ضرورة التعريف بالقضية الصحراوية والمرافعة عن الحقوق المشروعة    العدوان الصهيوني على غزة : استمرار الإبادة الوحشية خصوصا في الشمال "إهانة للإنسانية وللقوانين الدولية"    مجلس الأمة: رئيس لجنة الشؤون الخارجية يستقبل وفدا عن لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بمجلس الشورى الإيراني    كرة القدم/كان-2024 للسيدات (الجزائر): "القرعة كانت مناسبة"    الكاياك/الكانوي والبارا-كانوي - البطولة العربية 2024: تتويج الجزائر باللقب العربي    المهرجان الثقافي الدولي للكتاب والأدب والشعر بورقلة: إبراز دور الوسائط الرقمية في تطوير أدب الطفل    مجلس الوزراء: رئيس الجمهورية يسدي أوامر وتوجيهات لأعضاء الحكومة الجديدة    تمتد إلى غاية 25 ديسمبر.. تسجيلات امتحاني شهادتي التعليم المتوسط والبكالوريا تنطلق هذا الثلاثاء    "رواد الأعمال الشباب، رهان الجزائر المنتصرة" محور يوم دراسي بالعاصمة    الخبير محمد الشريف ضروي : لقاء الجزائر بداية عهد جديد ضمن مسار وحراك سكان الريف    غرس 70 شجرة رمزياً في العاصمة    صهاينة باريس يتكالبون على الجزائر    مشروع القانون الجديد للسوق المالي قيد الدراسة    عرقاب يستقبل وفدا عن الشبكة البرلمانية للشباب    يرى بأن المنتخب الوطني بحاجة لأصحاب الخبرة : بيتكوفيتش يحدد مصير حاج موسى وبوعناني مع "الخضر".. !    حوادث المرور: وفاة 2894 شخصا عبر الوطن خلال التسعة اشهر الاولى من 2024    تركيب كواشف الغاز بولايتي ورقلة وتوقرت    شرطة القرارة تحسّس    رئيس الجمهورية يوقع على قانون المالية لسنة 2025    اختتام الطبعة ال14 للمهرجان الدولي للمنمنمات وفن الزخرفة : تتويج الفائزين وتكريم لجنة التحكيم وضيفة الشرف    صليحة نعيجة تعرض ديوانها الشعري أنوريكسيا    ينظم يومي 10 و11 ديسمبر.. ملتقى المدونات اللغوية الحاسوبية ورقمنة الموروث الثقافي للحفاظ على الهوية الوطنية    افتتاح الطبعة ال20 من الصالون الدولي للأشغال العمومية : إمضاء خمس مذكرات تفاهم بين شركات وهيئات ومخابر عمومية    الجزائر العاصمة : دخول نفقين حيز الخدمة ببئر مراد رايس    تبسة: افتتاح الطبعة الثالثة من الأيام السينمائية الوطنية للفيلم القصير "سيني تيفاست"    مذكرتي الاعتقال بحق مسؤولين صهيونيين: بوليفيا تدعو إلى الالتزام بقرار المحكمة الجنائية        الألعاب الإفريقية العسكرية: الجزائرتتوج بالذهبية على حساب الكاميرون 1-0    "كوب 29": التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداعيات تغير المناخ    مولودية وهران تسقط في فخ التعادل    مولوجي ترافق الفرق المختصة    قرعة استثنائية للحج    المديرية العامة للاتصال برئاسة الجمهورية تعزي عائلة الفقيد    المخزن يمعن في "تجريم" مناهضي التطبيع    التعبئة الوطنية لمواجهة أبواق التاريخ الأليم لفرنسا    الجزائر مستهدفة نتيجة مواقفها الثابتة    مخطط التسيير المندمج للمناطق الساحلية بسكيكدة    حجز 4 كلغ من الكيف المعالج بزرالدة    45 مليار لتجسيد 35 مشروعا تنمويا خلال 2025    دخول وحدة إنتاج الأنابيب ببطيوة حيز الخدمة قبل نهاية 2024    دورة للتأهيل الجامعي بداية من 3 ديسمبر المقبل    الشروع في أشغال الحفر ومخطط مروري لتحويل السير    نيوكاستل الإنجليزي يصر على ضم إبراهيم مازة    إنقاذ امرأة سقطت في البحر    "السريالي المعتوه".. محاولة لتقفي العالم من منظور خرق    ملتقى "سردية الشعر الجزائري المعاصر من الحس الجمالي إلى الحس الصوفي"    السباعي الجزائري في المنعرج الأخير من التدريبات    مباراة التأكيد للبجاويين    حادث مرور خطير بأولاد عاشور    دعوى قضائية ضد كمال داود    وزارة الداخلية: إطلاق حملة وطنية