كشفت الدراسة الميدانية التي أنجزتها مؤسسة مختصة حول نفقات الإستهلاك لدى العائلات الجزائرية عبر أكبر المدن من بينها عاصمة الغرب الجزائري والتي شرع منذ ديسمبر الفارط فيها بهدف تحديد المؤشرات التي تسمح بتحديد الفوارق وإنتاج معدل مؤشرات الإستهلاك سنوي أن الراتب الذي من المفروض أن يكفل عيش لمدة شهر يجب أن لا يقل عن أربعة ملايين. الواقع المعيشي يفرض رواتب مضاعفة لضمان العيش الكريم وكشفت هذه الدراسة التي ستستمر حتى نهاية السنة الجارية أن 22 بالمائة من الجزائريين يعتقدون أن الدخل الشهري الأدنى الذي يرونه مناسبا لضمان عيشة كريمة في حدودها الإنسانية الدنيا لعائلة تتكون من أربعة أفراد لا يجب أن يقل شهريا عن 60 ألف دج ما يعادل 833 دولار فيما ترى غالبية الأسر أي 60 بالمائة أن دخلا يتراوح بين 40 و60 ألف دج يمكن أن يضمن عيشة كريمة في حدودها الدنيا لعائلة من أربعة أفراد، وتقول نسبة لا تتعدى 18 بالمائة من الجزائريين أن دخلا أقل من 40 ألف دج قد يفي بالحدود الدنيا للعيش الكريم في الجزائر لأسرة من 4 أفراد والنتيجة هي أن 82 بالمائة من العينة التي مسها هذا المسح الإستبياني _الذي أنجز على أساس عينة تخص 12150 أسرة _يرون أنه من المستحيل ضمان العيش الكريم لأسرة من 4 أفراد بدخل يقل عن 40 ألف دج بالنظر للظروف الراهنة ومنها التضخم وفوضى الأسعار وفشل الحكومة في ضبط أسواق السلع والخدمات وارتباط الاقتصاد الوطني بالأسواق الخارجية وانخفاض مستوى المعيشة إلى جانب ارتباطات الفرد الجزائري بالمناسبات الدينية والدخول الإجتماعي،حيث يتطلب الأمر رواتب مضاعفة من أجل تسديد المستحقات المالية المعيشة بالكريدي واللحم من المحرمات ويكشف الواقع المعاش من طرف الجزائري من جهة اخرى أن رواتب أغلب الموظفين ونسبة كبيرة منهم يستكملون بقية الشهر "بالكريدي"، على أن جزءا كبيرا من رواتب هؤلاء يسدد لشراء الضروريات القصوى على غرار توفير الخبز والحليب والخضار، فيما أن الكماليات لا يستطيع أغلبية الجزائريين الحصول عليها، إلا إذا انخفضت أسعارها.وأشارت هذه الدراسة أيضا إلى أن كل من اللحم، بما فيها الأسماك، واقتناء الملابس الفاخرة والتفكير في قضاء عطلة في إحدى الولايات لا يتوفر للكثير من العائلات الجزائرية على طول الشهر، فالكثير من الموظفين يستغني عن قضاء العطلة لتوفير راتبها لتسديد مستحقات إحدى الأجهزة الكهربائية أو توفير المبلغ للدخول المدرسي. كما أشارت دراسة وحدة الدراسات الاقتصادية أن عتبة أولويات الإنفاق لدى الأسرة الجزائرية لا تتعدى حاليا الحاجات الأساسية،وأن الكثير من العائلات الجزائرية كانت ترى في حلم شراء السيارة، بأنه لا يتحقق إلا بالقروض الاستهلاكية التي تبخر حلمها مؤخرا مع قرار الحكومة منع القروض الاستهلاكية إلا إشعار آخر. تكاليف خانقة ومعادلة الصيام والتعلم والعيد عالقة و يدفع هذا العام وبشكل عسير أرباب الأسر نفقات ويتحملون تكاليف متزايدة و فاتورة باهظة لمواجهة ثلاث مناسبات لا مفر منها بداية برمضان ثم عيد الفطر، فالدخول المدرسي، ثلاثية تستدعي ميزانية خاصة والمزيد من المصاريف والمتاعب و"الأزمات" المالية. بعد ثلاثة أسابيع من إستقبال شهر الصيام ستواجه العائلات الجزائرية -خاصة المتوسطة الدخل والمعوزة منها- مصاريف اخرى خاصة بمناسبة العيد ثم الدخول المدرسي، خلال شهر فقط، سيصرف الجزائريون خاصة الأجراء منهم راتب أوت أو سبتمر، على ثلاثة "ضيوف" يستدعي كل منهم أجرة مضاعفة حتى لا يقال منحة إستثنائية