قال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك}، وقال تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم}، وهو قيامه صلى الله عليه وسلم بعبودية الله المتنوعة، وبالإحسان الكامل للخلق، فكان خلقه صلى الله عليه وسلم التواضع التام الذي روحه الإخلاص لله والحنو على عباد الله، ضد أوصاف المتكبرين من كل وجه، وللتواضع أسباب لا يكون المسلم متخلقا به إلا بتحصيلها، وقد بينها الإمام ابن القيم بقوله: التواضع يتولد من العلم بالله سبحانه ومعرفة أسمائه وصفاته ونعوت جلاله وتعظيمه ومحبته وإجلاله، ومن معرفته بنفسه وتفاصيلها وعيوب عملها وآفاتها، فيتولد من بين ذلك كله خلق هو التواضع، وهو انكسار القلب لله وخفض جناح الذل والرحمة بعباده، فلا يرى له على أحد فضلا، ولا يرى له عند أحد حقا، بل يرى الفضل للناس عليه والحقوق لهم قبله، وهذا خلق إنما يعطيه الله عز وجل من يحبه ويكرمه ويقربه. وقد جاء في ثواب التواضع الفضل الكبير، ومنه: عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”، قوله صلى الله عليه وسلم: “وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله”: فيه وجهان: أحدهما: يرفعه في الدنيا، ويثبت له بتواضعه في القلوب منزلة ويرفعه الله عند الناس ويجل مكانه، والتواضع يكون في أشياء، منها: تواضع العبد عند أمرالله امتثالا وعند نهيه اجتنابا: قال ابن القيم: فإن النفس لطلب الراحة تتلكأ في أمره، فيبدو منها نوع إباء هربا من العبودية، وتتوقف عند نهيه طلبا للظفر بما منع منه، فإذا وضع العبد نفسه لأمر الله ونهيه: فقد تواضع للعبودية. تواضعه لعظمة الرب وجلاله وخضوعه لعزته وكبريائه: قال ابن القيم: فكلما شمخت نفسه: ذكر عظمة الرب تعالى وتفرده بذلك، وغضبه الشديد على من نازعه ذلك، فتواضعت إليه نفسه، وانكسر لعظمة الله قلبه، واطمأن لهيبته، وأخبت لسلطانه، فهذا غاية التواضع، وهو يستلزم الأول من غير عكس. (أي يستلزم التواضع لأمر الله ونهيه، وقد يتواضع لأمر الله ونهيه من لم يتواضع لعظمته). التواضع في اللباس والمشية: عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “بينما رجل يجر إزاره من أضف إلى Facebook del.icio.us Digg StumbleUpon Twitter