تبعا لافتقار مناطق الجنوب إلى سواحل واحتدام معدلات الحرارة في فصل الصيف، يجتهد سكان مدينة ورقلة في إيجاد فضاءات للتعامل مع الحرارة اللافحة التي تجتاح هذه المناطق، والتي وصلت إلى الخمسين درجة مئوية تحت الظل، وتحفل كل من ولايتي ورقلة وبسكرة بمنفذين شهيرين صارا قبلة للهاربين من الاحترار الذي بلغ هذه السنة مستويات قياسية. لم يقف أبناء منطقة ورقلة الجنوبية الجميلة مكتوفي الأيدي وراحوا يفكرون في أنجع السبل لمواجهة هذه الظروف المناخية الصعبة، ليتمكنوا في النهاية من التأقلم مع الطبيعة القاسية وتحقيق العيش المريح، ويبرز في هذا الشأن ما يعرف ب"الداموس" الذي لايزال متنشرا بعدة بلدات ريفية هناك. والداموس عبارة عن فجوة يتم إنشاؤها إما بباطن الأرض أو نحتها في تل عادة ما يكون ملاصقا مباشرة للبيوت، حيث تكون هذه الفجوة التي تقام على شكل غرفة حقيقية يتراوح طولها ما بين مترين إلى ثلاثة أمتار، أما ارتفاعها فغالبا ما يكون في حدود المترين ليتسنى للمرء التنقل داخلها بكل حرية ومن دون عناء. ويقول عبد الجليل (36 سنة) أحد من اشتغلوا على الداموس، أنّ إنجاز الأخير يتطلب اكتساب مهارة فائقة والتحلي بصبر خاص، لا سيما أنه يستلزم دائما اختيار التربة الطينية الصلبة لضمان عدم انهيارها، مما يفرض على من يقوم بعملية النحت بمفرده، المكوث لمدة شهر تقريبا قبل أن ينجز عمله بصفة كاملة. كما أن عملية النحت التي تتم عن طريق الاستعانة بمعول أو فأس وعادة ما تتجسد على مستوى التلال، يجب أن تنشأ بحسب العارفين - بطريقة مقوسة أو دائرية حتى لا يتسبب ذلك في إحداث تصدعات وتشققات على مستوى التل، وبالتي فساد المشروع من أساسه. تهوية منعشة في منطقة بلا سواحل ولضمان دخول الضوء والهواء إلى النوع الأول من "الداموس" الذي يكون محفورا في باطن الأرض، يتم إحداث فتحة على مستوى السقف تكون مقابلة مباشرة لفتحة مماثلة توجد بسقف الغرفة التي تعلو الداموس، بينما تكون الفتحة التي يتم إحداثها في النوع الثاني المنحوت في التل مطلة بشكل مباشر على الشارع، مما يدفع بأهل البيت إلى تنظيفها بصفة دورية من الأتربة لمنع تسرب هذه الأخيرة إلى الداخل. ويتم تلبيس سقف الداموس لوحده دون الجدران إما بالجبس المحلي أو الإسمنت، ليقوم الداموس بوظيفته ويحتفظ بدرجة حرارة مناسبة تكون منخفضة بشكل محسوس عن تلك الموجودة خارجه، وإلى جانب الأرضية التي تغطى بالأفرشة فإنّ الجدران يتم تغطيتها هي الأخرى بسعف النخيل كشكل من أشكال الزينة، والذي استبدل حاليا بالخيزران بعدما تبيّن أنّ سعف النخيل كثيرا ما يكون ملاذا مفضلا لأنواع من الحشرات والزواحف الضارة.وتعد القيلولة الوقت المفضل الذي يفضله سكان ورقلة للمكوث بالداموس هروبا من الحرارة الشديدة التي تخيم على البيوت، لذا يعتقد الورقليون أن الداموس هو المكان الأفضل في وقت الحر لاستراحة كبار السن والأطفال الصغار والرضع وتمكينهم من نوم هادئ ومريح. أدوار لا تنتهي وتتعدى إلى تخزين المواد الغذائية ويقول أحد المهتمين بهذا النمط من العمران إن دور الداموس لا ينتهي بانقضاء فصل الحر، حيث عادة ما يستغل في فصل الشتاء للتمتع بالسهرات الليلية الشتوية الطويلة لما يتمتع به الداموس