أو ميزانية تكميلية من أجل تفادي ضائقة مالية محتملة وتصبح في مثل هذه الحالات الطارئة قضاء وقدر وحتما مقضيا. يجد الجزائريون أنفسهم خلال هذه الفترة في مواجهة ثلاث مناسبات هامة اجتماعيا براتب واحد، وأيا كان موعد تلقي شريحة الأجراء لرواتبهم بداية الشهر أو متوسطه أو نهايته، فالنتيجة تبقى واحدة، ويتوجب على الأجراء تدبّر أمورهم ووضع "دراسة جدوى" لتسيير ميزانياتهم على الرغم من أن القدرة الشرائية لهذا المواطن تبقى ثابتة وأجورهم، تبقى قارة،فإن طريقة الإنفاق تصبح لا تعكس القدرة الشرائية لفئة الأجراء من متوسطي الدخل وضعافه.فالمعادلة هذه المرة تبدو صعبة جدا وحلها يحير أحسن متحكم في لغة الأرقام، وحديثنا يخص فئة الأجراء أو تلك الشريحة الأكثر تمثيلا في مستخدمي الوظيف العمومي، بالإضافة إلى الآلاف من العمال في القطاع الاقتصادي وبذلك يصبح رقم الشريحة التي نتحدث عنها 2 مليون جزائري، وانتقاؤنا هذا تبرره قيمة الأجور التي يتقاضاها هؤلاء، والتي تتراوح مابين 15 ألف دينار و50 ألف دينار. ومضاربة التجار تجرد الأطفال من بذلة العيد فغلاء الأسعار والمضاربة التي شهدتها الأسواق بوهران شكلت الديكور العام الذي صادف استقبال شهر رمضان المعظم، غير أن نيران الأسعار التي أحرقت جيوب هؤلاء، والرماد الذي خلفته لن تشفع للأولياء ، ومن المؤكد أن العائلات ستتخلى هذه السنة عن اقتناء لباس جديد لأبنائها خلال الدخول المدرسي لتزامنه مع عيد الفطر، والذي يفرض كذلك طريقة خاصة للإنفاق واستقباله ودون الخوض في تفاصيل التدبير المنزلي، وطرق صرف ميزانية الأسرة، وضرورة اعتماد الادخار كأسلوب من الأساليب الاقتصادية والآليات الإستشرافية لمواجهة الطوارئ والمواعيد الاستثنائية، فإنه بالعودة إلى المنظومة الوطنية للأجور ندرك أن كل عمليات القسمة والضرب والطرح والجمع، تضاف إليها "حكمة لقمان" ستقف عاجزة عن صرف راتب أو أجر تحت مستوى 60 ألف دينار، لمواجهة هذه التحديات. أعصاب متوترة قبل تسلم الراتب بوهران ... وتحوّل موعد تسلم العمال والمتقاعدين لأجورهم ومنحهم الشهرية بوهران إلى هاجس حقيقي بسبب التدهور الكبير للقدرة الشرائية للجزائريين في ظل الواقع الاقتصادي والوضع الاجتماعي للبلاد اللذان جعلا من الراتب لا يكفي لتدبير شؤون العائلة من الحاجيات الضرورية للحياة، سوى لأيام معدودة ويوجد في مقدمة العمال المتضررين من هذه الظاهرة، حسب ما لامسناه خلال هذه الايام مستخدمي الإدارة المحلية، يتقاضون رواتب تأتي في ذيل الشبكة الوطنية للأجور على غرار ما عبر عنه عمال البلديات ولم تتوقف معاناة هذه الفئة من العمال عند تدهور أجورهم بل زاد تأخر دفعها من طرف مصالح وزارة الداخلية والجماعات المحلية حتى نهاية الشهر (من 28 فما فوق) الطين بلة ويأتي بعد عمال البلديات من حيث المعاناة، شريحة واسعة من المستخدمين ، يشكلون فئة المعلمين والأساتذة في الأطوار الثلاثة لقطاع التربية، بحيث لا يمكنهم تلقي راتبهم الشهري إلا بعد مرور 25 يوما من الشهر ذاته، يليهم عمال قطاع المالية، بحيث يتسلمون أجورهم ما بين 24 و26 من كل شهر ولا تختلف كثيرا المؤسسات الاقتصادية في تعاطيها مع تاريخ دفع أجور مستخدميها، بما فيها تلك التي تعتبر الأكبر والأنجح في البلاد، على غرار شركتي سوناطراك، التي توظف ما يناهز ال 200 ألف مستخدم، وسونلغاز التي توظف أزيد من 120 ألف عامل، بحيث دأبت المؤسستان على دفع الأجور في الفترة التي تتراوح ما بين 20 و25 من كل شهر، وهو تأخر يمكن امتصاصه بشبكة الأجور "المقبولة إلى حد ما"، اللتان تخصهما هاتين الشركتين عمالها، لاعتبارات تتعلق بوضعهما المالي المريح، مقارنة بغيرهما من المؤسسات الاقتصادية والخدماتية.