تحسيسية لمرافقة عملية تثبيت كواشف أحادي أكسيد الكربون    سايحي يبرز التقدم الذي أحرزته الجزائر في مجال مكافحة مقاومة مضادات الميكروبات    التأكيد على ضرورة تحسين الخدمات الصحية بالجنوب    الرئيس تبون يمنح حصة اضافية من دفاتر الحج للمسجلين في قرعة 2025    هكذا ناظر الشافعي أهل العلم في طفولته    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    الأمل في الله.. إيمان وحياة    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدكتور عبد القادر فضيل ل "أخبار اليوم": "هذه أسباب تدهور المدرسة الجزائرية"
نشر في أخبار اليوم يوم 20 - 09 - 2014

كنّا قد نشرنا في الأسبوع الماضي أوّل جزءا من ملف (المنظومة التربوية في الجزائر)، وها نحن ننشر في هذا العدد الجزء الثاني والأخير الذي أردنا أن يكون نافذة للحوار مع أهل الاختصاص وأبناء القطاع، ضيفنا هو الدكتور عبد القادر فضيل أحد أهمّ مؤسسي المدرسة الأساسية الجزائرية، عمل مفتشا مركزيا في وزارة التربية والتعليم لمراجعة برامج تكوين المعلّمين في المعاهد التكنولوجية وأسندت إليه ممارسة مهمّة مستشار مكلّف بالبحث التربوي ومتابعة تنفيذ المناهج والإشراف المباشر على لجنة تأليف الكتب المدرسية وخاصّة كتب تعليم اللّغة العربية الموجّهة لتلاميذ السنوات الأولى من التعليم الأساسي، وكانت له إسهامات كثيرة في هذه المجالات. وتطرّق الأستاذ فضيل في حواره مع (أخبار اليوم) إلى تاريخ المنظومة التربوية الجزائرية، معرّجا على الإنجازات التي حقّقتها والصعوبات التي واجهتها وانتقد في هذا الإطار مناهج وأساليب وبرامج التعليم في الجزائر، مؤكّدا أن القطاع يعيش تدهورا خطيرا في السنوات الأخيرة بعد أن انحرف عن أهدافه الرئيسية ومساعيه الحقيقية.
* ما المقصود بالمنظومة التربوية؟
** المنظومة التربوية هي مجموع التدابير التنظيمية التي يتبنّاها المجتمع في عمليات التعليم وفي رعاية الأجيال، تلك التدابير التي يراعى فيها الأساس القانوني والتربوي والاتجاه الحضاري، وهذا هو مفهوم المنظومة التربوية في كلّ بلد، والمنظومة التي تعنينا في هذا الحديث هي المنظومة التربوية في الجزائر التي يشكّل التعليم روحها والبِنية الأساسية لوجودها.
* ما هي أهمّ المراحل التي مرّ بها التعليم في الجزائر انطلاقا من العمل على خلق منظومة تربوية جزائرية بعد الاستقلال؟
** في البداية أريد أن أوضّح أمرا هو أن هذه المنظومة لم تتأسس منذ بداية الاستقلال إنما الذي تأسس هو الإطار الفكري والتوجّه السياسي الذي جعلته البلاد المنطلق الذي تعتمده في تكييف الظروف القائمة وتصحيح الأوضاع الموروثة التي كانت تمثّل النّظام الذي أسسته فرنسا حين احتلالها الجزائر، ووفق هذا المنطلق اتّجهت اهتمامات الدولة في مجال تنظيم التعليم ومواصلة سير المدرسة التي ورثناها ونشر المعرفة التي تستعيد بها مجدنا، هذه الاهتمامات التي أصبحت جزءا من التوجّهات السياسية والاختيارات الوطنية التي كانت امتدادا لمبادئ ثورة تعمير في مجال بناء الإنسان، وهذه التوجّهات هي التي برزت في شكل أفكار ومبادئ من خلال النصوص الرسمية أعلنت الدولة من خلالها عن ميلاد المنظومة التربوية الوطنية وتأسيس نظام التعليم الذي بدأت التهيئة له منذ بداية الاستقلال، وكان صدور الأمرية الرئاسية المنظّمة للتربية والتكوين يوم 16 أفريل 1976 وهو الإعلان الرسمي عن ميلاد هذه المنظومة وعن تأسيس المدرسة الجزائرية والنّظام المشرّع لها هذه المنظومة التي يستخلص أساسها من فلسفة الأمّة واتجاهها العقائدي، ومضمون هذه الفلسفة يحدّد لنا النظرة إلى الإنسان وإلى الكون وإلى المعرفة، وهذه المنظّمة التي تحدّد الأساس الذي قامت عليه بدأنا العمل بها في سنة 1980.
