تتجدد معاناة السكان كل مرة مع حلول موسم الاصطياف بسبب ندرة وتذبذب في الاستفادة من المياه الصالحة للشرب، حتى وإن كانت أغلب ولايات الوطن تشهد أزمة خانقة في توفير وتوزيع المياه على مدار عام كامل، إلا أن الوضع يصبح أكثر ترديا وتعقيدا خلال فصل الصيف، موازاة مع الارتفاع القياسي لدرجة الحرارة وقلة في التزود بهذه المادة الحيوية، التي تلقى استهلاكا واسعا ويتزايد عليها الطلب بكثرة، وهو ما يترك المواطن البسيط يتخبط في دوامة من المشاكل للبحث عن سبل أخرى للحصول على قطرة ماء تقيه من عطش حر شديد. ولاية باتنة وكغيرها من باقي ولايات الوطن تعرف هي الأخرى أزمة في تزويد سكانها بمياه الشرب، حيث تتزايد مخاوف ومتاعب السكان بالولاية مع حلول موسم الحرارة؛ بسبب التذبذب في التموين، وهو ما يحوّل حياتهم إلى جحيم التنقل اليومي عبر أماكن بعيدة ولمسافات طويلة؛ قصد البحث عن مصادر لجلب المياه بعدما جفت الحنفيات لأيام وأسابيع أو أكثر من ذلك. ندرةٌ في كل مكان والصهاريج لمن استطاع إليها سبيلا وتبدأ رحلة معاناة المواطن بولاية باتنة في البحث عن قطرة ماء بمجرد أن يصل إلى مسمعه خبر يتضمن قيام مصالح وحدة المياه خلال اليوم المحدد، بإجراء قطع التموين بالماء الشروب عن الحنفيات ليوم أو يومين أو أسبوع؛ بسبب عطب أو خلل لحق بشبكة التوزيع على أن تعود المياه إلى مجراها الطبيعي لحظة إصلاح العطب، وهو الخبر الطارئ الذي يحتّم على المواطن إدخال تعديلات في أجندة عمله اليومي وإضافة مهمة جديدة ضمن برنامجه، تتمثل في تخصيص ساعات إضافية لجلب مياه الشرب، وعلى اعتبار أن أوضاع السكان بباتنة تتشابه وتتطابق حينما يتعلق الأمر بأزمة في التزود بالمياه، يجد المواطن صعوبة بالغة في الحصول على مورد لجلب المياه، فتجده يتنقل إلى أماكن بعيدة جدا ربما خارج حدود إقامته، قاصدا بذلك الآبار الارتوازية والمنابع الطبيعية التي تشهد إقبالا كثيفا وطوابير طويلة تنتظر دورها في التزود بالماء، ونظرا للأزمة الخانقة التي يعاني منها المواطن مع ندرة المياه يستنجد الكثيرون بملء صهاريج المياه، والتي تشهد مع كل مناسبة لانقطاع المياه ارتفاعا ومضاربة في أسعارها، تتراوح بين 900دج إلى 1000دج للصهريج الواحد الذي لا يكفي لتلبية الحاجة إلا لثلاثة أيام كأقصى حد ممكن. اهتراء القنوات وأعطاب بالمضخات تتهدد صحة المستهلك ولعل من بين الأسباب التي تقف عائقا في كل مرة وتحول دون استفادة السكان من المياه الصالحة للشرب وبالكمية الوفيرة واللازمة، هي تلك الحالة التي تتواجد عليها قنوات المياه، والتي أصبحت قديمة جدا ولم يتم تجديدها منذ إنجازها لأول مرة، وكذا اهتراء شبكة توزيع المياه بسبب بعض أشغال تعبيد الطرقات وتهيئة الأرصفة وكذا حفريات الربط بشبكة الغاز، والتي تتسبب في كل مرة في حدوث تسرب وتدفق عشوائي للمياه داخل التجمعات السكنية والأحياء، بالإضافة إلى مختلف الأعطاب التي تلحق بمضخات المياه على مستوى محطات التوزيع بسبب الضغط العالي، وهي العوامل التي تدفع بالمصالح المعنية إلى قطع تزويد السكان بالمياه إلى حين إصلاح الخلل، غير أن تماطل هذه الأخيرة يخلّف حالة من الاستياء والاحتجاج في أوساط المواطنين، حيث شهدت أغلب البلديات بولاية باتنة العديد من الحركات الاحتجاجية بسبب قلة وندرة مياه الشرب بعد تراخي الجهات المكلَّفة في التدخل العاجل لإيجاد حل لهذه المعضلة التي طال أمدها. ويبدو أن متاعب السكان لن تتوقف عند حد ندرة المياه وفقط وإنما يتعدى الأمر إلى الأخطر من ذلك بعد أن أصبحت حياته مهدَّدة بالإصابة بمختلف الأمراض الخبيثة القاتلة، الناجمة عن اختلاط المياه