ما الذي دفع الرئيس بوتفليقة ليصرخ بلغة هادئة أمام أساتذة وطلبة جامعة وهران في الأسبوع الثالث من شهر ماي 2002: «الأراضي الفلاحية لا تباع ولا تُشترى وإنما هي ملك للدولة»؟... وما الذي جعل سابقيه في قصر المرادية يصدرون التعليمة رقم 05 سنة 1995، يُمنع فيها تحويل الأراضي الفلاحية؟ ويتبعها بعد سنتين القرار الوزاري المشترك رقم 64، الذي يمنع التنازل عن المستثمرات الفلاحية الجماعية والفردية؟ هل هو الخوف من نفاد كل الأراضي الخصبة والوصول إلى مرحلة نتحدث فيها عن الفلاح بدون أرض؟! أسئلة كهذه مرتبطة بأسئلة أخرى لا تقل أهمية، تُطرح في الوقت الحاضر ويطرحها حتى مسؤولين عن العقار، بعدما لاحظوا تحويلات كبيرة في هذا القطاع، مع أن القانون قد فرض وجوده في محطات كثيرة من عمر هذا النزاع الذي قارب عقدا من الزمن، ومع أن المحاكم قالت كلمتها في أكثر من مرة، إلا أن المشكل مايزال قائما، بل ومعقدا أكثر! الحديث عن العقار الفلاحي.. خط أحمر لا يجوز تجاوزه وأمام هذا الواقع يبرز طرفا النزاع في دائرة مغنية، أحدهما يقول إنه مظلوم مع أن القانون فصل لصالحه، والثاني يقول إنه صاحب حق، وبين الموقوفين يبقى القانون مجرد حبر على قرارات، أو أحكام تحمل عبارة «وزارة العدل»، فكثيرا ما يطرقون في هذه الحالة أبواب البلديات طالبين تدخّل كبار مسؤوليها من أجل إنقاذ الفضاء الأخضر من بين أياد لا تعير للقانون اهتماما، إلا أن مساعيهم قد تنتهي بخيبة أمل، فالحديث عن الفلاحة في مغنية هو بمثابة الاقتراب من النار؛ لأنه بمجرد ذكر الفلاحة يتبادر إلى الذهن العقار الفلاحي وما عاناه من تجاوزات وتزوير واختراقات أدت إلى الوقوف أمام المحاكم وحتى وراء القضبان الحديدية. أما الذي عانت منه المنطقة والتي مازالت تعاني منه من تجاوزات في ميدان العقار الفلاحي، لم تشهده أي ولاية عبر الوطن. خفافيش العقار..مظهر من مظاهر الإختلاس العلني ومن هذا المنطلق يأخذ الحديث عن الكثير من مظاهر «الاختلاس العلني» للمساحات الخضراء بالأحياء، وتحويلها إما إلى بنايات فخمة أو نشاط تجاري؛ الهدف منه تحقيق عوائد مالية. ورغم أن كل ولايات الوطن تعاني من مافيا العقار التي تلتفّ حول الإجراءات القانونية، إلا أن الظاهر أن «مافيا المال والعقار» بهذه المنطقة، لن يهدأ لها بال إلا إذا أفشلت كل مبادرة أو مشروع جاد، من شأنه تحريك التنمية في رحم الجزائر العميقة، وهي الأطروحة التي تنطبق على ما فعلته خفافيش العقار ومحترفو نهب المال؛ حيث وجدت نفسها محاصَرة بعدما حشر العقار الفلاحي نفسه فيها وتصدّر الأحداث لما تعرّض له من تجاوزات واعتداءات وفضائح اشتهرت بها دون غيرها، فقد أصبحت مطمع القاصي والداني، وتَكالب عليها الطامعون، كل واحد يحاول نهش ما استطاع، تارة باسم السلطة والجاه وتارة باسم المال، في غياب الضمائر الحية؛ فكم من أرض فلاحية نُهبت وبيعت، ووُزعت قطع أرضية وأقيم فوقها البناء! وكما يبدو من خلال التجاوزات المسجلة وباعتراف العديد من المصادر المطلعة من الفلاحين بالمنطقة، فإن