ويعتبر عمال قطاع الصحة الأوفر حظا مقارنة بغيرهم من عمال الوظيف العمومي، بحيث يتم صرف أجورهم بداية من 12 من كل شهر، وهي العملية التي تستمر حتى نهاية الثلث الثاني من ذات الشهر، وربما في ذلك عزاء لهذه الفئة المهضومة الكثير من حقوقها، بداية بأجورها التي لا تكفي إلا لبضعة أيام من الشهر، فضلا عن حرمانهم من واحدة من أبسط حقوقهم، ومنحة العدوى التي تعمل بها كل المستشفيات والمصحات العالمية والكثير من المطالب التي كانت في الواجهة خلال الحركات الإحتجاجية التي قاموا بها في الفترة الأخيرة.أما قطاع التعليم العالي فيصنف في مقدمة جميع القطاعات فيما يتعلق بموعد دفع أجور مستخدميه وعادة ما يكون ذلك في الأسبوع الأول من كل شهر، وهي سابقة فريدة في قطاع الوظيف العمومي، لا يضاهيها غير إدارة البرلمان التي تصرف بدورها أجور مستخدميها في الأسبوع الأول من كل شهر. المخازين المالية تصرف والضعفاء يعتنقون التقسيط وحسب ما هو متوفر من معطيات، فإن الأسر الجزائرية، ستكون مضطرة هذه السنة إلى الإستنجاد بما توفر من مخزون مالي موجود بالحساب الجاري أو الرصيد البنكي أو صندوق التوفير والإحتياط، وهذا طبعا بالنسبة "للمحظوظين"، أما البقية من ضعفاء ومتوسطي الدخل، فإنهم سيكونون أمام خيارين لا ثالث لهما، وأحلاهما مر، فإما الإستدانة وبالتالي مواجهة هذه المناسبات الثلاث ب "الكريدي" والتسديد عن طريق التقسيط، وإما الإكتفاء بالدنانير المتوفرة، وذلك أضعف الإيمان!. ويسجل مراقبون، أنه مع إلتهاب أسعار المواد الغذائية الضرورية والواسعة الإستهلاك، فإن "معركة القفة" ستكون متعبة، وهو ما يجعل الإصطدام بمصاريف العيد ثم الدخول المدرسي والجامعي بمثابة الضربة الموجعة وما يقتضيه من غلاف مالي خاص . الخبراء يلوحون بدخول اجتماعي صعب يرافقه عجزا ماليا أصعب ورغم الإجراءات التي تبنتها الحكومة في مجال دعم القدرة الشرائية للمواطنين، مثل "قفة رمضان" و"منحة التمدرس"، وتخصيص ميزانية هامة لدعم المواد الغذائية، فإن متابعين يتوقعون دخولا إجتماعيا صعبا ومرهقا بالنسبة للأغلبية المسحوقة من الجزائريين، بما سيخلط حساباتهم في توزيع دنانير الراتب الشهري لسدّ ثغرات الحياة اليومية، وعليه يتوقع خبراء في المجال الإقتصادي، تسجيل عجز مالي لدى أغلب الأسر الجزائرية خلال هذا الشهر، وستمتد ذبذباته إلى غاية الأشهر الموالية، تبعا لما ستفرضه "الديون" المترتبة عن "محاربة" مصاريف رمضان والمدرسة والعيد.وعمليا فإن المصاريف الإستعجالية والإستثنائية الخاصة بإستقبال ثلاثي الصيام والتعلم والعيد (خلال فترة قصيرة ومتزامنة)، ستضاف بالنسبة لملايين الجزائريين، إلى القسط الإجباري وربما الأقساط، التي يدفعها آليا الأجراء والموظفون، لفائدة البنوك في سياق تسديد قروض السيارة والسكن وكذا إقتناء مختلف لوازم البيت، الضرورية منها والكمالية، بما سيجعل بالفعل سبتمبر أطول وأصعب وأخطر شهر، بعد ما كان يوصف بأنه "شهر الملوك"، فإنه سينغص هذه السنة النوم على ذوي الدخل الضعيف والمتوسط وأصحاب شعار "الزلط والتفرعين"!. و تبقى الدراسة التي استندنا إليها بمثابة التحقيق الذي يرتكز على وضع سياسة إجتماعية محددة حول دعم الدولة للفئات المحرومة بإدخال الجوانب المرتبطة بتثمين وحساب مستوى المعيشة والظروف الإجتماعية للأسر.