* عملت كمفتش مركزي في وزارة التربية سابقا كيف تقيّم المنظومة التربوية آنذاك؟
** عندما نرجع بالذاكرة إلى الأوضاع السابقة التي عاشتها المنظومة التربوية في عهد السبعينيات والثمانينيات نجد أن الواقع الذي عاشته في هذه الفترة واقع متميز في مستواه وفي الخطّة التي كانت تسيده وتعمل على ترقية الأساليب الهادفة إلى التطوير وزيادة التأصيل، وبفضل هذه الخطّة عرف التعليم استقرارا في سيره ووضوحا في اتجاهه، وكان أملنا أن تستمرّ الجهود الهادفة إلى مواصلة التجديد والتطوير.
* ما تقييمك للمنظومة التربوية في الجزائر اليوم؟
** تقييم هذه المنظومة اليوم يستوجب ذكر مجموعة من الأوضاع التي تجسّد حقيقة الواقع الذي يعيشه التعليم بدءا من الجهود التي بذلت وتبذل والإنجازات التي تمّت والصعوبات التي واجهت هذه الجهود والأزمات التي مرّت بها والتحدّيات التي ظلّت تدفع البلاد إلى مواجهتها، ولابد هنا من ذكر بعض الحقائق التي قد تغيب عن الأذهان، ومن الحقائق التي يجب ذكرها هي أن البلاد انطلقت في تسيير شؤون التعليم من وضع تربوي وجدته قائما، فلم تستطع أن تلقيه أو تعوّضه بوضع جديد تلاءم مع عهد الاستقلال، وهذه الحقيقة هي التي صرفت جهود الدولة عن التفكير في التغيير العاجل، لأن اهتمامها انصرف إلى توجيه الجهود الرامية إلى توسيع مجالات التعليم وزيادة المنشآت المدرسية وتكوين العدد المطلوب من المعلّمين الذين يحتاجهم الميدان الذي أصبح يواجه تدفّق المتعلّمين، ومن أجل ذلك تأجّل الاهتمام بتصحيح الوضع اللغوي والعناية الخاصّة برفع مستوى الأداء الدراسي، وحين نحاول استعراض واقع النّظام التعليمي نجد أنفسنا أمام محورين اثنين: محور يتعلّق بالمظاهر الإيجابية من خلال النتائج والإنجازات المحقّقة ومحور يتعلّق بالمظاهر السلبية من خلال ما نشاهده من مواطن الخلل ومظاهر التدهور.
* دعنا نبدأ بالخطوات الإيجابية التي قطعها النّظام التعليمي...
** حينما نحاول اتّباع الخطوات التي قطعها النّظام التعليمي خلال مسيرته نجد أن هذا النّظام قطع أشواطا هامّة وحقّق جملة من الإنجازات الناجحة من أهمّها التوسّع الكمّي الذي تحقّق في مجال المنشآت المدرسية والمعاهد التعليمية التي فاق عددها ما كان متصوّرا، إلى جانب توفير العدد اللاّزم من المعلّمين والأساتذة والإطارات المشرقة بما يستجيب لحاجات الميزانية ويسهم في تحقيق أهمّ المبادئ التي تقوم عليها السياسة التعليمية كمبدأ تعميم التعلم ورفع نسبة التمدرس إلى غير ذلك، بالإضافة إلى تأسيس نظام تربوي وطني مستمدّ من توجّهات الأمّة ومعالجة نواحي في توجّهات التعليم وإقرار نظام تعليمي جديد مدّد فترة التعليم الإلزامي ودمج في مناهجه بين الجانب الفكري والجانب العملي، وبفصل هذه الجهود استعادت المدرسة جوانب من شخصيتها من خلال توحيد لغة التعليم وتأكيد جانب كبير من وطنية التعليم يربط المحتوى بحاجات المجتمع وجعل اللّغة العربية أساس العلم المدرسي ولم يبق إلاّ أن يعمّم الاهتمام بها في مجال تعليم المواد العلمية في الجامعة، وفي مقابل هذه الإنجازات التي رأيناها تعرّضت المسيرة التعليمية لعدد من المعوقات والإشكالات ومظاهر الخلل التي أعاقت المدرسة عن تحقيق ما كان ينتظر منها.
* لو تذكر لنا بعض هذه المعوقات...
