هذه دراسة جديدة أجراها علماء أمريكيون عن تأثير البكاء وفوائده النفسية، ونتذكر أن القرآن تحدث عن هذه الفوائد، ولكن بشرط أن يكون البكاء من خشية الله جل وعلا. لماذا نميل للبكاء أحياناً ومن الذي وضع فينا هذه الفطرة، فطرة البكاء؟ فالمولود منذ أول لحظة يخرج للدنيا نراه يبكي، والإنسان من شدة الفرح تجده يبكي، فالبكاء هو غريزة أودعها الله في البشر، وطالما اعتقد الملحدون أن البكاء لا فائدة منه، ولكن تأتي الأبحاث لتثبت عكس ذلك، وكذلك نجد أن القرآن ذكر البكاء كصفة جيدة، ولكن بشرط أن يكون البكاء من خشية الله تعالى. ونلاحظ اليوم أن بعض الباحثين النفسيين يطرحون فكرة العلاج بالبكاء! فقد أفادت دراسة علمية أنجزها باحثون أمريكيون وهولنديون بأن غالبية الناس يشعرون بتحسن في المزاج بعد البكاء، في حين تتدهور حالة شخص واحد من أصل عشرة فقط بعد ذلك. ووجد علماء نفس في جامعة جنوب ولاية فلوريدا الأمريكية وجامعة تيلبيرغ الهولندية أن الأشخاص الذين بكوا ولقوا دعماً اجتماعياً كانوا يفيدون عن تحسن في مزاجهم. وفي المقابل لوحظ أن مزاج حوالي ثلث الأشخاص ال3000 الذين شملتهم أبحاث الدراسة لم يتحسن بعد البكاء. وربطت الدراسة، التي نشرت في مجلة علم النفس الأمريكية، بين فوائد البكاء ومكان وساعة حصول هذا الأمر. ولاحظت الدراسة أن البكاء يعطي تأثيرا مهدئاً مثل التنفس بشكل أبطأ بحيث يساهم في تخفيض عدد دقات القلب. وتوقع الباحثون أن يكون هذا الأمر هو السبب وراء تذكر الناس للجانب المشرق من البكاء وتخطيهم للشعور بالتوتر. وقام الباحثون بدراسة البكاء في المختبر فوجدوا أن نتيجته كانت غالباً شعوراً بالسوء، فرجحوا أن السبب هو الظروف المتوترة والتصوير والمراقبة، وهي أمور تخلق لديهم مشاعر سلبية تعيق الفوائد الإيجابية المرتبطة بالبكاء. هذا خبر علمي يؤكد ما جاء في دراسات سابقة من فوائد للبكاء لمسها الباحثون في مجال علم النفس. ولكن الباحثين لا يعرفون طريقة البكاء الصحيحة والفعالة! فالبكاء قد يكون علاجاً لكثير من الأمراض، ولكن بشرط أن يكون البكاء من خشية الله تعالى، وهو ما حدثنا عنه القرآن بقوله تعالى متحدثاً عن أولئك المؤمنين الخاشعين الذي تأثروا بكلام الله تعالى فماذا كان رد فعلهم؟ يقول عز وجل عنهم: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا) [الإسراء: 109]. وانظروا كيف ربط البيان الإلهي بين البكاء والخشوع، فكلاهما يمثل طريقة رائعة لعلاج الأمراض النفسية. فالبكاء من خشية الله يزيد المؤمن خشوعاً وخوفاً من الله، ويُنسيه همومه وأحزانه، لماذا؟ لأن الذي يتأثر بكلام الله ويتصور أهوال القيامة ويتذكر عظمة الخالق تبارك وتعالى، تتضاءل أمامه المشاكل والهموم مهما كان حجمها أو نوعها، وبالتالي ينسى مشكلته وهذه أول خطوة على طريق علاج أي مشكلة، أن تنظر إلى هذه المشكلة على أنها شيء تافه وقابل للحل، وبالتالي سوف يتم حلّها بسهولة، وهذا ما يؤكده علماء النفس والبرمجة اللغوية العصبية في حل المشاكل والمصاعب. ولذلك فإن الله تعالى ذكر البكاء في أكثر من موضع من كتابه المجيد، وجعله وسيلة للقرب من الله تعالى، ومؤشراً على صدق المؤمن في خشيته لخالقه جل جلاله. يقول تعالى: (أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ، وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ، وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ، فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا) النجم. ففي هذا النص القرآني أمر لنا أن نبكي من خشية الله، وأن نبتعد عن اللهو وأن نبتعد عن كثرة الضحك، ولا يمنع ذلك من الابتسامة التي هي علاج أيضاً.