الصالحة للشرب بقنوات الصرف الصحي أحد العوامل التي تهدد صحة المواطن، وهو ما يزيد من مخاوفه أكثر من أي وقت مضى بعد أن أصبحت الأوبئة الفتّاكة تطارده. أزمة الديون العالقة تعرقل توزيع المياه وفي الوقت الذي يعاني سكان ولاية باتنة وكذا عبر بعض دوائر وبلديات الولاية من أزمة في تذبذب توزيع مياه الشرب، تتخبط وحدة الجزائرية للمياه بباتنة على غرار باقي الوحدات الأخرى المنتشرة عبر الوطن، في أزمة ديون عالقة، والتي أصبحت تعرقل كثيرا نشاط المؤسسة بالولاية، وهو ما يمنعها من توسعة نشاطها عبر كافة بلديات الولاية، حيث إنها لا تتعدى حاليا تسيير 25 بلدية من أصل 61 متواجدة بالولاية، خاصة أن تراكم الديون يزيد من حجم المستحقات العالقة على عاتق المواطن المستهلك، الذي يتهرب من تسديدها، والتي بلغت أكثر من 150 مليار سنتيم، منها فواتير لم يتم تسديدها منذ أكثر من عشرين سنة، دون الحديث عن استفحال ظاهرة توصيل قنوات المياه دون تركيب العدّاد، وهي الظاهرة التي أصبحت منتشرة بكثرة في السنوات الأخيرة، حيث يتم في كل مرة ضبط العديد من المواطنين تورطوا في سرقة المياه وإيصالها إلى بيوتهم، وأجبرتهم المؤسسة على دفع فواتير جزافية طبقا للقانون المعمول به، ورغم الإجراءات القانونية الصارمة التي تتخذها إدارة المؤسسة في هذا الشأن إلا أنها لم تُجد نفعا؛ حيث تتراكم الديون كل سنة، واستعصى على الدولة استرداد ديونها، إذ أصبح من الصعب مراقبة المناطق النائية والمعزولة التي تُلحق بالمؤسسة خسائر مالية فادحة من جراء الاستهلاك غير القانوني للمادة الحيوية خاصة في الأنشطة الفلاحية رغم أن السياسة المنتهَجة في تحديد مبلغ رمزي يدفعه المواطنون مقابل استهلاكهم للمياه تهدف إلى استفادة جميع المواطنين من هذه المادة الحيوية وبصفة منتظَمة. هل ينهي سد كدية لمدور أزمة الماء الشروب بباتنة؟ وينتظر السكان بولاية باتنة مطلع سنة 2013 على أحر من الجمر، والتي ستعرف انتهاء الأشغال لتوصيل فائض من مياه سد بني هارون بولاية ميلة وصبها في سد كدية لمدور بتيمڤاد، حيث يعلق سكان العديد من الدوائر والبلديات بولاية باتنة وكذا المجاورة لها في حدود إقليم ولايتي خنشلةوأم البواقي، آمالا كبيرة على سد كدية لمدور ببلدية تيمڤاد لتزويدهم بالمياه الصالحة للشرب والحد من معاناتهم اليومية؛ تزامنا وارتفاع درجة الحرارة في فصل الصيف، حيث تشكل ندرة مياه الشرب هاجسا يؤرق كاهل السكان، خاصة في المناطق المعزولة والنائية. كما ينتظر الفلاحون بالمناطق الريفية تجسيد هذا المشروع الهام للمساهمة في إعانتهم على بعث نشاطهم الفلاحي والاقتصادي، والذي يشهد تعطلا وركودا خلال السنوات الماضية بسبب قلة مياه السقي، حيث ستصل المساحة المسقية إلى نحو 80 ألف هكتار ستشمل الأراضي المنتشرة من إقليم بلدية الشمرة بباتنة إلى غاية عين مليلة بولاية أم البواقي. الوزير سلال يطمئن الباتنيين وكان وزير الموارد المائية عبد المالك سلال أكد بأن الدولة الجزائرية تسعى جاهدة وبكل إمكاناتها المتاحة، لبناء سدود إضافية لتزويد السكان بالمياه الصالحة للشرب وإيصال المياه بصفة منتظمة إلى أبعد نقطة بالبلاد وتغطية كافة المناطق النائية بهذا المورد الحيوي، وهو التحدي الذي تواجهه الدولة مستقبلا. وصرح وزير القطاع خلال آخر زيارة عمل وتفقّد قادته إلى ولاية باتنة، بأن الجزائر عامة لا باتنة فقط، لن تعاني من أزمة نقص في مياه الشرب خلال السنوات القادمة، بعد امتلاء السدود بالكميات الهائلة من الأمطار والثلوج، التي تساقطت مطلع السنة الجارية، فالمخزون الحالي للجزائر من المياه يكفيها لمواجهة سنوات من الجفاف.