** كما أسلفت فقد كانت هناك مجموعة من الإشكالات التي أعاقت النّظام عن تحقيق التطوّر الذي هو من أهمّ الأمنيات والتطلّعات وجنّبته المشاريع العملية المؤدّية إلى تحقيق الجودة ورفع مستوى الأداء، ومن أهمّ هذه المعوقات التي رأيناها في بعض الفترات هي النظرة إلى مفهوم التعليم وإلى أسلوب التعامل مع المتعلّم والغاية المتوخّاة من المعرفة، تلك النظرة التي ظهرت في بعض الفترات وخاصّة في فترة ما قبل تبنّي التعليم الأساس، وفي عهد الانفتاح السياسي حينما كان الاهتمام مركّزا على توسيع مجالات التعلّم وعلى محاولات التفكير في تغيير للنّظام المتّبع، وفي الفترة التي قلّ الاهتمام فيها بتطوير سياسة تكوين المعلّم بما يستجيب للتوجّهات التربوية التي تعبّر عن الفكر الحضاري المتطوّر وتجعل وظيفة المعلّم هي بناء شخصية المتعلّم وتنمية فكره وليس حشو ذهنه بكثرة المعلومات. وهذه التوجّهات تعطي للتعليم دلالة تستجيب لوظيفة المدرسة وتتجاوز الدلالة التقليدية التي نجدها لدى عامّة النّاس وهي أن التعليم تلقين من قِبل المعلّم وتلق من قِبل المتعلّم، في حين أن المفهوم الحقيقي لعملية التعليم يتجاوز ذلك، والتعليم هو الجهد الفكري الذي تنظّم الدولة ظروفه وتحدّد الإجراءات العملية التي بها يتمّ الفعل التعليمي الذي يرافقه الفعل التربوي الهادف الذي يلتقي فيه جهد المعلّم ونشاط المتعلّم في فعل تشاركي منظّم يتمّ من خلال التفاعل مع الأحداث والأوضاع التي يصنع منها المحيط المدرسي مواقف تعليمية تعتمد في إثراء خبرات المتعلّم وتنظيمها وإثارة فاعليته وتحفيز دوافعه إلى التعلّم. والتعلّم لا يتحقّق إلاّ إذا دفع المتعلّم إلى المشاركة في الحوار والنقاش والاستنتاج وكان له دور إيجابي في ذلك، ويتحقّق التعلّم عن طريق الممارسة والتطبيق ولا يكفي الاستماع، وفي هذا يبرز دور الطرائق التعليمية التي تحفزّ المتعلّم على حسن التلقّي وكيفية الاستجابة الإيجابية لجهد المعلّم وتوجيه اهتمام المعلّمين إلى التركيز على المتعلّم وليس على المادة العلمية وإلى الفهم قبل الحفظ وإلى الغاية من المعرفة والأثر الذي تحدثه في فكر المتعلّم وفي سلوكه وعدم الاكتفاء بالمعرفة في حدّ ذاتها. وما نراه في الميدان هو أن المعلّمين يركّزون على المادة ولا يلتفتون كثيرا إلى المتعلّم ويوجّهون عناءهم إلى حفظ المعلومات ولا يقفون عند الفهم ويبدون اهتمامهم بالمعلومات التي يجب معرفتها ولا يبحثون عن الغاية منها، فكانت المعرفة غاية في حدّ ذاتها وهذا هو الذي جعل المتخرّجين من المدرسة لا يملكون مستوى علميا يتناسب مع المستوى التعليمي الذي بلغوه، فقد يحملون شهادات لكنهم لا يحملون علما والسبب هو أن الطريقة التي اعتمدت في تعليمهم لم تدفعهم إلى استيعاب ما يعرض عليهم، والمعلّم لم يركّز في جهوده على جعل الاستيعاب هو أساس التعلّم لأنه لم يتلقّ تكوينا يهيّئه لذلك، وهذه إحدى التحدّيات التي تواجه المدرسة اليوم.
