أبدى رئيس بلدية دلس وعدد من رؤساء الجمعيات تحفظاتهم على الأشغال الإستعجالية التي تمس منارة بن قوت بدلس (75 كلم شرق بومرداس) أو "برج فنار"، كما يحب تسميتها سكان المنطقة، علما أنّ هذا الصرح العريق يعاني في صمت منذ فترة ليست بالقصيرة. ولا تتمثل هذه الأشغال حسبهم إلا في إقامة دعائم خشبية من داخل المنارة لمنعها من الانهيار، جراء التصدعات الشديدة التي تعرضت لها بمرور الأيام حسبهم حيث تآكلت تلك الدعائم وأصبحت آيلة للسقوط في أي وقت. من جهة أخرى ذكر مصدر من مديرية الثقافة بأنه تم تنفيذ أشغال إستعجالية (لم يذكر تفاصيلها) في الصرح بناء على الهبة المالية (20 ألف دولار) المقدمة من اليونسكو لإعادة الاعتبار للتراث الثقافي بالولاية. كما اقترحت نفس المديرية على الصندوق الوطني للتراث الوطني ملفا لتمويل أشغال ترميم وإعادة الاعتبار للمعلم التاريخي ولم تتلق الإجابة إلى حد اليوم. الجمعيات تطالب بتحويل المعلم إلى متحف بحري وبعد زلزال 21 ماي 2003 وتوقف استغلال منارة برج فنار نهائيا تم إنجاز أخرى بمحاذاتها بشكل استعجالي وترتفع عن القديمة بسبعة أمتار إلا أنها ليست في مستوى شكلها الهندسي. وأكد مصدر من مديرية الثقافة بأنه سيتم العودة إلى استغلال المنارة القديمة بعد إعادة ترميمها وإنجاز ما تهدم من أجزائها في المستقبل القريب. ومن جهة أخرى طالب عدد من الجمعيات على غرار جمعية قصبة دلس و"نوتيلوس" وساندهم في ذلك رئيس المجلس الشعبي البلدي، بضرورة الاستعجال في إنقاذ هذا المعلم التاريخي والعمل على تحويله إلى متحف بحري للحفاظ على الكنوز البحرية والآثار التاريخية التي هي حاليا بحوزة عدد من السكان بالمدينة والجمعيات. وتحافظ المنارة المذكورة على تشامخها متحدية عوامل الزمن بطرازها المعماري الرفيع ومسحتها الفريدة التي مزجت بين الهندسة الجميلة وسحر المكان المطل من الأعالي على خليج البحر. ولا يمكن الكلام عن مدينة دلس العتيقة بقصبتها الأثرية دون ذكر هذا الصرح البحري المميز الذي يشد أنظار الزائرين إليها من كل الاتجاهات ويراه البحارة وربان السفن من كل الجوانب، حيث يوجههم للدخول بأمان إلى ميناء مدينة دلس الشهير. ويرجع عدد من المؤرخين ومن السكان القدامى لمدينة دلس تاريخ تشييد هذا الصرح الذي يعد الأجمل من بين 25 منارة شيدت على مستوى الوطن ما بين 1886 و1954 من طرف المحتل الفرنسي، إلى سنة 1881 أي بعد أزيد من 40 سنة من استعماره لمدينة دلس. وتحمل هذه المنارة التاريخية إلى اليوم اسم مصممها الهندسي بن قوت الذي لم تتوفر أي تفاصيل عنه وعن أعماله. وأنجزت منارة برج فنار بمنطقة البساتين الساحرة في قطعة أرض هي الأعلى والأكثر ولوجا في البحر، ويحدها الميناء والقطاع المحفوظ لقصبة دلس من الشرق وقلعة قديمة من الغرب. خصائص مميزة وعتاد ثمين تعد هذه البناية البحرية التي اقتبست هندستها من العمارة الإسلامية (منارات المساجد) من بين أجمل المنارات على المستوى الوطني، حيث يبلغ علوها 25 مترا من سطح الأرض ويصل مدى أشعتها الضوئية من مصباحها الضخم إلى زهاء 95 كلم. ويشتغل المصباح المذكور الذي يوجد ببرج المنارة المبنية من الداخل بالرخام بقوة 6000 واط، حيث يبعث سلسلة من الومضات الضوئية للسفن البعيدة لمدة 17 ثانية بدون انقطاع ويمكن رؤية أضوائه ليلا من مرتفعات أزفون بتيزي وزو (60 كلم شرق دلس) ومن مرتفعات الجزائر العاصمة غربا. ويحتوي طابق برج المنارة على أجهزة وعتاد ثمين لا يزال على حالته وتحت الرقابة، حسبما أكده مصدر من مديرية الثقافة وتعرض بعضه للنهب حسب عدد من سكان وممثلي الحركة الجمعوية. ويتمثل العتاد المعتمد في تشغيلها في كل من أجهزة إنارة النجدة وملتقط كهربائي وهيكل دائري يدور على إناء زئبقي وعتاد مراقبة الدوران، وأجهزة تزويد وشحن المصباح ومصباح غازي ومعبئ مصابيح وعدسة شبكية عاكسة وجهاز تحديد اتجاهات الرياح وأخرى لحماية البرج من الصواعق. توقف عن العطاء بعد زهاء قرن من النشاط رغم تميز هذا الصرح المعماري بطابعه المعماري الهندسي والسياحي الذي أعطى قيمة مضافة لهذه المدينة على مدار زهاء قرن من الزمن، إلا أن الإرهاب الأعمى لم يستثنيه من حساباته التخريبية، حيث استهدفه ليلة ال 22 فيفري سنة 1994 بقنبلة هزت وأعطبت الكثير من أركان وأسس جدرانه. وتطلب الأمر زهاء 6 سنوات من أشغال الترميم وإعادة البناء لإعادة تشغيله من جديد لفائدة مصالح الملاحة البحرية والجوية. وبعد سنوات قليلة من عودته للتشغيل أتى زلزال 21 ماي 2003 المدمر على ما تبقى من أجزائه القديمة، حيث تشققت البناية من كل جوانبها ليتوقف استغلالها نهائيا وتترك على حالتها إلى اليوم، حيث ازداد تدهورها من الداخل رغم بقاء الجدران من الخارج واقفة وصامدة. حاجة مستعجلة لترميم..تصنيف وتثمين المعلم رغم الأهمية التاريخية لهذا البناء الضخم إلا أنه لم يلق العناية الكافية والترميم وإعادة البناء إلى حد اليوم، ولم يتم تسجيله في قائمة الجرد للممتلكات الثقافية العقارية للولاية إلا في سنة 2008. والغريب في الأمر أنه لم يتم عرض ملف تصنيف هذا المعلم ضمن الممتلكات الثقافية المحمية وطنيا إلا في سنة 2011، وتم المصادقة على الملف إلا أن قرار التصنيف الفعلي لم يصدر إلى حد اليوم. ويحتاج هذا المعلم التاريخي حاليا إلى أشغال استعجالية فعلية خاصة وأنه آيل إلى الانهيار في أي وقت، بسبب حالة التردي واللامبالاة التي آل إليها بمرور الزمن بعد توقفه عن العمل حسبما لوحظ.