ولد الأستاذ سيد قطب عام 1906 في أسرة متوسطة الحال حيث تمكن من إتمام تعليمه في مدرسة القرى .. ولم تمض أربع سنواتٍ حتى أتم حفظ القرآن الكريم كاملاً .. يقول عن نفسه: (لقد قرأت القرآن وأنا طفلٌ صغير لا ترقى مداركي لآفاق القرآن ومعانيه ولا يحيط فهمي بجليل أغراضه ولكن كنت أجد في نفسي شيئاً .. فقد كان خيالي الساذج الصغير يجسِّمُ لي بعض الصور من خلال تعابير القرآن فكانت نفسي تتشوق وتفرح بها). وفى عام 1948 بعث الأستاذ سيد قطب إلى أمريكا من قبل وزارة المعارف المصرية وكانت هذه البعثة بداية التحول في حياته حيث كان هو خطيب الجمعة على متن الباخرة التي سافر بها إذ لم يوجد في المسافرين من هو مؤهلٌ للخطبة فتجمّع الناس من مختلف الأديان حول المصلين .. ولأول مرة يحس الأستاذ سيد قطب - كما يقول- بهويته الإسلامية وفى عام 1949 مرض سيد قطب ونُقِل إلى مستشفىً أمريكي في نيويورك وهناك لاحظ احتفال المنصرين بموت الإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين وعاد سيد قطب من أمريكا وكله تصميم على دعوة الأمة الإسلامية إلى الإسلام كدستورٍ للحياة ومنهاجٍ سياسي واقتصادي وتربوي وعقائدي وتشريعي وسلوكي ونبذ كل ما عداه من الأفكار والعقائد المستوردة مثل الاشتراكية والديمقراطية والرأسمالية من منطلق أن الله تعالى هو الذي وضع منهج الحياة المتمثل في الإسلام والذي يجب على المسلمين اتباعه وانتهاجه في شتى مناحي الحياة. واستطاع سيد قطب أن يؤسس مجلة (الفكر الجديد) والتي بذل من خلالها جهداً ضخماً واستطاع جذب أفكار الشباب في عصره إليه، وفي عام 1952 انتخِبَ عضواً في مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين حيث كان نشاطُها مسموحاً آنذاك .. وبعد شهرٍ واحد أُغلقت الجريدة نظراً لمعارضتها لرجالات الثورة إذ كانت المجلة تدعوهم إلى تطبيق شرع الله وإلى قيام حكومةٍ إسلامية تحمل لواء الإسلام وتدعو له .. وبدأ صراع سيد قطب مع الثورة وضباطها. ثم دخل الأستاذ سيد قطب السجن بعد إغلاق الجريدة، وبدأت المحنة باعتقاله بعد حادث المنشية في عام 1954(اتهم الإخوان بمحاولة اغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر) ضمن ألف شخص من الإخوان وحكم عليه بالسجن 15 سنة ذاق خلالها ألوانًا من التعذيب والتنكيل الشديدين، وخلال هذه الفترة أبدع الشهيد العديد من مؤلفاته التي كان أضخمها وأقيمها التفسير الاجتماعي للقرآن الكريم والذي أسماه (في ظلال القرآن) .. حتى تدخّل الرئيس العراقي عبد السلام عارف في عام 1964 للإفراج عن الأستاذ سيد قطب. ثم أُعيد اعتقاله مرةً أخرى بتهمةٍ ملفقةٍ جديدة وهي تدبير محاولة لقلب نظام الحكم، وفي تلك المرة أصدر الطغاة حكمهم بإعدام سيد قطب .. بعد أن فشلت كل جهود الوساطة التي قام بها العديد من رجالات العالم الإسلامي وبعض رؤساء الدول العربية وشيوخ وعلماء الأزهر .. ورغم أنه كان قد بلغ الستين وقتها .. ورغم عنائه الشديد من أمراض الكلى وآلام المعدة .. ورغم أنه صاحب الظلال.. من أروع كلامه ما قاله حين طلب منه أن يكتب استرحاماً وطلبا للعفو من الطغاة فقال في عزة وإباء وشمم (إن السبابة التي ترتفع لهامات السماء موحدةً بالله عز وجل لتأبى أن تكتب برقية تأييدٍ لطاغية ولنظامٍ مخالفٍ لمنهج الله الذي شرعه لعباده). وعندما سيق الأستاذ سيد قطب إلى المشنقة .. كان يبتسم ابتسامةً عريضة نقلتها كاميرات وكالات الأنباء الأجنبية حتى إن الضابط المكلف بتنفيذ الحكم سأله.. من هو الشهيد ؟! فرد عليه سيد قطب بثباتٍ وعزيمة .. (هو من شهد أن شرع الله أغلى من حياته) .. وقبل أن ينفذ الحكم .. جاءوه برجلٍ معمَّم من المغمورين .. فقال له (قل لا إله إلا الله) .. فردّ عليه الشهيد ردَّه الراسخ : (وهل جئت هنا إلا من أجلها) !! وتم تنفيذ حكم الإعدام في فجر يوم 13 جمادى الأولى 1386 ه الموافق 29 أوت 1966م.