسط المدينة، هذا الأخير يعرف كل صغيرة وكبيرة، حيث كانت الوجهة نحو شقة مفروشة بالطابق الثاني وهي ملك لسيدة طاعنة في السن التي استقبلتنا بحفاوة، بعد أن أوهمها رفيقنا أننا شخصيات ذات نفوذ، فلم تفوّت الفرصة وصرحت لنا أن لديها أجمل الفتيات رقة وأناقة في عمر الزهور، بوسعهن إقناع وإشباع رغبات أي رجل وبطريقة احترافية. بعدها، تناولت الهاتف وبعبارة صرحت سومية "إنزلي حبيبتي لدي زبون شاب وسيم وثري ولا تتأخري لكي مهمة لا تتعدى 20 دقيقة وإلا حلّق الحمام"، ثم قطعت الاتصال. وبعدها، اعترفت لنا السيدة بكل افتخار أنها تمارس هذا النشاط ليس مع من هب ودب، بل لديها معارف جد رفيعة في الدولة وهم زبائن على مدار السنة. لم نكمل حديثنا، وإذا بقرعات خفيفة على الباب قالت إنها هي، وفجأة دخلت علينا فتاة في سن ال 16 أو ال 17 من العمر، جميلة جدا ترتدي ثيابا منزلية. ولكن الغريب في الأمر، أنها كانت تحمل كراس مادة الفيزياء، لم نفهم معنى هذا! لكننا سرعان ما أدركنا أن الفتاة طالبة ثانوية تقطن بالطابق التاسع من نفس العمارة، أوهمت أهلها أنها نازلة إلى زميلتها في الطابق الرابع لتستفسر عن الدرس، هنا يبقى السؤال مطروحا...؟ بما أن العمارة تحتوي على 14 طابقا، وإذا كان بكل طابق فتاة مثل سومية، فكم عدد الزبائن؟ العاهرات يفضّلن جيوب الأجانب الساخرة غير بعيد عن العمارة، يجري سيناريو آخر أمام الملأ. نحن داخل صالون شاي، وهو المعروف بحركاته الدؤوبة، زبائن من شتى الجنسيات: زنوج، صينيون وأتراك، كلهم لم يجمعهم طعم الشاي أو القهوة، بل جمعتهم نية واحدة؛ وهي الاحتكاك الجنسي نظرا لعدد الفتيات اللواتي يستعرضن أجسادهن وحركاتهن الفاتنة. جلسنا بطاولة سبق وأن كانت تجلس بها شابتان، إحداهما لم تفوت الفرصة وطلبت منا الكبريت كي تشعل سيجارة، وهي الطريقة السهلة التي يمكنها الدخول معنا في نقاش أو حوار مباشرة. انتحلنا صفة زبون، وسألناها عن ثمن المغامرة ومكان الرحلة، قالت "بما أنك جزائري وليس أجنبيا، التسعيرة هي 4 آلاف دج، إدفعها مسبقا للنادل ثم نرحل". قلنا "لماذا 4 آلاف؟"، قالت "نعم، الأجانب يدفعون أكثر من 6000 آلاف دج"، قلنا "أين نذهب؟"، قالت "بالشقة الكائنة بأعلى المبنى"، والتي هي ملك لصاحب الصالون. لم نود متابعة النقاش مع الفتاة ومساومتها، لكنها أصرت وألحت علينا عدة مرات بعبارة "لا تخشى شيئا، المكان مؤمّن". ونحن نتبادل الحديث، وإذا برجلين صينيين وقفا واقتربا من النادل، كنا نظن أنهما سيدفعان ثمن القهوة، لكن الفاتورة كانت باهظة، أوراق عديدة من فئة ألف دينار، ثم خرجا. أخذنا الفضول لمتابعة تحركات النادل الذي توجه مباشرة، وأشار برأسه إلى فتاتين كانتا تجلسان بإحدى زوايا المحل، فجمعتا أغراضهما بسرعة وغادرتا الصالون مسرعتين نحو الفرائس الأجنبية، حيث كنا في الموعد. تابعناهما خلسة حتى لا يكتشف أمرنا، وإذا بالمجموعة تتجه مباشرة إلى مدخل المبنى الكائن على يسار الصالون. وبعد حوالي نصف ساعة، خرجا "الأزواج" كل واحد منهم آخذ حصته وافترقا وكأن شيئا لم يحصل؟ طالبة بدوية تتسبب في مقتل شقيقها بعد أن ضبطها داخل كباريه هي متابعة ميدانية قادتنا إلى عدة نقاط بالمدينة لمتابعة تحركات عصابات إجرامية، اختصت في المتاجرة بأجساد الفتيات اللواتي ظللن سبيلهن، لكننا أبينا أن نسرد اعترافات ووقائع حقيقية راحت ضحيتها بنات حواء في لحظة خفيان، حيث توجهنا إلى غرفة الفتاة "نورة"، وذلك بإحدى البنايات الهشة والآيلة للسقوط. ف "نورة" شابة ذات 23 سنة طالبة جامعية شقراء البشرة، استغلت جمالها السحري وجسدها الفاتن لتخرج من ثوبها البدوي المحافظ، بدأت قصتها بربط علاقات جنسية مع أستاذتها بالجامعة مقابل بروزها في قائمة الطلبة الفائزين. فلم تكتف بهذا فحسب، بل طورت علاقتها، إذ تعرّفت على شخصيات هامة في الدولة ورجال أعمال ينفقون عليها دون حسبان، يلبون لها طلباتها دون تردد، حتى أصبحت شخصية تحسد من قبل الفتيات عقب تباهيها