جرى في الأمثال السائرة قولهم: “شرف العلم بشرف ما تعلّق به”، فكيف إذا تعلّقت العبادة بالقرآن العظيم: أشرف الكتب وأكملها، وقد أعلى الله مكانه، وأيّد بالحق سلطانه، أفصح كتبه كلاماً، وأحسنها نظاما؟، والارتباط بين شهر رمضان والقرآن العظيم ارتباطٌ محكم وثيق، ففي أيّامه المباركة ولياليه الجليلة نزل الروح الأمين بالقرآن العظيم ليكون هدى للناس وفرقانا، وقد حثّ الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين على أن يكون لهم شأن مع القرآن الكريم، فيردوا حياضه ويستروحوا في رياضه ويأنسوا بكنفه. وقراءة القرآن الكريم عبادة عظيمة، غفل عنها المتقاعسون عن الأجور، ذلك لعدم استشعارهم الأجور العظيمة التي تترتّب عليها، وفي هذا المقام يأتي حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول: {آلم} حرف، ولكن ألفٌ حرف، ولامٌ حرف، وميمٌ حرف)، رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وكلّما قرأ المؤمن آيات الله تضاعفت حسناته، وامتلأت صحائف أعماله، وهذه هي التجارة الحقيقيّة مع الله عز وجل وقراءة القرآن تشفع لصاحبها يوم القيامة، فقد روى أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (اقرءوا القرآن، فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان، أو كأنهما غيايتان، أو كأنهما فرقان من طير صواف، تحاجّان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة، فإن أخذها بركة، وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة)، رواه مسلم. و(البطلة): هم السحرة، كما ذكر شرّاح الحديث، ومن فضائل قراءة القرآن الأخرويّة: ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (يقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدنيا، فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها) رواه أحمد وأصحاب السنن عدا ابن ماجه. والناس يتفاوتون ويتباينون في قدرتهم على قراءة القرآن ومهارتهم فيه، ومن ثَمَّ كان لكل واحدٍ منهم فضلٌ وأجرٌ بحَسَبِه، مصداق ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران) متفق عليه. والحديث عن قراءة القرآن يقودنا إلى مسألة تدبّر آياته، والذي يعني أصالةً: تأمّل معانيه، والتفكر في حكمه، والتبصّر بما فيه من الآيات، وقد ورد الأمر بذلك في قوله تعالى: {أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} النساء، وقوله تعالى: {كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب}، وقوله سبحانه: {أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها} محمد. يقول الإمام ابن القيم: “..وأما التأمل في القرآن، فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرد تلاوته بلا فهم ولا تدبر”.