تنتشر عبر إقليم تيزي وزو العديد من الزوايا القرآنية التي تهتم بنشر تعاليم القرآن الكريم وزرع الثقافة الإسلامية لدى سكان منطقة القبائل، التي حافظت على هذه المعالم التاريخية ولعبت دورا هاما قبل وبعد الاستقلال حيث لا تزال لحد اليوم تسعى إلى تلقين أبناء المنطقة كلام الله، ويحرص قطاع الشؤون الدينية والأوقاف لولاية تيزي وزو كل الحرص على حماية الزوايا ذات المكانة وسط المجتمع القبائلي المحافظ، حيث تقوم بإعادة ترميمها وتهيئتها لاستقبال ضيوف الرحمن وحفظة القرآن الكريم اللذين يتخرجون منها على شكل دفعات كل سنة. تعتبر زاوية الشيخ العلاّمة «سيدي أحمد بن إدريس» الواقعة في قرية «آيت علي أومحند» بأعالي بلدية إيلولة أومالو التي تبعد عن مقر عاصمة الولاية تيزي وزو بنحو 70 كلم شرقا، من أهم الزوايا التي يشهد التاريخ بدورها في نشر القرآن الكريم والثقافة الإسلامية، حيث بقيت تحافظ على قيم الدين الإسلامي لحد اليوم، وقد أسسها الشيخ العلاّمة سيدي احمد بن إدريس في منتصف القرن الثامن الهجري «الرابع عشر الميلادي» بعد أن اضطرّته الظروف إلى الانتقال من مدينة بجاية إلى الريف الأيلولي. لعبت هذه الزاوية دورا رياديا في مختلف المجالات عبر العصور إذ تمكنت من تحقيق التوازن الثقافي والعلمي بين الريف والمدينة لاسيما في فترات انعدمت فيها المدرسة في الريف، فكانت هذه الزاوية بمثابة المسجد والجامع والجامعة، كما كان لها دورا اجتماعيا أثّر إيجابيا على المجتمع المحلي، إذ لبت الزاوية نداء الجهاد العام 1830، حيث اجتمع فيها جموع المجاهدين القادمين من مختلف العروش وساروا لنصرة الجزائر بقيادة المواطن «علي أقزوز» واحتضنت الزاوية القائد الشيخ «بوبغلة» عام 1851 قبل أن يلقي هذا الأخير خطابه بسوق «آث يجر» المجاورة لها، كما كان لها ضلع في مقاومة الشيخ المقراني والشيخ الحداد عام 1871. وارتبط اسم زاوية سيدي أحمد بن إدريس بالمقاومة الثقافية والحركة الوطنية الجزائرية، قبل أن تساهم بشكل فعال في الثورة التحريرية المباركة وكانت مركزا لانتقاء المجاهدين الذين كانوا يبعثون إلى تونس من قبل قادة الثورة، وأدرك الاستعمار الفرنسي خطورة نشاط هذه الزاوية فعمل على غلقها مرارا وتحويلها إلى مركز لحشد سكان قرية «آث علي أومحند» والقرى المجاورة لها ولقي شيوخها التشرد، وبعد الاستقلال استعادت الزاوية نشاطها في مختلف المجالات وبدأت عملية إعادة بناء مرافق الزاوية منذ عام 1980 إلى يومنا هذا ومرّ على الزاوية العديد من الشيوخ منهم، الشيخ الطيب أعشابو وشقيقه الطاهر، والشيخ محند السعيد اليجري..وغيرهم ولا تزال تبذل جهودا في تخريج حفظة القرآن الكريم وطلبة العلم حيث يحوّل هؤلاء بعد تخرّجهم إلى معهد تكوين الإطارات الدينية الواقع بذات البلدية ليصبحوا أئمة ومدرسين للقرآن الكريم. للإشارة، ينحدر الشيخ أحمد بن إدريس أو أبو العباس أحمد بن إدريس، من أسرة الإدريسية المشهورة في بلاد المغرب الإسلامي، ويعد من مشاهير علماء القرن الثامن الهجري «الرابع عشر الميلادي»، درس في مسقط رأسه بضواحي بجاية ثم انتقل إلى حواضر العلم فتتلمذ على يد علماء أفذاذ ليأخذ العلم عن شيوخ كبار في الأزهر الشريف، وينبغ في مختلف العلوم الشرعية والدنيوية وأصبح أحد فرسان المعقول والمنقول، وعاد من رحلته العلمية إلى مدينة «بجاية» التي استقر فيها للتدريس والإفتاء والقضاء، فكان مدرسة قائمة بذاتها حيث تخرج على يده علماء سطعوا كالنجوم فس سماء العلوم المختلفة على غرار محمد المشدالي، وعبد الرحمن الوغليسي وابن زاغو التلمساني ومحمد بن عمر الهواري عالم وهران إلى جانب الأخوين يحي وعبد الرحمن بن خلدون صاحب ديوان العبر ومؤسس علم الاجتماع، لتضطره الظروف إلى الانتقال نحو الرّيف الأيلولي بعيدا عن مدينة بجاية عبر محطات توقف فيها منها، «أباينو» بآث يمل، ثم «آث وغليس» ثم «إيمغذاسن» قبل أن يحط الرحال نهائيا بقرية «آث علي أومحند» بلدية إيلولة أومالو تحت مشارف ربوة شلاطة، التي أسس فيها زاويته المشهورة باسمه «زاوية أحمد بن إدريس» التي أضحت مدرسة تشع بالعلم والمعرفة والصلاح في المنطقة، ويعتبر أحمد بن إدريس أحد روّاد التصوّف في الجزائر والمغرب الإسلامي كما تميز بأخلاق سامية جعلته يحظى بمكانة اجتماعية متميزة تجاوزت حدود المنطقة، وتوفي في 760 هجري الموافق ل1359 وترك وراءه آثار مادية منها كتب في التصوّف وفتاوى في المواريث والبيوع وغيرها اندثرت كلّها بفعل عوامل الزمن والإنسان.