برصيدها البنكي واهتمامها بآخر صيحات الموضة واقتنائها لأغلى العطور. ف "نورة" تعتمد على دهائها، فتجد نفسها أحيانا تائهة دون بوصلة إلى غاية ذلك اليوم الذي لم يكن في حسبانها، حيث خرجت للسهر ككل نهاية أسبوع رفقة صديقتها وزبونين، وذلك بملهى فاخر مطل على البحر. كانت قهقهاتها الصفراء المصطنعة تدوي ساحة الرقص، وهي تحرك جسدها الفاتن وفجأة توقفت الساعة، لقد مثل أمامها شقيقاها اللذان اكتشفا أمرها وهما يرمقانها بنظرات قاتلة مليئة بالحقد. لم تصدق ما هي عليه، إن كان المشهد كابوسا أو حقيقة، خرجت مسرعة وهي تدهس كل من وقف في طريقها، تصرخ لعلها تجد من منفذ لها من مطاردة شقيقيها اللذان تعقّبا آثارها لمحو العار الذي جلبته للعائلة. قطعت الطريق، وإذا بسيارة تتجنبها وتصدم شقيقها الأكبر الذي لقي حتفه بعين المكان. ذلك المشهد المرعب، كان سببا كافيا في انهيار أعصاب "نورة" التي مكثت مدة سنتين في مصلحة الأمراض العقلية، ثم وجدت نفسها تتسكع في الشوارع من دون مأوى، لتستقر في الأخير بالبناية التي لجأنا إليها والتي بدت على وجهها خطوط التعب والندم وتأنيب الضمير. لقد خسرت كل شيء: الدراسة، العائلة والشرّف. وبعبارة صرحت "يا ليت الزمن يعود بي إلى الوراء"، ثم صمتت مطولا وصرحت "هذه دعوة الشر".. وانفجرت باكية! سيدة سجينة تروي ل "الأمة العربية" تورّطها في عالم الخيانة الزوجية ومن بين الشهادات التي جمعناها لتحقيق هذا الربورتاج، حالة السيدة فاطمة البالغة من العمر 36 سنة والتي قابلناها بسجن النساء الوقائي بدائرة ڤديل، والتي فصلت العدالة في حقها عقوبة 18 شهرا حبسا نافذا بتهمة الدعارة والخيانة الزوجية، والتي اعترفت لنا أنها فقدت كل ما تعتز به المرأة، وهي تحمّل مسؤولية العذاب الراهن إلى زوجها الفاشل والاجتماعي الصعب. ففاطمة هي تلك الأم الحنونة المحافظة التي تحوّلت إلى بضاعة تبيع جسدها بأثمان رمزية في سوق النخاسة، لا تميز بين المباح والمحرم: "المهم المال" حسب تصريحاتها والتي ندمت على التضحية التي لم تجد منها مقابلا. لقد دفعت البطالة التي كان يعاني منها زوجها الذي غطس في عالم تعاطي المخدرات هروبا من الواقع المعيش، قالت السيدة إنها بدأت حياتها الدنيئة مع صاحب الدكان المجاور لبيتها الذي عرض عليها التمتع بجسدها مقابل فسخ الديون المتراكمة. وبعد أن أنكر زوجها مسؤوليته، استسلمت لرغباته لترضي ذلك البعل وتتفادى المناوشات اليومية معه والتي حوّلت حياتها إلى جحيم، فلم تكتف السيدة بهذه المغامرة فحسب، بل رسمت شبكة عنكبوتية شملت كل أصاحب المستلزمات: الخضّار، الجزار وبائع التبغ، فهذه الطريقة نالت إعجاب الزوج الجبان البائس، مؤكدة أنها لم يبق لها سوى صاحب المسكن، فاتفقت معه على بدء أسطورة جديدة من حكايات "ألف ليلة وليلة"، لكن هذه المرة وقعت رفقة خليلها الجديد في قبضة مصالح الأمن، وذلك كان في عملية مداهمة قامت بها الجهات المختصة بإحدى الحمامات المعدنية غرب الولاية. امرأتان من ثلاث ينتهجن الدعارة للانتقام ويرجع المختصون النفسانيون لجوء الفرد إلى مثل هذا السلوك الانحرافي، لتعويض نقص يشعر به أو انتقاما من نفسه وتعذيبه لها، خصوصا إذا ما تعلق الأمر بالمرأة التي تعاني التهميش والاحتقار في الوسط الاجتماعي والعائلي، على حد سواء، ما يدفعها للسعي لانتهاج ذلك السلوك. وقد تذهب المرأة إلى أبعد حد في ذلك الانحراف، وأحيانا كثيرة ما تكون الفتاة أو السيدة مجبرة على اتباع ذلك المسلك، بعد أن تسد الأبواب في وجهها وتصبح غير قادرة على التركيز والتميز، وتفقد ذلك نهائيا بسبب الضغوط الاجتماعية والنفسية. وقد أسفرت الدراسات النفسية عن أن امرأة من بين ثلاث نسوة ينتهجن أسلوب الدعارة انتقاما من المحيط العائلي والاجتماعي، وتتخذ كصرخة في وجهة المجتمع الذي قهرهن وجعلهن على الهامش. كما أن التميز الأسري بين الذكور والإناث، جعل الكثير من الفتيات يتبعن ذلك التيار والاغراء الذي غالبا ما يجرفهن إلى الدعارة.