أيادي «المافيا» ستظل تحاصر كل المجهودات الرسمية بغية إجهاضها في مهدها؛ حتى تظل المنطقة أسيرة التخلف والتعفن؛ باعتبار الوضع المتعفن يمثل السبيل الأمثل والأضمن «لمافيا» المال والعقار لتدعيم إمبراطورياتها المالية حتى ولو كان على حساب الاقتصاد الوطني وعلى رقاب غالبية «الغلاّبى» من أبناء شعيب الخديم؛ فباستثناء المعطيات التي تم جمعها من المصالح المعنية فإن هناك أزيد من 20 هكتارا من الأراضي الفلاحية قد التهمتها الإسمنت خلال العشرية الأخيرة بضواحي المدينة، أُنجزت فيها أكثر من 50 بناية فوضوية، منها ما بُنيت ومنها على شكل أساسات، أمام غياب مخطط عمراني متجانس ومحكم يراعي خصوصيات قواعد البناء والعمران التي يُشترط فيها أن تكون المساحات الأرضية المقامة عليها مثل هذه المشاريع ليست ذات طابع فلاحي. أراضٍ على واجهة الطريق لا تتعدى 5 آلاف دينار! الوضعية التي يبدو أن لها أسبابا أخرى، منها نظرا للاختلال الحاصل بين العرض والطلب في مجال السكن بمختلف صيغه وظهور أحياء جديدة على أطراف المدينة، أقيمت على أراض فلاحية، كانت بالأمس القريب تدرّ أنواع الحبوب والخضروات، ففي محيط قرية الجرابعة وحي عمر والحمري تصاعدت أصوات لتندد جهارا نهارا بالفضيحة وتكشف ما ظل مستورا، وهو ما دفع بالاتحاد العام للفلاحين الأحرار إلى توجيه رسالة تنديدية وشديدة اللهجة إلى رئيس بلدية مغنية السابق في نوفمبر 2002، مطالبينه بتوقيف هذه البنايات الفوضوية، والتي تجاوزت الخطورة في ذلك. وفي هذا الصدد تحصلت الجريدة على نسخة من محضر مدير المصالح الفلاحية لولاية تلمسان مرسل إلى كل من رئيس دائرة مغنية وكذا رئيس البلدية السابقين ومدير البناء والتعمير، بتاريخ 11 – 01 – 2003 تحت رقم النص 66/ م.م.ف/ 02، يسرد فيها الدعوة إلى المحافظة على الأراضي الفلاحية طبقا للتعليمة الرئاسية رقم 005 المؤرخة في 14 – 08 – 95، مُنبئا إياهم أنه بلغ إلى مصلحته بعض المستفيدين في إطار فردي من الأراضي التابعة للأملاك الخاصة للدولة الكائنة بقرية الجرابعة، حيث قامت جماعة من هؤلاء المستفيدين بتجزئة هذه الأراضي الفلاحية بصفة غير شرعية، وهذا منذ نهاية 97، باغتنام فرصة الأزمة التي مرّت بها البلاد في تلك الفترة الزمنية، وبيعها للغير بطريقة غير قانونية وبأثمان تتراوح فيها كل قطعة حسب موقعها الاستراتيجي، فحسبما أفادتنا به بعض المصادر المطلعة، فإن القطع الواقعة على مستوى واجهة الطريق وصل سعرها إلى 5000 دج، أما ما دون ذلك فتراوح ما بين 2600 دج و3000 دج. ويضيف محضر المدير أن هؤلاء غير المستفيدين قاموا بدورهم بإنجاز بنايات فوضوية وغير شرعية عبر الطريق الرابط بين حي البريقي وقرية عمر وتحويل بعضها إلى مراكز تجارية، كما برّأ ذمته أمام هذه السابقة الخطيرة التي تفاقمت يوما بعد يوم، في غياب أي رادع أو ناهٍ، مطالبا رئيس الدائرة (السابق) ورئيس البلدية (السابق) وكلا من مدير البناء والتعمير، بالتدخل الفوري لاتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة