يتحدث القائم بالأعمال بالسفارة الليبية بالجزائر، في هذا الحوار الذي خص به ''النهار'' عن ما أسماه تلاعبات قام بها نظام القذافي، قبل سقوطه وانهياره من خلال تسريب وفبركة وثائق وتقديمها على أنها رسمية للرأي العام، لتشويه صورة ''ثوار'' ليبيا، كما يدافع عن قتل القذافي وبتلك الطريقة، ويعتبر أن ما لقيه الزعيم الليبي الراحل من تعذيب وتنكيل، كان نتيجة حتمية لما مارسه خلال سنوات حكمه ال42 من ظلم واضطهاد. كما عبّر الدبلوماسي الليبي عن تفاؤله بمستقبل العلاقات بين الجزائر وليبيا، في ظل حكمها من طرف قادة جدد، وكشف في نفس الوقت عن عدم تلقي السلطات الليبية أي مراسلة أو اتصال من جانب الخارجية الجزائرية بشأن مصير رعايا جزائريين مقيمين بليبيا، خصوصا في ظل تأكد أنباء عن تعرض بعضهم للتعذيب والاعتقال من طرف عناصر مسلحة من ''الثوار''. بداية سيدي القائم بالأعمال كيف ترون مستقبل العلاقات الجزائرية الليبية؟ العلاقات الليبية الجزائرية وطيدة جدا وعميقة عمق التاريخ المشترك لشعوب شمال إفريقيا، ولا يمكن أن تشوبها شائبة وستكون هناك زيارة لأعضاء من المجلس الإنتقالي للجزائر مستقبلا من أجل توطيد هذه العلاقة، والتأكيد عليها عقب إنشاء نظام جديد في ليبيا وإزالة كل ما من شأنه التعتيم على قوة هذه العلاقات التي تربط الشعبين الشقيقين. قرر آلاف الرعايا الجزائريين بليبيا العودة إلى الجزائر هروبا من جحيم الحرب فيما فضّل بعضهم البقاء هناك، فماذا عن مصالحهم وأملاكهم التي خلّفوها وراءهم؟ كثير من الجزائريين فضّلوا الفرار وترك أملاكهم ومصالحهم خوفا مما قد تفرزه هذه الحرب التي أنهت حكم معمر القذافي، الذي استبد بالشعب الليبي طيلة 42 سنة، وأنا أقول إن مصالح هؤلاء الجزائريين الذين هم إخواننا في الأصل، لن تُضيّع والمجلس الإنتقالي بالتنسيق مع الحكومة المؤقتة حاليا يحرصان كل الحرص على ضمان إعادة الحقوق لأصحابها، وأطمئن بذلك كل الجزائريين الذين رحلوا من ليبيا مع بداية الأزمة، أن كل ممتلكاتهم ومصالحهم محفوظة ويمكنهم العودة إليها مع استتباب الأوضاع نهائيا، حيث سيتم تدارس هذه المسائل مع الزيارة المرتقبة لأعضاء المجلس الإنتقالي قريبا، فيما تحرص اللسلطات الليبية أيضا على أمن وسلامة الجزائريين الذين فضّلوا البقاء رغم جحيم الحرب على غرار سلامة كل المواطنين الليبين، خاصة أنه كان هناك دعم معنوي قوي من قبل الشعب الجزائري لنظيره الليبي، واسمحوا لي أن أضيف شيئا في هذا السياق. تفضل.. لقد استقبلت القنصلية الليبية في عز الأزمة واشتداد الثورة داخل معظم المدن الليبية جزائريات تم عقد قرانهن بليبيين، وقد تحدثت إليهن حول الأحداث الدائرة في ليبيا وأنها ستكون خطرا على حياتهن في حال التنقل حاليا إلى ليبيا، إلا أنهن أثبتن مساندتهن لطموح الشعب الليبي، حيث ضربن بكل ذلك عرض الحائط وقلن أنهن سيرافقن أزواجهن إلى ليبيا ويعشن معهن كل المستجدات مهما كانت الأوضاع، وذلك لا شك أنه شيء يحسب لصالح الشعب الجزائري في مساندته لإخوانه في ليبيا. وبخصوص الجزائريين الذين غادروا الأراضي الليبية مع اندلاع الأزمة هل طالبوا بالعودة أو قدّموا طلبات بذلك؟ لم نتلق لحد الآن أي طلب بخصوص إرادة الرعايا الجزائريين في العودة إلى ليبيا، كما أن الأمور لم تستتب بعد في ليبيا ولكن هناك مجهودات جبارة لإعادة كل الأمور إلى ما كانت عليه خلال الأيام أو الأشهر المقبلة، وسيتجسد ذلك مع أول زيارة رسمية لأعضاء الحكومة المؤقتة إلى الجزائر. هل تلقيتم أي طلب من قبل وزارة الخارجية الجزائرية بشأن ضرورة حماية الجزائريين الموجودين في ليبيا، أو الحرص على ضمان حقوقهم وممتلكاتهم أو من عائلاتهم بالجزائر، خاصة بعد الأشرطة التي أظهرت تعرض بعض الجزائريين في ليبيا للتعذيب؟ لم نتلق أية مراسلة من قبل وزارة الخارجية الجزائرية في هذا الشأن، وكذلك من جانب عائلات الرعايا الذين فضّلوا البقاء في ليبيا، كما أنه ليس كل ما يظهر على أشرطة الفيديو صحيح فنحن نعلم أنه هناك أشرطة مفبركة يتم تناولها، وقد تم ترويجها من قبل أطراف تسعى لخدمة مصالح النظام السابق، وتهدف إلى تشويه صورة الثوار الذين انطلقوا من هدف أسمى وهو تحرير الشعب الليبي من عبودية معمر القذافي، وهم ليسوا كما يتم وصفهم في بعض وسائل الإعلام، ذلك أن من بين الثوار دكاترة ومهندسون ومثقفون، ولا يمكن أن يتقبلوا هذا الوصف بسبب تصرفات طائشة، إلا أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ينسب إلى الثورة كلها التي كان هدفها واضحا منذ البداية. برأيكم من يقف وراء ترويج مثل هذه المادة الإعلامية التي أشرتم إلى أنها تسعى إلى ضرب وزعزعت اسقرار الثورة وكذا مؤسسات أخرى لخدمة مصالح النظام القديم حسبكم؟ علمنا أن سيف الإسلام القذافي سعا مع بداية الثورة بتواطؤ من جهات ليبية في الخارج لتبييض وجه نظام أبيه، من خلال الترويج لوثائق سرية وأقراص مضغوطة كانت تهدف إلى ضرب كل من يقف في وجه النظام ويؤيد الثوار، سواء كانت شركات أو مؤسسات خاصة أو عمومية على غرار المؤسسات الإعلامية، من خلال الإفتراء عليها، حيث قام بجمع صور لحرب العراق وأفغانستان إلى جانب حروب أخرى، وقام بإعادة إخراجها لتظهر الثوار في صور همجية وكأنهم حادوا عن الخط الذي انطلقوا منه لاكتساب الشرعية الدولية وتأليب الرأي العام على الثورة، كما يحدث تماما مع بعض الأشرطة التي يتم بثها في الإعلام حاليا. ولكن ماذا عن مسألة قتل أو إعدام القذافي وابنه المعتصم وكذا نبش قبور عائلة القذافي، والدته وأعمامه؟ إن من يتفرج على الحرب الليبية ليس كمن يعايشها ولا شك أن أي شخص من الثوار الليبيين الذين شاركوا في تحرير ليبيا، قد فقد من عائلته أو أقاربه ما لم يبق في قلبه الرحمة تجاه هذا الرجل، وعلى سبيل المثال فإن الرجل الذي شاهده العالم في الإعلام يتوعد القذافي بمتابعته وإن دخل في بطن الأرض، ذلك الرجل فقد كل عائلته في ليلة واحدة كان هو غائبا عنها في مهمة خارج البلاد، فلما رجع لم يجد في البيت أحدا وقد قتل كل أبنائه مع زوجته وأبويه، فقد قتل في ليبيا خلال هذه الثورة أكثر من 50 ألفا وجرح 30 ألفا