خاطب « محمد الشريف عباس » وزير المجاهدين أمس، الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» قائلا: «الجزائر تنتظر منك أفعالا لا أقوالا»، في نسق أراد الوزير من ورائه دفع خليفة ساركوزي لتجسيد الكثير من النقاط الإيجابية التي طبعت حملته الانتخابية الأخيرة، بما سيضع العلاقات الثنائية في أحسن صورها حتى تخدم مصلحة الشعبين. وأشار الوزير في منتدى إذاعي، إلى أنّ هناك توجها لاستقراء التاريخ من وراء البحار، من خلال الاعتماد على مؤرخين فرنسيين لهم باع طويل في دراسة تاريخ الجزائر أثناء الفترة الاستعمارية مثل بنجامين ستورا، أجرون، أندري جوليانو، إلا أن هؤلاء دائما ما يساوون بين الضحية والجلاد في كتاباتهم، وبالتالي فهم يمارسون التغليط. ولأن الكتابة هي عصب الذاكرة التاريخية، فإن الوزارة حسب مسؤولها الأول، قد برمجت بمناسبة الخمسينية، مشروعا كبيرا لطبع وإعادة طبع وترجمة حوالي 500 عنوان تتناول تاريخ الثورة الجزائرية بكل تشعباتها وتفاصيلها، بالإضافة إلى طبع مذكرات تاريخية لباحثين جزائريين. وعن مشكلة أرشيف الثورة الجزائرية التي ترفض فرنسا تسليمه إلى الجزائر، أوضح الوزير أن مسألة استعادة الأرشيف مازالت معلقة، إلا أن هذا الأرشيف مفتوح أمام الباحثين الذين يريدون الإطلاع عليه، وتمول الوزارة حاليا عملا ضخما لشيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله. من جانبها، أوضحت ونيسي في تصريحات خاصة ب «السلام»، أن كتابات بعض الفرنسيين المعتدلين أمثال بنجامين ستورا، فيها قدر من المصداقية، لكن هذا لا يلغي أنهم يكتبون «تاريخ فرنسا في الجزائر»، وليس «تاريخ الجزائر في فترة الاستعمار الفرنسي»، وهناك فرق جوهري بين المفهومين، لأن كتاباتهم تظهر قدرا من الذاتية، ولا يمكن أن يكونوا حياديين في طرحهم لأنهم فرنسيون بالدرجة الأولى. ورفضت ونيسي التي تشغل عضوية المجلس العلمي لمركز الدراسات والبحث في الحركات الثورية والوطنية، الطرح القائل بأن تاريخ الجزائر لم يكتب بعد، وقالت أن هناك جهودا كبيرة قام بها مؤرخون جزائريون استطاعوا فيها تدوين التاريخ الجزائري، إلا أن عملا كبيرا مازال ينتظر لتدوين جميع الشهادات الحية والشفهية، وإعادة قراءة محطات الثورة على ضوء مذكرات كبار المجاهدين وقادة الثورة، وهذا العمل هو من اختصاص المؤرخين بالدرجة الأولى لأنهم يمتلكون الأدوات العلمية لذلك. وتعتقد ونيسي أن أي حديث عن تغير في السياسات الفرنسية تجاه الذاكرة التاريخية المشتركة بين الجزائروفرنسا، لا يمكن أن يمر دون إلغاء كلي لقانون 23 فيفري 2005 المعروف ب»قانون تمجيد الاستعمار»، إضافة إلى إرجاع كامل لأرشيف الثورة الموجود لدى الفرنسيين، مشيرة أن العلاقات الجزائرية الفرنسية تحكمها أحداث ماضية عميقة، ومن ثم فإن المقاربة الفرنسية في التعاطي مع التاريخ الاستعماري الفرنسي في الجزائر، لن تتغير بتغير التيارات السياسية الحاكمة في فرنسا. ونبهت ونيسي المبشرين بانفراج في العلاقات بين الجزائر ومستعمرها السابق، مع مجيء «فرنسوا هولاند» الذي يمثل تيار اليسار، إلى أن الوقائع التاريخية تثبت أن اليسار تورط في جرائم كبيرة في حق الجزائريين، حيث كان فرانسوا ميتران الرئيس الفرنسي السابق ووزير الداخلية إبان الفترة الاستعمارية، هو من أمضى على الإعدامات الشهيرة بالمقصلة في حق الجزائريين، وكذلك فعل الحزب الشيوعي في تلك الفترة، مضيفة أن فرنسا كدولة في عهد اليمين أو اليسار، لم تبذل أي مجهود للقضاء على المآسي التي عاشتها الجزائر ومازال بداخلها تيار استعمار جديد يحاول الإبقاء والتحكم في الدول المستعمرة عبر استحداث آليات فكرية جديدة.