من دفء، كما يُستخدم الداموس لتخزين أنواع معينة من المواد الغذائية كالتمر والقمح وغيرهما، علما أنّ الداموس يحافظ على صلاحية هذه المواد لمدة طويلة من الوقت دون أن تصاب بالتلف. ورغم التطور الحضاري والتقدم التكنولوجي الذي أنتج المروحات والمكيفات الهوائية بمختلف أنواعها وأشكالها، يبقى للداموس نكهته وميزته لدى العديد من المواطنين بالمنطقة الذين لا يودون التخلي عن هذا المكان الذي يرتبط بالعادات والتقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد. من جانبها، تعدّ "السقيفة" من المواقع المفضلة التي يلجأ إليها الناس أثناء اشتداد وهج الصيف، وظلت السقيفة لعهود طويلة من الزمن زينة بيوت القصور الصحراوية القديمة على مستوى العديد من ولايات الجنوب الجزائري، ويحرص السكان على أن تكون السقيفة المدخل الأول من البيت الصحراوي، وتعد بمثابة المرآة التي تعكس للزائر الوجه الحقيقي للبيت بأكمله، خصوصا من حيث نظافته وطريقة ترتيبه. وعادة ما يلجأ بعض أبناء ورقلة إلى وضع أفرشة على جانبي السقيفة، من الحصير للتمتع بالنسمات اللطيفة التي تتسلل من الشوارع الضيقة للقصور العتيقة، كما يلجأ البعض الآخر إلى حد تزيين جدرانها ببعض الصور حتى يخيل للمرء أنه موجود مباشرة داخل إحدى غرف البيت الذي قصده. ومما يلاحظ أيضا أنه كثيرا ما كان يتم إحداث فراغات صغيرة مثلثة الشكل أو مقوسة بالجدران، وهي تخصص في الغالب لوضع بعض الأغراض والمستلزمات الخفيفة الخاصة بأهل البيت، وأيضا لوضع الشموع والبخور في المناسبات المختلفة المرتبطة بالأفراح والمسرّات. ويلجأ المقيمون بهذه القصور أثناء فصل الصيف، إلى وضع قلل كبيرة مصنوعة من الطين تتوسط السقيفة، حيث تكون مملوءة بالماء وملفوفة بقطع من القماش الخشن يتم رشه بالماء من حين لآخر، ليبقى مبتلا ويحافظ بالتالي على برودة الماء الذي داخل الإناء الطيني، في حين تعمد عوائل أخرى إلى تعليق قربة ماء تنبعث منها رائحة القطران والغرض من ذلك كله هو تمكين الزوار من شرب الماء، وإطفاء ظمئهم بأنفسهم دون أن يطلبوا ذلك من أهل البيت. وتتميز السقيفة التي تؤدي مباشرة إلى فناء البيت الصحراوي القديم في الغالب بشكلها الهندسي المربع مع وجود أقواس صغيرة على الجدران بينما يكون السقف مغطى بعصي أو جذوع النخيل، وعادة ما يتم تغطية السقف بعد ذلك بالجبس المصنوع محليا الذي يتم الحصول عليه، عن طريق حرق الحجارة قبل طحنها لإنتاج الجبس الناعم والجاهز للاستعمال. وتشكل السقيفة خلال فصل الصيف، ملاذا لأهل الدار للاستراحة في أوقات القيلولة، حيث تكون درجة الحرارة في هذا المكان منخفضة نسبيا مقارنة بباقي أنحاء البيت الأخرى، خصوصا عند ترك الباب الخارجي للمنزل مفتوحا قليلا يتسرب منه تيار هوائي منعش. بيد أنّه ومع الانتقال إلى النمط المعماري الحديث من دور سكنية مبنية بالآجر والإسمنت والأرضيات المكسوة بالبلاط، كان سببا رئيسيا في الأفول التدريجي للسقيفة وانحصار أدوارها المتعددة التي كانت تتميز بها في البيوت التقليدية القديمة، إلى درجة جعلت الحاج بشير أحد أعيان منطقة ورقلة يجزم أنّ اسم السقيفة يكاد يختفي من على ألسنة الناس، ويستبدل بمصطلح الرواق الذي يميز البناء الحديث.