* ما رأيك في التغييرات والتعديلات الجذرية التي تتعرّض لها البرامج التعليمية اليوم بين سنة وأخرى؟
** بالنّسبة لتقييم التعديلات والتغييرات التي عرفتها البرامج في سنوات الانفتاح وخاصّة في السنوات الأخيرة يمكن تلخيص ذلك في كون هذه التعديلات التي حدثت وتحدث هي مجرّد تغييرات شكلية لا ترقى إلى مستوى القرارات الإصلاحية، لأنها لم تصلح وضعا فاسدا ولم تحدث تغييرا إيجابيا وكلّ ما وقع اتّخاذه هو إلغاء نظام كان متّبعا وإحداث وضع ليس له دلالة منطقية. فالإجراءات التي اتّخذت في العشرية الأخيرة (منذ 2003) كانت إجراءات ارتجالية وغير معلّلة، غيّرت ما لم يكن هناك داع إلى تغييره وأحدثت أوضاعا منافية لما كنّا ننتظره في مجال التطوير، وهذا ما جعل الوضع التعليمي يعرف مظاهر التدهور. ومن أهمّ هذه المظاهر التي ظلّت وما تزال مثار جدل بين المهتمّين بالتربية والمسؤولين عن شؤون التعليم إشكالات التحدّي التي لم تستطع الدولة التغلّب عليها بإيجاد حلّ للمعادلة التي طرحت نفسها منذ بداية الانفتاح السياسي حين ظهرت العديد من الاتجاهات السياسية والتيّارات الثقافية التي أقرّتها إرادة التغيير، هذه الإشكالات التي واجهتنا تجسّدت في مسألة التحوّل الإرادي من الكمّ إلى الكيف ومراعاة متطلّبات هذا التحوّل، وكذا العمل على التوفيق بين النوايا المعبّر عنها والممارسات المتطلّع إليها في مجال الجمع بين التأهيل والتطوير، بين الخطّة التي تسير فيها والتي جعلتنا عاجزين عن إحداث التطوير الذي تنشده، ومن هذه المسائل ما تتضمّنه الدعوة إلى التفتّح على اللّغات والتحكّم فيها مع التركيز على الإبداع في مجال تعليم اللّغة العربية وتطوير واقع ظروف هذا التعليم وتعميق البحث في إيجاد الأساليب والوسائل التي تدفع القائمين على التعليم التي جعلها تعيش واقعا متطوّرا. وفي هذا الصدد ينبغي أن يتّجه اهتمامنا إلى التفكير في تحديد غاية حضارية تسعى إلى ضبط المشاريع بتحقيقها، حيث تتّجه جهودنا إلى ممارسة الحداثة في نظام حياتنا، لكننا لا نهمل ما درنا عليه، وهذا يعني أننا لا نتّخذ من الحداثة صنما نعبده ونقدّسه أو متاعا عاديا ننبذه ونهمله ولا نبدي أيّ اهتمام به، إنما نسعى إليه هو أن نكون متوازنين في التعامل مع الأمرين، لا نكون مفرطين ولا مفرطين.
* يقال إن الجزائر تستورد من أوروبا برامج تعليمية فاشلة وتطبّقها على مختلف المستويات التعليمية، ما مدى صحّة ذلك؟
** كثيرا ما يقال إن الجزائر تستورد برامج تعليمية فاشلة أو غير منسجمة مع واقعنا وتطبّقها، لكن في الحقيقة أن الذي يحدث في هذا المجال هو أن الجزائر لا تستورد برامج وإنما نستورد أفكارا عن طريق بعض الوفود التي ترسلها إلى الخارج لتتلقّى بعض التدريبات، وهؤلاء الذين يحضرون هذه التدريبات ينقلون بعض الأفكار وحينما يعودون يشيدون بها فيقتنع المسؤولون بتقاريرهم وهي التي يعتمدها المسؤولون عن البرامج كما وقع في اقتباس الطريقة التي أصبحت معتمدة (المقاربة بالكفاءات)، ونجد الاهتمامات بما يأتي عن طريق هذه الوفود مثل تغيير الرموز والمصطلحات المعتمدة في تدريس الرياضيات.
* هل يتمّ استدعاؤك لمناقشة برنامج تعليمي ما بحكم خبرتك في هذا المجال؟
** لم يحدث هذا ولا يحدث لأن المسؤولين في الوزارة ينظرون إليّ وإلى أمثالي على أننا ابتعدنا عن الميدان ومعلوماتنا لا تفيد ما هم مقدمون عليه، بل تراهم محرجين من وجودنا في الاجتماعات لأنهم يتصوّرون أن ما نقوله لهم أو ما نطرحه للنقاش هو نقد لهم وللوزارة وهذا خطأ كبير، وكنّا نتمنّى أن يتيحوا لنا فرصة الحضور في بعض اللّقاءات لنسمعهم رأينا وأفكارنا وليسوا مطالبين بتطبيق ما نقوله.
* يشتكي الأولياء كثيرا من كثافة البرنامج، هل البرنامج التعليمي لا سيّما فيما يخص المرحلة الابتدائية لا يلائم سنّهم؟
** الأمر الواضح الذي يعيشه كلّ من له صلة بالبرامج الرسمية هو النظرة التي يحملها اتجاه البرامج في مجال الكثافة التي لا تتلاءم مع مستوى الطلاّب ولا مع أهداف المرحلة، وهذا الأمر يشكو منه الكثير من المعلّمين ومن الأولياء، وقرّبت هنا في بعض المقالات إلى هذا الحشو الذي تلمسه في برامج التعليم والصعوبات التي تتجاوز قدرات المتعلّمين، خاصّة في بعض المواد العلمية وحتى اللّغوية.