وهناك حوالي 20 ألف مفقود، فلماذا ينتظر العالم من هذا الرجل ومثله الآلاف أن يرحم القذافي بعد أن يراه أو يمسك به، ثم كيف نتأسف على مقتل الرجل الذي قتل كل الليبيين، صحيح أنه كان ينبغي التروي وتغليب الحكمة، لكن حتى اليوم لا أحد يعلم الرواية الحقيقية لمقتل القذافي وهل كان للثوار يد مباشرة في ذلك، أما المعتصم فكل ما قيل بشأن حرق جثته غير صحيح لأن جثته دفنت إلى جانب جثة والده في مكان مجهول تفاديا لنبش قبرها من قبل طالبي دم آبائهم وأبنائهم، ومسألة نبش قبر عائلة القذافي لا أعلمه وستتأكد المسألة إن كانت صحيحة. ولكن ما عاناه الشعب الليبي طيلة 42 سنة أكبر بكثير مما يحدث حاليا في لحظات قليلة. وكيف ترون الأوضاع حاليا في ليبيا بعد سقوط نظام القذافي وانتخاب رئيس الوزراء وتشكيل أعضاء الحكومة المؤقتة؟ لقد بدأت الأوضاع الأمنية تستتب تدريجيا إلا أنه هناك بعض الأماكن المفخخة التي لا تزال تحصد الأرواح تركتها كتائب القذافي، إذ إنه هناك 61 ألف لغم تم زرعها بشتى المدن الليبية على غرار الزنتان وزليتن وسرت، والتي لا يزال الثوار يعانون من إشكاليتها، خاصة أنها جد متطورة تستهدف أرواح المدنيين، ولها قوة تفجيرية كبيرة، ودور الثوار حاليا هو العمل على تفكيكها لحماية الأرواح التي استباحها القذافي. تجاهل تماما الرد على هواجس الجزائر إزاء فوضى انتشار السلاح ودافع عن موقف سلطات بلاده ما لم يقله الدبوماسي الليبي في حواره مع ''النهار'' جاء الحوار الذي أجرته ''النهار'' مع القائم بالأعمال بالسفارة الليبية بالجزائر، في وقت اشتكى دبلوماسيون عاملون بالسفارة انضموا لصف ''الثوار'' بعد انشقاقهم عن نظام القذافي في آخر أيام حكمه، مما اعتبروه ''حملة'' موجهة ضد ''الثوار'' والمجلس الانتقالي بالجزائر. ولأن ''النهار'' حرصت على التأكيد بأنها تنقل الحقائق فقط فيما يتعلق بتطورات الأزمة، معتمدة على الأخبار المتأكد منها والمصادر الموثوق فيها، وأحيانا باللجوء إلى شواهد وأدلة مثل الصور والفيديوهات المصورة، فقد فضّلنا إجراء حوار مع القائم بالأعمال بالسفارة في إطار عمل مهني وبموضوعية، بعيدا عن أي انحياز لأي طرف. الحديث الذي أدلى به الدبلوماسي الليبي بالجزائر، تطرق إلى العديد من القضايا وحاول من خلاله الدفاع عن موقف المجلس الانتقالي و''الثوار'' إزاء العديد من المواضيع والأحداث، وحتى فيما يتعلق بقضية قتل العقيد امعمر القذافي ونجله بعد اعتقالهما. فكانت بعض آرائه وتصريحاته صائبة ومعبرة عن حقائق لا يمكن إنكارها، فيما كانت أخرى مجانبة للصواب تماما من وجهة نظرنا. وكان من جملة ما قاله القائم بالأعمال بالسفارة الليبية بالجزائر ل''النهار''، أنه كان على العالم أن لا ينتظر معاملة أفضل من تلك التي لقيها القذافي بعد أسره، مشددا على أن الكثير من ضحايا الحرب الأخيرة وحتى ضحايا ممارسات نظامه طوال سنوات، انجذبوا رغما عنهم إلى الرغبة في الانتقام والثأر بتلك الطريقة والكيفية. غير أن تصريحات القائم بالأعمال لم تثر مسألة تعارض الممارسات التي تعرّض