والرامية إلى منع كل بناء فوضوي فوق هذه الأراضي الخاصة بالدولة؛ لأن هذه الأخيرة لا تدخل ضمن المخطط الرئيس للتهيئة والتعمير. كما شدد، من جهته، على تطبيق التدابير الخاصة بتهديم كل البنايات الفوضوية اللاشرعية المتواجدة بتقديم أصحابها والأيادي الخفية المتواطئة فيها أمام العدالة، وهذا طبقا للقانون المعمول به رقم 90/29 المؤرخ في 01 – 02 – 90، والمتعلق بالتهيئة والتعمير سيما مواده من 76 إلى 78 والمرسوم التشريعي رقم 94/07 المؤرخ في 18 – 07 – 94، سيما مواده من 50 إلى 54. حواجز إدارية لإحباط المشاريع الفلاحية ومن جهة أخرى، عبّر المدير في محضره أن جهة مصلحته قامت بفتح ملف قانوني خاص يرمي إلى تجريد كل هؤلاء من الاستفادة من الأراضي الفلاحية التابعة للأملاك الخاصة للدولة؛ بسبب خروقهم لأحكام القانون رقم 87/19 المؤرخ في 08 – 12 – 87 والمرسوم التنفيذي رقم 90/51 المؤرخ في 06 – 02 – 90؛ نظرا لما تشكله هذه الحالة من خطورة، مما يؤكد أن الأمور تسير في المنحنى العكسي لتطلعات السلطات المركزية في المنطقة، ومبادرة مافيا العقار والمال إلى وضع الحواجز البيروقراطية والقنوات الإدارية وإحباط المشاريع الفلاحية، خاصة أن مغنية تملك من الخيرات والإمكانات والموارد البشرية التي تؤهّلها لتحقيق تنمية شاملة ومستديمة بولاية تلمسان. وليس بعيدا عن هذه الأحياء تعرضت عشر هكتارات (10 هآ) بحي الحمري «مقام الصالحين»، لعملية تجزئة وتحولت إلى بنايات فوضوية بعد أن قطعت بها أزيد من 20 شجيرة، ممّا استدعى وريثها المكلف إلى الاستنجاد بالسلطات العليا ووضع حدّ لهذه التجاوزات، خاصة أنها أخذت أبعادا خطيرة بعد مراسلة رئيس بلدية مغنية (السابق) في محضر تحصلت «السلام اليوم» على نسخة منه، يطالب مصلحة سونلغاز بربط هذه البنايات بالكهرباء أمام انعدام أي وثيقة تثبت ملكية أصحابها. مرافق ضرورية وسط أحياء فوضوية وأمام هذه الحالة التي صعب التحكم فيها؛ نظرا لضعف حظيرة السكن بالمدينة وعدم استجابتها للطلبات المتزايدة، إلى إقامة بعض المرافق الضرورية مثل المنشآت التربوية والصحية والخدماتية، رغم أن هذه الأحياء المذكورة أحياء فوضوية لم تخضع لقواعد البناء المعروفة. وإذا كانت عملية البناء الفوضوي على مستوى هذه الأحياء قد تراجعت في الفترة الأخيرة؛ بسبب نفاد الأراضي التي تقام عليها، فإن الأمر يختلف تماما بالنسبة للمدخل الغربي للمدينة، الذي يعرف توسعا عمرانيا كبيرا امتدت معه البنايات السكنية والمتاجر إلى مسافات معتبرة، ونظرا للحركة التجارية المتنامية التي تعرفها هذه النقطة من مدينة مغنية، فقد سجل فيها المتر المربع الواحد من الأراضي المعَدة للبناء، وهي تابعة للخواص، أسعارا خيالية وصلت إلى 20 ألف دينار. وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن مدينة مغنية التي تبعد بمسافة 65 كلم عن مدينة تلمسان عاصمة الولاية، قد عرفت نزوحا ريفيا متواصلا، ساهم بشكل كبير في زيادة عدد السكان، حيث ارتفع عددهم إلى أزيد من 113 ألف نسمة.