* ماذا عن المراحل الأخرى، لا سيّما ونحن نلاحظ أن برامج مختلف المواد لا تكتمل خلال السنة؟
** المشكلة نفسها تطرح في المراحل التعليمية المتوسّطة والثانوية، حسب ما نسمعه من الأساتذة والمفتشين، والذي يؤكّد الازدحام في المعلومات هو قلق التلاميذ حينما يصلون إلى السنة الثالثة ثانوي، لذا يطالبون بما أصبح معروفا بعتبة الدروس، والعتبة تعني أن لا تدرج جميع أبواب البرنامج في الامتحانات، فهم يطلبون ويلحّون على أن تختار الوزارة قائمة محدّدة من الأبواب التي تنتقي منها أسئلة الامتحان وباقي الابواب ليسوا مطالبين بمراجعتها لأن الامتحان لا يتداولها.
* ما رأيك فيما بات يعرف بعتبة الدروس وخروج التلاميذ إلى الشارع للمطالبة بها؟
** مشكلة العتبة خلقتها الوزارة في البداية لأنها أرادت أن تخفّف عن التلاميذ وتشعرهم بأنهم لا يطالبون بمراجعة جميع الدروس، وقد ارتاح التلاميذ لهذا الإجراء وأصبحوا يطالبون به كلّ عام، والسبب الذي جعل الوزارة تعتمد على تقليص عدد الدروس الذي يطالب به التلاميذ في الامتحان هو البحث عن صيغة تضخّم نسب النّجاح وتقلّل نسب الإخفاق، ومع الأسف إن اللّجوء إلى هذا الحلّ ما زال قائما، والخلاصة التي يمكن استخلاصها من هذا الوضع وغيره هي أن المدرسة لا تسهم إسهاما كبيرا في تربية النشء لأنها لا تهتمّ فقط بالجانب التعليمي، أي أنها تسعى إلى إكسابهم مجموعة من المعلومات تؤدّي بهم إلى نيل الشهادة ولا يمكنهم من الاستثمار العلمي.
* ما مدى مساهمة المدرسة اليوم في تربية النشء؟
** حينما نقارن هذا الوضع الذي يعيشه التعليم اليوم بالوضع الذي كان عليه في السنوات الأولى عندما تسلّمت الدولة مقاليد الأمور نجد أن المدرسة كان لها دور كبير، لأن المعلّمين في تلك الفترة كانوا يحسّون بأن لهم رسالة وأن بلادهم ما تزال في ثورة فعليهم أن يبذلوا ما يجب أن يكون مسايرا لمبادئ الثورة، ثمّ إن الحاجة الشديدة إلى نوع المعرفة التي كانت البلاد بحاجة إلى العناية بها لتتدارك ما فات المجتمع وقد كان المعلّمون أقلّية لكنهم كانوا يحسّون بأن ما يطلب منهم يجب أن يعوّض النقص الذي كان يمثّله عدد المعلّمين، ورغم أن التكوين الذي تلقّوه لم يكن تكوينا شاملا إلاّ أنه كان يحمل روحا جديدة نفتقر إليها اليوم، وهذه الرّوح جعلتنا نعلم ونتعلّم ونحاول أن نبدع في العمل المدرسي ونتحدّى الصعوبات التي كانت تواجه التعليم، وكان أملنا أن نخرج المدرسة من الصعوبات التي ورثتها لم تكن إمكاناتنا المعرفية في المستوى المطلوب، لكن كانت لنا إرادة التحدّي وكان اعتمادنا على الإخلاص في العمل، وكنّا نحسّ في أعماقنا بدوافع تدفعنا إلى البحث عن المعرفة لاستكمال النقص ومسايرة إرادة الأمّة. وكان الممرّنون والمساعدون الذين كنّا نسمّيهم أنصاف المعلّمين هم عمدة المدرسة وعلى أكتافهم نمت المنظومة التربوية الناشئة وإليهم يرجع الفضل فيما وصلنا إليه اليوم، وفعلا هذا هو الاتجاه الذي عاشه التعليم وكنّا نتذكّر المعاناة التي كان يعانيها المعلّمون في عهد جمعية العلماء، ومع ذلك حقّق هؤلاء المعلّمون نتائج هي التي اعتمدتها البلاد في بداية الاستقلال وهي النتائج التي رسمت لنا الطريق الذي سرنا إليه، ويمكن القول إن هؤلاء المعلّمين الذين كنّا نسمّيهم أنصاف المعلّمين قامت المدرسة على أكتافهم.
* بالحديث عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين حبّذا لو تحكي لنا قليلا عن الدور الذي لعبته المدارس التابعة لها في عملية التعليم...
