تختلف أساليب تربية الأطفال والتعامل مع متطلّباتهم باختلاف شخصية الأهل وثقافتهم، بالإضافة إلى أساليب التربية التي خضعوا لها في مراحل طفولتهم، فمنهم من يفرط في الحماية والدلال وتنفيذ الطلبات بدون قيدٍ أو شرط ما يهدد مستقبل الطفل. وفي الوقت الذي يبقى الآباء والأمهات يتحدثون فيه عن إفساد الأطفال بالدلال المفرط يبقى الكثير منهم لا يعرفون معنى هذه العبارة تماماً، لذلك حدد الباحثون الأعراض التي يمكن من خلالها معرفة الطفل المدلل بشكل مفرط ووسائل الوقاية من إفساد الطفل بهذا المرض الذي يهدد شخصية الطفل مستقبلا. عتيقة مغوفل الحركة الزائدة أو الشقاوة عند الأطفال كما نسميها يعتبرها الكثير من الآباء بالحالات الطبيعية الناتجة عن تدليل الطفل بشكل كبير، فالبعض يعتبرها ظاهرة مرضية تعود لأسباب بيئية أو عوامل بيولوجية وتحتاج إلى عناية خاصة، وعلاج عند المختصين هذه الظواهر جعلت الكثير من العائلات التي تعاني من المشكل في حيرة من أمرها، خاصة في التفريق بين السلوكات الطبيعية وغير الطبيعية، وبين هذا وذاك يبقى سلوك الأطفال مختلفا في مراحل العمر الأولى بين الشقاوة والحركة الزائدة والدلال المفرط. وللاستطلاع أكثر عن الموضوع تنقلنا عند بعض العائلات للاستفسار أكثر عن الظاهرة. الدلال المفرط يدمّر شخصية الطفل (نورة) أم لطفل وحيد لم تكن تدرك أن دلالها المفرط لابنها وتلبية طلباته على الدوام بدون أن يبذل أي جهد أو أن يشعر حتى بالعناء، سيكون سببا في ضياع شخصيته، تقول (اعتدت منذ أن كان صغيرا أن أخدمه بنفسي وأحضر له كل ما يريد)، مؤكدة أنها لم تكن تدرك أن هذا الدلال يفسده ويجعله شخصا اتكاليا لا يقوى حتى على خدمة نفسه، وتضيف أنها لم تأخذ بعين الاعتبار أبدا أن اهتمامها السلبي وعدم تعليمها لابنها الاعتماد على نفسه قد يكونان السبب في جعله إنسانا يعجز حتى عن مساعدة نفسه بأبسط الأمور ما أثر على دراسته. نفس الكلام يؤكده نور الدين صاحب 43 ربيعا، يقول (عودت ابني منذ صغره أن ألبي له كافة طلباته أنا ووالدته، لم نتركه يحتاج أبسط الأمور والآن أصبح إنسانا اتكاليا، ليس لديه أي استعداد للقيام بأي شيء وإن كان هينا، جالسا طوال اليوم أمام التلفاز حتى وإن شعر بالجوع لا يمكن له أن يحضره لنفسه، حتى أنه يعجز عن إحضار كوب الماء رغم أنه بالقرب منه فقد اعتاد أن يجد كل ما يريده جاهزا بسببنا وإن لم يجده يحدث ثورة من الصراخ والتكسير لا نهاية لها). منظور علم النفس ولمعرفة رأي المختصين النفسانيين في الموضوع ربطت (أخبار اليوم) اتصالا هاتفيا بالدكتورة (أسماء) المختصة في علم النفس، التي أكدت لنا بدورها أن الاهتمام الكبير بالأطفال يعني تعطيل وظائف العقل وعدم قدرتهم حل مشكلاتهم بأنفسهم، ولا يتغلبون على هذه المشكلات عندما يتعرضون لها، والطفل المحمي من قبل والديه هو طفل مدلل وغير واثق من نفسه أو ثقته بنفسه قليلة ولا يقدم على المجازفة أو المخاطرة ولا يمكن له حل مشاكله عند تعرضه لأي صعوبة وتحدٍ في حياته خاصة في المرحلة الابتدائية عندما تواجهه تحديات متعددة، وقد تظهر مشكلة الدلال والاهتمام الزائد بالطفل قبل هذه المرحلة ولكن تظهر بشكل بارز في هذه المرحلة، وتشير المختصة إلى أن الدلال مهم في التربية، ولكن بدون الوصول إلى درجة كبيرة؛ إذ تنتج عنه شخصية ضعيفة وغير ناضجة لا تتحمل المسؤولية واتكالية وهي تخلق فردا غير قادر على تحمل المسؤولية، مؤكدة أنه خطأ كبير يقوم به الوالدان في التربية وتكون نتائجه قتل الطموح وإحداث هزات في شخصية الأبناء المدللين. وفي نفس السياق أكدت الدكتورة (أسماء) أن أعراض ظاهرة الحركة الزائدة عند الطفل المدلل وعدم مقدرته على التحكم في وجوده بشكل هادئ في مكان ما لمدة طويلة، وعدم استجابته لأية تعليمات من المحيطين به، كما أنه يعاني من اضطرابات شديدة في النوم وفي حالة الصحو فهو لا يكف عن الكلام دون تركيز على موضوع محدد، ويعتبر الطفل الشقي عدوانيا تجاه زملائه أو الأطفال الذين في مثل سنه وهو دائم الاندفاع دون تفكير في تصرفاته ما قد يسبب له الأذى بسبب هذا الاندفاع، ويصاب أحيانا بنوبات من الضحك المتصل أو البكاء المتصل دون سبب واضح، كما أن الطفل الزائد الحركة يتميز عن غيره من الأطفال بقدر كبير من الذكاء لكنه في الوقت نفسه يجد صعوبة في أداء واجباته المدرسية لذلك يجب على الأهل مراقبة الطفل أو عرضه على طبيب مختص. وفي السياق ذاته تضيف المختصة إلى أن نسبة هذه الظاهرة في تزايد مستمر في الجزائر وتزيد عند الذكور بالمقارنة مع الإناث، كما تؤكد أن حالة الحركة الزائدة عند الأطفال أو الشقاوة هي حالة مرضية ولها أسباب عدة تؤدي إليها وهذا يجعل الطفل مشتت الانتباه ويعاني من الاضطراب وضعف التركيز وهذا ينعكس سلبا في قدرته على التحصيل الدراسي وفي بناء شخصيته ككل.