واقع اللغة العربية يتأثر كثيراً بواقع العرب، فهي تقوى بقوتهم وتضعف بضعفهم، ولكنها تبقى تصارع التحديات، وتظل حية بكل خصائصها مهما ضُيق عليها، واشتد المكر والكيد لتوهينها وعزلها، ولم يكن للغة العربية أبداً أن يكون حالها كحال بعض اللغات التي لا تستطيع الصمود أمام التحديات التي تظهر أمامها، ويضرب التاريخ أمثلة كثيرة على لغات وقفت ثم تراجعت، وعلى لغات أصبحت مجرّد ماض، وعلى لغات بادت مع شعوبها، ولغتنا العربية غنيّة بالكلمات والمُترادفات والتشبيه والمَجاز، وهي اللغة التي اختارها الله لتكون لغة القرآن الكريم، لهذا وذاك تبوأت لغتنا العربية مكانة متميزة بين لغات العالم التي يصل عددها إلى 3 آلاف لغة. أشاد «ماريو بِل» مؤلف كتاب «قصة اللغات» باللغة العربية ووصفها بأنها لغة عالمية في حضارات العصور الوسطى، وكانت رافداً عظيماً للإنجليزية في نهضتها وكثير من اللغات الأوربية،وقد أورد قاموس « Littre » قوائم بما اقتبسته هذه اللغات من مفردات عربية، وأولها الإسبانية ثم الفرنسية والإيطالية واليونانية والمجرية، وكذلك الأرمنية والروسية وغيرها، ومجموعها 27 لغة، وتقدر المفردات بالآلاف. هذا العرض لفضل اللغة العربية يحتم علينا الحفاظ على هويتنا بترسيخ وتشجيع جميع الأفراد على اختلاف مستوياتهم الثقافية على أن يتحدثوا بالعربية الفصحى حتى يمكننا المحافظة على كيان وهوية الأمة العربية والإسلامية، واليوم علينا أن نبذل جهودا حثيثة بما يدعم اللغة العربية، لتكون أرفع تقدير لجهود العاملين في ميدان اللغة العربية من أفراد ومؤسّسات، للنهوض باللغة العربية ونشرها واستخدامها في الحياة العامة، وتسهيل تعلمها وتعليمها، وتعزيز مكانتها ونهضتها، وذلك بفرضية وإلزامية التحدث باللغة العربية الفصحى بين أفراد المجتمع الجزائري والمنطقة العربية .
كما يجب التأكيد على العناية بالهوية اللغوية العربية، والتركيز على الجوانب العملية لإعادة صياغة مفهوم تعليم اللغة العربية وتعلمها بأسلوب مبسط وواقعي وتشجيع ثقافة التعلم والقراءة باللغة العربية، وما وصلت إليه اللغة العربية من تهميش لم يكن وليد اللحظة بل كان بأيدينا بعد أن غلبت اللهجات العامية للشعوب العربية عليها، ولا شك في أن أكثر شيء يدمر اللغة الفصحى هو انتشار العامية في النقاشات، وإذا تركت الحال على ما هي عليه فإن أبناءنا سينتقدون اللغة الفصحى التي يتعلمونها لاختلافها مع لغة الشارع، ولعدم التحدث بها سيعتبرونها لغة غريبة، وهذا من أهم أسباب ابتعادهم عن القرآن وصعوبة تدبر معانيه عليهم، كما أنهم يوماً بعد يوم سيبتعدون عن قراءة الكتب العلمية والثقافية التي تنمي مداركهم، إن لغتنا العربية على المحك بعد أن اهتم علماؤنا بالصرف والنحو وأهملوا التحدث بها، ومن خلال تجربتي الشخصية فإن من يتحدث بالفصحى يسخر الناس منه ويتهمونه بأنه من العصور القديمة، وهنا على وسائل الإعلام أن تتولى مسؤولياتها، وأن يلتزم مقدمو البرامج الإذاعية والتليفزيونية بالتحدث باللغة العربية الفصحى بشكل مشوق ونحن كذلك.