حين أفكر في الجزائر، وحين أسمع غير الجزائريين يتحدثون عن الجزائر التي يعرفونها من كتب التاريخ، وشهادات الناس، هنالك أرى الجزائر كما هي، وكما يجب أن تكون بلدا عظيما لا يرضى إلا بعظائم الأمور، ولا يطمئن إلى صغائرها، وأن يثور ويضطرب إن أكره على الصغائر ودفع إليها، وهنالك أفكر في مصدر هاته العظمة فلا أراها بعيدة ولا غريبة وإنما أراها قريبة تتصل بطبيعتها المادية وبتاريخها، وموقعها الجغرافي . span style="font-family: "Arial","sans-serif"; mso-ascii-font-family: Calibri; mso-ascii-theme-font: minor-latin; mso-hansi-font-family: Calibri; mso-hansi-theme-font: minor-latin; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi;"إن عظمة الجزائر تكتنفها من جميع جوانبها عظمة الصحراء والبحر، كما يتصل بتاريخها الذي يعرفه الأجانب أكثر مما نعرفه، ويقدرونه أكثر مما نقدره، والذي كثر القول في مكانته الرفيعة بين تواريخ الأمم والأجيال. إن الجزائر مهد الثورات ولا يشك أحد في ذلك، وهي التي بسطت سلطانها السياسي على كثير من الأقطار ودافعت عن كثير من المستضعفين عبر مراحل تاريخية مختلفة، وقد قاومت الطامعين فيها والمغيرين عليها، فقد خرجت من المحن كما دخلت فيها، عزيزة قوية كريمة ولا يجادل في ذلك أحد. span style="font-family: "Arial","sans-serif"; mso-ascii-font-family: Calibri; mso-ascii-theme-font: minor-latin; mso-hansi-font-family: Calibri; mso-hansi-theme-font: minor-latin; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi;"فإذا عدت إلى الجزائر واتصلت بأهلها وسمعت منهم وتحدثت إليهم وقرأت أخبارهم وآثارهم في الصحف، فهذا مصدر آخر ليس له نصيب من الرضا، وإنما هو التضاؤل والتصاغر وهو السخط والضيق وهو الشعور المؤلم الذي يجده من كان على القمة ثم هوى فجأة إلى القاع، والذي يجده من كان حرا ثم أثقلته الأغلال والقيود. span style="font-family: "Arial","sans-serif"; mso-ascii-font-family: Calibri; mso-ascii-theme-font: minor-latin; mso-hansi-font-family: Calibri; mso-hansi-theme-font: minor-latin; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi;"صدقوني، إن الجزائر عظيمة متسامية بأرضها وتاريخها ونحن نجهل هذه العظمة، ونجهل هذا التاريخ جهلا مخزيا، فإننا نجهل من أمر الجزائر أكثر مما نعلم، فنراها صغيرة ونرى أنفسنا صغارا وهي كبيرة من واجبنا أن نكون معها كبارا، والأجانب يعلمون من أمر الجزائر ومن أمر الجزائريين أكثر مما نعلم نحن، فلهم فينا وفي بلدنا رأي أحسن من آرائنا، لو عرفنا تاريخنا وتاريخ أمجادنا لكرهنا سيرتنا التي هي أقل شأنا من سيرة أسلافنا. span style="font-family: "Arial","sans-serif"; mso-ascii-font-family: Calibri; mso-ascii-theme-font: minor-latin; mso-hansi-font-family: Calibri; mso-hansi-theme-font: minor-latin; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi;"صدقوني، إني أتمنى أن أكون في بعض الأحيان معلما لأرسم في قلوب الجيل الصاعد من أحداثنا صورة للجزائر تطابق حقيقتها صورة الجزائر العظيمة الخالدة التي لا ترضى من أبنائها إلا بالأعمال العظيمة، والآمال البعيدة الباسمة، وسأكون سعيدا وفخورا لو تحقق لي ذلك، كم أحب أن يشعر الشباب بأن وطنهم عظيم وأن لا يستسيغ من أبنائه أن يكونوا صغارا، فإما أن يعظموا مثله، وإما أن يلتمسوا لأنفسهم وطنا من تلك الأوطان الصغار التي تقتنع من أبنائها من صغر الأعمال. @ span style="font-family: "Arial","sans-serif"; mso-ascii-font-family: Calibri; mso-ascii-theme-font: minor-latin; mso-hansi-font-family: Calibri; mso-hansi-theme-font: minor-latin; mso-bidi-font-family: Arial; mso-bidi-theme-font: minor-bidi;"عيسى فراق/ بئر الشهداء