** لو نجري مقارنة بين جهود جمعية العلماء والنتائج التي حقّقتها هذه الجهود رغم الظروف القاسية لتي كانت تحيط بها والحصار القانوني الذي كان مفروضا عليها وعلى مدارسها من قِبل الإدارة الاستعمارية التي كانت تلاحق معلّميها، فرغم الإمكانات المحدودة والمتابعات التي كانت تضايق نشاطها استطاعت في ظرف قصير أن تحقّق نتائج وتبعث في المتعلّمين روحا وطبعة وتمكّنهم من معرفة لغتهم وتاريخهم وتربطهم بدينهم، ورغم قلّة المدارس التي استطاعت أن تنشئها فقد أنتجت نخبة من المتعلّمين الذين جعلتهم نواة البعثات التي بعثت بها إلى دول المشرق العربي وإلى تونس والمغرب لاستكمال دراستهم والتهيّؤ لما بعد الاستقلال، وكان المستوى الذي يتخرّج به هؤلاء المتعلّمون مستوى جيّدا ما يزال يذكره من عايشوا جهود التعلّم الحرّ، هؤلاء هم الذين اعتمدت عليهم البلاد في بداية الاستقلال، ومع الأسف الخطّة التي سارت عليها جمعية العلماء لم تستثمرها في الأعمال التي انطلقنا منها في تنظيم التعليم مع بداية الاستقلال.
* ألّفت كتابا عن التعليم في الجزائر أسميته (المدرسة في الجزائر)، لماذا المدرسة في الجزائر وليس المدرسة الجزائرية؟
** المعلومات التي تناولها هذا الكتاب معلومات تتعلّق بأوضاع المدرسة التي ورثتها البلاد بعد الحصول على سيادتها، تلك الأوضاع التي بدأت الجهود الرسمية في تصحيحها ومراجعة ظروفها، ومن المعلوم أن هذه الأوضاع هي أوضاع المدرسة الفرنسية التي وجدتها البلاد قائمة في لغتها وفي نظامها وفي مضامينها، لذلك قلت إنها ليست مدرسة جزائرية إنما هي مدرسة في الجزائر، وعندما نتحدّث عن هذه المدرسة يذكر الواقع الذي كانت عليه والمحاولات التي وجّهتها الدولة منذ البداية لتغيير وجهتها لتصبح مدرسة جزائرية هو الأمر الذي حدث في سنة 1976 بعد صدور الأمر به الرئاسية المنظّمة للتربية والتكوين والمؤسسة للمدرسة الجزائرية.
* هل من محاولات لإصلاح المنظومة التربوية في الجزائر على حسب ملاحظاتك؟
** كانت المحاولة الأولى في سنة 1969 التي مهّدت للإصلاحات الشاملة التي جاءت نتيجة الأمر به المنظّمة للتربية والتكوين، وهي الإصلاحات التي تمّ العمل بها مع بداية الثمانينيات، ومنذ بداية التسعينيات والمسؤولون يحاولون أن يسايروا الانفتاح السياسي بإحداث تغييرات تنسجم مع الاتجاهات السياسية والتيّارات الثقافية التي بدأت تظهر، والتي قرّرتها إرادة التغيير، ووفق هذه الإرادة شكّلت لجان للإصلاح واستندت إليها مهام المراجعة والتطوير، ومن هذه اللّجان اللّجنة الوطنية العليا التي شكّلها رئيس الجمهورية في سنة 2000 وهي التي خرجت بتقرير شامل عرضته على الحكومة وثمّ إقراره والعمل به، وهو الذي اعتمدته الوزارة الوصية في برنامجها الإصلاحي الذي ذكرته في باب التعليق على التعديلات التي قامت بها الوزارة خلال العشر سنوات الأخيرة منذ سنة 2003. ومنذ العام الماضي اتّجهت الوزارة في عهد الوزير الذي خلف بن بوزيد إلى إصلاح الإصلاح، وطرحت لذلك موضوعات عديدة لمناقشتها وإبداء الرأي، وكانت مجالات المناقشة واسعة. لكنها لم تخرج بقرارات، وها هي ذي الوزيرة الجديدة اليوم تفكّر من جديد في ذات الموضوع ولعلّها ستفتح مجال العمل ابتداء من الموسم الدراسي المقبل.
