بقلم: عبد الباري عطوان وقع السيد خالد العطية وزير خارجية قطر مساء الخميس وفي اجتماع طارئ لوزراء الخارجية في دول مجلس التعاون الخليجي، انعقد في (قاعدة عسكرية في الرياض)، على (وثيقة الرياض)، وتعهد رسميا أمام الوزراء الخمسة بتنفيذها، وهي الوثيقة التي رفض توقيعها في الاجتماع الأخير لوزراء مجلس التعاون الذي انعقد في الرياض أيضا قبل شهر، ولذلك فإن هناك عدة أسئلة تظل مطروحة بقوة لاستقراء من خلال الإجابة عليها تطورات هذه الأزمة الخليجية وفرص حلها، الأول: حول مدى التزام دولة قطر بالتنفيذ. والثاني: ما إذا كان السفراء الثلاثة الذين يمثلون دول الأزمة الثلاث أي السعودية والإمارات والبحرين سيعودون إلى الدوحة ومتى. والثالث: من هم ضحايا هذا الاتفاق المحتملين خليجيا وعربيا والتغييرات التي ستترتب عليه في المنطقة. لا بد من الاستنتاج بداية بأنه لولا تراجع دولة قطر عن مواقفها التي خلقت الأزمة، وقبولها بكل شروط الدول الثلاث التي سحبت سفراءها من الدوحة، لما تم التوصل إلى هذا الاتفاق وتوقيعه، ومن اللافت أن المملكة العربية السعودية التي لا تثق كثيرا بالوعود القطرية، والالتزام بتنفيذها بالتالي، أرادت أن يتم هذا التوقيع في حضور جميع وزراء مجلس التعاون الخليجي، بحيث يكونوا شهودا عدولا على هذا التوقيع، حتى لا تلام المملكة مستقبلا هي وحليفاتها إذا ما اتخذت إجراءات أكثر قوة ضد قطر إذا لم تلتزم بالاتفاق وهددت باتخاذها عبر وسائل إعلامية مقربة منها، مثل إغلاق الحدود البرية والأجواء الجوية، ولمحت لما هو أخطر من ذلك. الشروط السعودية الإماراتية البحرينية للمصالحة مع قطر جاءت صعبة، وأقرب إلى التعجيزية، ولهذا ماطلت السلطات القطرية في قبولها كسبا للوقت وبحثا عن مخرج، ولكنها اضطرت في نهاية المطاف للتخلي عن عنادها خوفا من تطورات انتقامية يصعب تحملها أو مواجهتها، ويمكن إيجاز هذه الشروط في النقاط التالية: * أولا: وقف إجراءات التجنيس من قبل قطر لشخصيات خليجية إسلامية معارضة لجأت إليها بعد ملاحقتها، أي هذه الشخصيات، من قبل أجهزة دولها الأمنية والقضائية بتهمة ارتكاب أعمال سياسية لزعزعة أنظمة الحكم. * ثانيا: وقف دعم قطر لحركة الإخوان المسلمين التي وضعتها المملكة العربية السعودية على لائحة (الإرهاب) سواء بالمال أو الإعلام وتوفير الملاذ الآمن لرموزها وقياداتها ووجوب إبعادهم فورا دون تردد. * ثالثا: وقف قطر دعم المؤسسات الحقوقية والإعلامية كافة وما تفرع منها من صحف ومجلات ومحطات تلفزة، خاصة في أوروبا، وتعمل لصالح حركة الإخوان المسلمين، وضد مصر ودول الخليج وبإشراف مباشر أو غير مباشر من قيادات إخوانية أو متعاطفة معهم والمشروع القطري الداعم لهم. * رابعا: لجم قناة (الجزيرة) الفضائية وإخواتها (الجزيرة مباشر مصر، والجزيرة العامة) ومنعها من التعرض لمصر ولدول الخليج وفتح شاشاتها لاستضافة رموزها وقياداتها للتحريض ضد السلطات المصرية الحالية. * خامسا: إغلاق بعض المراكز الدولية البحثية التي تستضيف الدوحة فروعا لها، مثل مؤسسة (راند) ومعهد بروكنغز الأمريكيين، بسبب اتهام هذه المؤسسات بالتجسس والتحريض على أنظمة الحكم في الخليج والسعودية خاصة والتخفي خلف الدراسات والأبحاث الأكاديمية. قبول دولة قطر بهذه الشروط مجتمعة أو منفردة، عملية شبه انتحارية، لأن هذا القبول يعني تغيير دورها الذي تقوم به حاليا في المنطقة بصورة جذرية، وهو أكبر بكثير من حجمها الجغرافي والديمغرافي، مثلما يعني أيضا تغيير تحالفاتها الإقليمية والدولية التي نسجت خيوطها بعناية طوال السنوات العشرين الماضية. فالتخلي عن دعم حركة الإخوان المسلمين يعني كسر اتفاق مع تركيا، ورئيس وزرائها طيب رجب أردوغان، وخسارة التحالف مع حركة شكلت دائما عنصر توازن وشبكة أمان مع نظيرتها _الوهابية_ في الجوار السعودي. الحلف القطري التركي يقوم بالدرجة الأولى على دعم حركات الإخوان المسلمين وتمكينها من الوصول إلى سدة الحكم في مصر وتونس وليبيا وسورية والعراق واليمن ومعظم الدول العربية من خلال تشجيع ثورات الربيع العربي ودعمها وهي ثورات لعب الإخوان المسلمون دورا مركزيا في قيادتها، وجرى توظيف مليارات دولة قطر وذراعها الإعلامية الضاربة (قناة الجزيرة) في خدمة هذا التحالف. أميرا قطر، الأب والابن، لم يكن أمامهما أي خيار آخر غير التزام بالتنفيذ، لتمرير عاصفة الغضب السعودي الحالية، تماما مثلما حدث بعد أزمة شريط فيلم (سوداء اليمامة) الذي بثته (الجزيرة) قبل ستة أعوام وكاد أن يفجر حربا بين البلدين لحديثة بالأرقام عن حجم الفساد في صفقات السلاح السعودية، ولكن مساحة المناورة أمامهما باتت محدودة هذه المرة، ولا بديل أمامهما غير الالتزام الكامل وتجنب عواقب خطيرة. خطوتان أقدمت عليهما قطر أخيرا يمكن أن يؤكد بداية هذا الالتزام: * الأولى منع الشيخ يوسف القرضاوي رئيس هيئة علماء المسلمين من الخطابة من على منبر مسجد عمر بن الخطاب يوم الجمعة الماضي رغم تنويه مكتبه رسميا بأنه سيعود للخطابة كالمعتاد وسيعلق في خطبته على الأحداث العربية والدولية. * الثانية: التغيير الكبير الذي بدأ في بث قناة (الجزيرة) صباح هذه اليوم، فقد لوحظ أن أخبار الاحتجاحات في مصر تراجعت أو انتهت كليا، ولم تعد موجودة بالكثافة التي كانت عليها قبل أيام معدودة، وعودتها أي القناة، إلى التركيز مجددا على الأزمة السورية وتطوراتها، تماما مثلما كان الحال قبل التغيير وإعطاء الأولوية للحدث المصري بعد الإطاحة بالرئيس المنتخب محمد مرسي بانقلاب عسكري بقيادة الفريق أول (المشير لاحقا) عبد الفتاح السيسي. أمام السلطات القطرية شهران فقط، غير قابلين للتمديد، للإقدام على خطوات عملية للتخلي عن حلفائها في حركة الإخوان، وتفكيك شبكتها الإعلامية العلنية والسرية وكبح جنوح _الجزيرة_، والتخلي عن كل أعمال التحريض ضد الانقلاب العسكري في مصر وزعيمه، خاصة في هذه المرحلة الحرجة، والأخطر في تاريخ مصر، أي مرحلة الانتخابات الرئاسية التي سيفوز فيها حتما المرشح الأبرز المشير السيسي. يبدو أن ما أقلق السلطات القطرية، وهو قلق مشروع، الخوف من انتقال المثلث السعودي الإماراتي البحريني إلى المرحلة الثانية من الخطوات الانتقامية، أي إغلاق الحدود والأجواء والخنق البري والجوي لقطر، تمهيدا للانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخطر أي زعزعة استقرار النظام، ودعم الجناح المنافس في الأسرة الحاكمة، وتحريض القبائل المناوئة، أو بعضها، للأسرة الحاكمة، وقبيلة _بني مرة_ على وجه الخصوص ذات الكثافة البشرية الهائلة وامتداداتها في الجزيرة العربية. نعترف للمرة الثانية، أن الفريق أول ضاحي خلفان بن تميم نائب رئيس شرطة دبي مثل _جهينة_ التي تملك الخبر اليقين، فقد توقع انهيار حركة الإخوان وحكمهم في مصر في غضون خمس سنوات، وتحقق ما توقع به، ولكن بشكل أسرع وزمن أقل، وأكد على حسابه على موقع تويتر قبل شهر أن أمام دولة قطر مهلة حتى عيد الفطر المبارك حتى تغير مواقفها وبما يعيدها إلى السرب الخليجي وانتهاء الأزمة كليا مع الدول الخليجية الثلاث وإلا عليها تحمل تبعات ذلك، وها هي نبوءته تصدق، فهذا الرجل لا ينطق عن هوى، وإنما (موحى له)، لذلك لا نتوقع أن يعود السفراء قبل انتهاء هذه المهلة والتطبيق الكامل لنصوص الوثيقة. ليس أمام أمير قطر الوالد، أو (المرشد الأعلى)، غير اتباع سيرة نظيره المرشد الأعلى الإيراني الأسبق السيد الخميني، وابتلاع كأس السم الخليجي مكرها أيضا للخروج من هذه الأزمة، ويبدو أنه أغمض عينيه وابتلعه فعلا، ونحن نحكم هنا على الظواهر، والله أعلم بالبواطن!..