مرّ من ولاية قسنطينة مسؤولون كبار و«وُلاّة “ وحظوا بمناصب عليا في السلطة، ولكن لا أحد من هؤلاء الولاة وضع قدمه بهذا الحي الذي عاش أهله البؤس والحرمان منذ العشرية السوداء إلى اليوم، وكأن ال 15 سنة التي مضت من عمر الأزمة التي عصفت بالجزائر كانت بمثابة عقوبة سياسية لهم، حيث استبشر سكان حي ابن الشرقي خيرا بزيارة المسؤول التنفيذي الأول عن ولاية قسنطينة لهم والوقوف على مشاكلهم، ولو أن البعض ربطها بالحملة الانتخابية، لأن زيارته جاءت متأخرة منذ مجيئه على رأس الولاية في 2010. على غرار المناطق الأخرى التي أرادت السلطة تدجينها في مرحة ما من العشرية السوداء، تمر خمسة عشر سنة على قرار العقوبة في حق حي ابن الشرقي الذي نعت ب«الإسلامي” والذي عرف حشودا قوية للجماعات الإرهابية، جعلت بعضا من الشباب يذوبون فيها وعاش أهله القهر والخوف طيلة هذه المدة، بحيث لم تطرأ على حي ابن الشرقي الشعبي أي تغيرات من جانب تنميته وتحسين ظروف سكانه إلى اليوم، وكأن الأمر لا يعدو عن عقوبة سلطت عليهم، لاسيما ومعظم سكان الحي ينتمون إلى التيار الإسلامي ويؤيدون مواقفه، لكن وبالموازاة شهد الحي ظواهر سلبية مختلفة وكثر فيه الاعتداءات على الأشخاص والممتلكات بسبب الظروف القاسية التي يعيشها سكانه جعلت منهم متخلفين اجتماعيا، وربما آن الأوان للوقف على العلاقة الجدلية بين السبب والمتسبب من المسؤولين المحليين الذين تجاهلوا هذا الحي، ولم يدمجوه ضمن برامجهم التنموية، بالرغم من أنه يعد من أكبر وأقدم الأحياء الشعبية بولاية قسنطينة، والتي تم ترحيل سكانها إلى المدن الجديدة مثل شارع رحماني عاشور(باردو)، شارع رومانيا وفج الريح.. عند الوصول إلى حي ابن الشرقي تقابلك لوحة للبؤس والمعاناة بداية من الطرقات التي توحي على أن المنطقة ريفية بالرغم من موقعها القريب من وسط مدينة قسنطينة، وافتقارها إلى أدنى المرافق سواء الثقافية الترفيهية أو الرياضية أو حتى الصحية ماعدا عيادة تفتقر إلى وسائل العلاج وخاصة لمصلحة للولادة، وتقديم كل أنواع الخدمات لسكان هذا الحي الذي يفوق عددهم 4000 نسمة، فرغم المشاريع التي صبت في معظم المناطق والتي اتخذت طابع التبذير من خلال التكرار المتكرر لإعادة الترميمات والتغييرات، يمكن القول إن حي ابن الشرقي كان من الأحياء المغضوب عليها، بحيث لم تنظر إليهم السلطات المحلية باعتبارهم عنصرا أساسيا ومحوريا في أي خطوة تنموية، بل مورست عليهم سياسة الكبت في المطالبة بحقوقهم، بحيث لم يشهد ولا مرة بأن خرجوا في حركات احتجاجية أو قطعوا طريقا، للمطالبة بحقوقهم الشرعية فيما يخص التنمية والتكفل بأبنائهم إلى أن جاءت الاستحقاقات واقترب موعد الانتخابات، وانطلاقا من تشريعيات ماي 2012، طلعت شمس تضيء على هذا الحي لتذيب عنه جليد السنين المتراكمة عليه منذ العشرية السوداء، وتخرجه من دائرة التخلف وينطلقون على درب التنمية. زيارة الوالي لحي بن الشرقي مغازلة سياسية أم بداية عهد جديد؟ جاءت زيارة الوالي الحالي نور الدين بدوي الذي يعتبر المسؤول التنفيذي الأول الذي يزور هذا الحي متأخرة نوعها ما، لأنه منذ سنتين تقريبا من مجيئه على رأس الولاية في سنة 2010 إلى اليوم لم يتفقد هذا الحي إلا مع نهاية الحملة الانتخابية، والتي اعتبرها سكان الحي مغازلة سياسية لهم وليس من أجل رفع الغبن عنهم، لاسيما وأن الوالي في لقائه مع السكان قام بتحسيسهم بأهمية الإنتخابات ودعاهم إلى الذهاب بقوة إلى صناديق الاقتراع، مقحما في ذلك الإدارة في العمل السياسي، عندما قال لهم “إن مواكبة الإدارة للتنمية يتجسد عندما يخرجون جميعا للتصويت، وأن مطالبهم متعلقة بما يفرزه الصندوق.. غير أن السؤال المطروح لصالح من روّج الوالي حملته الانتخابية؟ ذلك السؤال الذي طرحه كل من رافق الوالي في زيارته الميدانية لحي ابن الشرقي، وبقي هذا السؤال عالقا لدى الصحافة. مشاريع في الأفق لتنمية حي بن الشرقي وأخرى مسكوت عنها مشاريع عديدة حظي بها سكان حي ابن الشرقي في مجال التنمية وعلى الخصوص دعم الطرقات وفتح طرقات جديدة، ومنها الطريق الوطني رقم 27 الرابط بين المنية وقسنطينة، والتي وصلت نسبة الأشغال به إلى حدود 30 بالمائة بغلاف مالي قدره 28 مليار سنتيم، كذلك بالنسبة لتهيئة أرصفة الطرقات، الأهم في هذا المشروع هو تعبيد الطريق الرابط بين حي بن الشرقي وصالح باي باتجاه الغراب وذلك على مسافة كيلومتر ونصف، ويشرف على دراسة مكتب الدراسات السبيل لمدة شهرين، ونفس العملية شملت الطريق الرابط بين القماص وحي مازيا. أما فيما تعلق بتوزيع شبكة المياه، فقد برمج إنجاز خزان وشبكة توزيع للماء الشروب بسعة 2500 متر مكعب، المشروع لا تتجاوز مدة إنجازه 12 شهرا ومن شأنه أن يدعم الخزان الموجود الذي يسع لحوالي 1000 متر مكعب، وحل مشكل توزيع المياه الصالحة للشرب للسكان دون الاعتماد على خزان تويفز الواقع بحي 05 جويلية 62، وحسب مسؤول من مديرية الري بولاية قسنطينة، فإن شبكة التوزيع تمتد على مسافة 04 كيلومتر، كما قدرت كلفة المشروعين بما قيمته 44 مليون دينار أي 35 مليون دينار لإنجاز الخزان والمبلغ المتبقى يصب في الشبكة، أمام الأشغال فسوف تنطلق في غضون ال 15 يوما القادمة. إعادة الاعتبار لواد بن الشرقي على مسافة 4 كلم ومن ضمن المشاريع التي استفاد منها حي بن الشرقي إعادة الاعتبار لوادي بن الشرقي على مسافة 4 كيلومتر وصولا إلى وادي بومرزوق، خصص لهذا المشروع مبلغ قدره 44 مليون دينار، وقد حظي مشروع تطهير شبكات المياه وقنوات صرف المياه القذرة اهتمام مديرية الري، التي خصصت له غلافا ماليا قدره 2 مليار سنتيم وهو يتعلق بالشطر الخاص بسنة 2013. 8 ملايير سنتيم لإنشاء ملعب جواري ونظرا للكثافة السكانية التي تزداد ارتفاعا من سنة لأخرى، فقد برمجت الولاية عمليات خاصة بتوسيع المؤسسات التربوية وفتح أقسام جديدة بها ودعمها بمطعم مدرسي، مع إنشاء ثانوية جديدة تسع لحوالي 800 مقعد بيداغوجي، كما ستتدعم هذه المؤسسات بوحدات للفحص الطبي المدرسي والمتابعة الصحية، مثلما هو الشأن بالنسبة لمتوسطة أحمد عروة، رصد لها مبلغ 3 مليون دينار، وبالنسبة لترفيه الشباب برمج لهم إنجاز دار للشباب بقيمة 37 مليون سنتيم، تكون مجهزة ومدعمة بمقهى إلكتروني، وإنجاز كذلك قاعة خاصة بالرياضة القتالية، بمبلغ 47 مليون دينار، علما أن هذا المشروع انطلق السنة الماضية وعرف تأخرا كبيرا، كما سيتدعم الحي بملعب جواري بغلاف مالي يقارب 8 ملايير سنتيم. أرض بن سويسي بدون غاز ولا كهرباء والسكان يطالبون بمصلحة للتوليد رغم المشاريع التي حظي بها سكان ابن الشرقي، غير أن العديد من النقاط السوداء ما زالت تشكل هاجسا للسكان، دون أن يتطرق لها المسؤولون المحليون على مستوى الولاية، مثلما هو الشأن بالنسبة لسكان أرض بن سويسي الذين اشتكوا من انعدام الغاز الطبيعي والكهرباء، وكذلك الإنارة العمومية، ورغم المراسلات التي وجهوها للوالي غير أنها لم ترق إلى مستوى الاهتمام، علما أن سكان أرض بن سويسي البالغ عددهم أكثر من 1200 عائلة يؤكدون أن معاناتهم طالت منذ أن سكنوا الحي في 2002. ومن جانب آخر يشتكي سكان ابن الشرقي من نقص الخدمات الصحية وانعدام المرافق الصحية، خاصة ما تعلق بتوليد النساء وافتقار العيادة إلى مصلحة خاصة وقابلة، وغياب كذلك قسم خاص لتلقيح الأطفال حديثي الولادة، فالعيادة حسبهم يؤطرها طبيب واحد وممرض، وفي غياب المداومة الطبية فغالبا من الحالات التي توجه إما إلى مستشفى ابن باديس أو الخروب بعدما تزداد حالة المريض سوءًا. هكذا هم سكان حي ابن الشرقي الذين رسموا صورة للبؤس والمعاناة على كل المستويات، والذين صبوا جام غضبهم على المسؤولين المحليين وكذا المنتخبين الذين لم يلتفتوا إليهم طيلة العهدة، كما أرجعوا اللوم على وسائل الإعلام المكتوبة التي لم تطرح مشاكلهم وترفعها إلى السلطات العاليا، حيث قال البعض إن زيارة الوالي لا تخرج عن حدود المغازلة السياسية لهم، من أجل تفادي ثورات شعبية أو شيء من هذا القبيل.