* بعد أبو بكر بن بوزيد وكوارثه على التربية والتعليم في الجزائر تعيّن على رأس الوزارة وزيرة لا تجيد التكلّم باللّغة العربية، بل ويصعب عليها تكوين جملة مفيدة في بلد يعتمد اللّغة العربية لغة رسمية، ما رأيك في هذا؟
** عاش قطاع التربية نوعا من الاضطراب والاختلال جرّاء الارتجالات التي اتّسمت بها قرارات التغيير التي تمّت خلال العشر سنوات الماضية، وكنّا ننتظر التغيير الحكومي لعلّه يوفّق في إعطاء وزارة التربية عناية فتكلّف الحكومة بها شخصية متمكّنة من الجانب العلمي والبيداغوجي ومشبعة بالتوجّه السياسي الوطني، لكن الخلف الذي جاء بعد بن بوزيد كانت له إرادة التغيير الإيجابي وشرع في طرح الموضوع على رجال التربية، لكن وجوده على رأس الوزارة لم يدم طويلا وجاءت بعده الوزيرة الحالية التي يبدو أنها تنوي القيام بالإصلاح أيضا، وقد كتبت في تعليق قصير على الوضع الذي ينتظر الوزيرة ومن معها أن ما ينتظرها أمور كثيرة وأهمّها مراجعة الإجراءات التي تمّت في إطار ما سمّته الوزارة إصلاحا، لكنها لم تصلح شيئا، والشروع في معالجة مواطن الخلل التي أصبحت ظاهرة في مستوى المناهج من جهة وفي مستوى تكوين المعلّمين من جهة ثانية، إلى جانب الابتعاد عن الارتجال في اتّخاذ القرارات التي كانت تتّخذ في العهد السابق، لكن المشكلة التي تواجه الوزيرة هي معرفة استخدامها اللّغة العربية في تبليغ أفكارها ومحاورة الأساتذة والمربّين والشركاء الاجتماعيين، وكون هذه الوزيرة لا تملك المهارة في استخدام اللّغة لا يقلّل من شأنها إذا كانت تملك فكرا ولديها علما تسيّر به الوزارة، ووجودها على رأس وزارة هامّة ليس الذنب ذنبها وإنما ذنب الحكومة أو من أشاروا على الحكومة بتعيينها في أهمّ قطاعاته الأساسية هي اللّغة العربية لأنها اللّغة التي تعتمد في صناعة الأجيال وفي تعزيز انتمائهم وفي جعلهم يدركون معنى الوطنية، وقد يقال إن العجز اللّغوي لا يقلّل من شأن المسؤول إذا كان يملك فكرا ولديه علما، وفي الحقيقة إن التمكّن من اللّغة التي بها تتعايش الأجيال هي فكر في الأساس، ومهما يكن فلا ينبغي أن نتعجّل الحكم على قرارات الوزيرة وعلينا أن ننتظر ما ستقوم به.
* ساهمت أيضا في تأليف بعض كتب القراءة للسنوات الابتدائية التي تربّت عليها أجيال وأجيال، ما هي الضوابط التي كنت تحتكم إليها في كتابة النصوص؟
** لقد استندت إلى مهام أساسية، المهمّة الأولى هي التي تكلّفت بوظيفة مفتش عام لمراجعة برامج تكوين المعلّمين في المعاهد التكنولوجية، والمهمّة الثانية كلّفت بممارسة مهمّة مستشار مكلّف بالبحث التربوي ومتابعة تنفيذ المناهج، وأسهمت في هذا الإطار في العمل التأسيسي لتطبيق نظام التعليم الأساسي الذي جاء به الإصلاح الشامل من خلال ضبط الخطّة التي تنفّذ بها برامج التعليم وتحديد أنشطة التعلّم ومواقيت العمل الأسبوعي ومنهجية الدوام وأساليب التنفيذ في الميدان، وأضيفت إلى مهمّة الإشراف المباشر على لجنة تأليف الكتب المدرسية وخاصّة كتب تعليم اللّغة العربية الموجّهة لتلاميذ السنوات الأولى من التعليم الأساسي، وقد حرصنا في هذه الكتب على تطوير تدريس اللّغة العربية، تلك الكتب التي كان الهدف منها تغيير النظرة إلى هذه اللّغة وإلى الأساليب التي تعلّم ككلّ، وقد راعينا في ذلك جملة من الضوابط اللّغوية والتربوية التي تجعل النصّ اللّغوي في مستوى ما ينتظره المجتمع من معرفة تلده اللّغة، حيث تكون النصوص مبشّرة للاستعمال اللّغوي، وفي إمكان القارئ الفقير أن يتذوّق العبارة اللّغوية ويهضم دلالتها لأنها تساير قدراته وتستجيب لحاجاته في المجال اللّغوي وتحبّب إليه اللّغة.
* وهل يحترم مؤلّفو الكتب المدرسية اليوم هذه الضوابط والشروط؟
** للأسف هذه الضوابط لا نجدها اليوم موفّرة في نصوص الكتب المقرّرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.