لها القذافي ونجله مع كافة الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، سيما المتعلقة بحقوق الإنسان، حيا أو ميتا. كما أنه لم يتطرق إلى مسألة الانفلات الأمني الذي تشهده ليبيا بسبب فوضى انتشار السلاح، وهو الهاجس الذي عبّرت عنه الجزائر أكثر من مرة، خصوصا بعد تسجيل دخول كميات غير محددة من الأسلحة للتراب الجزائري عبر منافذ ومسالك صحراوية وعرة وصعبة المراقبة. وبدا لافتا في إجابة الدبلوماسي الليبي على آخر سؤال طرحته ''النهار'' عليه، بشأن التحديات التي تواجه السلطات الليبية الجديدة، خصوصا بعد تنصيب رئيس حكومة انتقالية جديد، أنه تجاهل بشكل كامل مخاوف الجزائر الأمنية تجاه الأزمة الليبية، ومطالبتها السلطات الليبية بالحد من انتشار الأسلحة، حيث راح يركز فقط على الألغام التي قال إن نظام القذافي زرع منها عشرات الآلاف في مناطق داخل ليبيا. ويكفي التذكير بأن ضحايا نظام حكم القذافي أقل بكثير من ضحايا نظام زعيم صرب البوسنة خلال سنوات التسعينات رادوفان كراديتش، حيث أبيد عشرات الآلاف من المسلمين في مجازر جماعية في إطار حملة تطهير وتصفية عرقية، غير أن ثقل تلك الجرائم كلها لم تمنع من القبض على كراديتش حيا وتقديمه للعدالة. القائم بالأعمال الليبي الذي أبدى تفاؤلا بشأن مستقبل العلاقات بين الجزائر وليبيا، خصوصا قبيل الزيارة المرتقبة التي سيقوم بها وفد من المجلس الانتقالي الليبي للجزائر، لم يجب أيضا عن مسألة الانتهاكات و الإهانات التي تعرّض لها جزائريون مقيمون في ليبيا خلال أشهر الأزمة، خصوصا بعدما نشرت ''النهار'' لقطات حية لفيديوهات مصورة، تُظهر تعذيب وضرب مواطن جزائري في بنغازي من طرف من يسمَّون ''ثوارا''، إلى جانب شتمه والتعرض لأعراض الجزائريات بألفاظ نابية. وكان الرد الوحيد الذي تمكن الدبلوماسي الليبي من صياغته بشأن تلك القضية هو التشكيك في صحة تلك اللقطات المصورة، رغم أن ''النهار'' نقلتها من مصادر إعلامية موالية للمجلس الانتقالي الليبي، حيث سبق أن أشرنا إلى أن اللقطات عُرضت على شاشة قناة ''ليبيا الحرة''، بحضور صحافية من القناة، كانت تسأل الجزائري المعتقل بطريقة التحقيق الأمني. والجانب الوحيد الذي وُفق فيه الدبلوماسي الليبي في أجوبته كان عندما تحدّث عن صداقة الشعبين الليبي والجزائري، وهي حقيقة لا يمكن إنكارها، تجلت خلال بداية الأزمة الليبية، عندما استقبل الجزائريون النازحين الليبيين على الشريط الحدودي الجنوبي بترحاب كبير، في إطار رد الجميل والعرفان لما قدمه الليبيون خلال ثورة نوفمبر المبارَكة. وكان المثير في حديث الدبلوماسي الليبي عندما كشف أن سلطات بلاده لم تتلق من الخارجية الجزائرية أي تساؤلات حول مصير بعض الرعايا الجزائريين بليبيا، بعد ورود معلومات ولقطات مصورة حول اعتقال عدد منهم وتعذيبهم، في إشارة إلى أن وزارة الخارجية ماتزال تتعامل مع الموضوع الليبي بنفس الأسلوب في الإدارة والتسيير الذي كان في البداية، حتى وإن تعلق الأمر هذه المرة بكرامة الجزائريين وسلامتهم خارج الوطن.