إذا كان تنظيم الدولة الإرهابي المعروف إعلاميا باسم (داعش) يجسّد واقعا ملموسا في مناطق نفوذها في العراق وسوريا فإن إمكانية امتدادها إلى شمال وغرب القارّة الإفريقية لا ينبغي أن يؤخذ على أنه تهديد وشيك، بل كخطر مستبعد، وفقا لشهادات متفرّقة لخبراء دوليين حذّروا من منحه الترويج الإعلامي الذي يبحث عنه. خلص مدير مركز التحليل السياسي والاقتصادي بمالي إيتيان سيسوكو إلى أن التهديد الذي تمثّله (داعش) في منطقة الساحل (الإفريقي) والمغرب (العربي) لا يتعدّى الجانب الشكلي. وأوضح الخبير الإفريقي في تصريح لوكالة (الأناضول) أمس أن (المجموعات المسلّحة قادرة اليوم على ارتكاب أهول الفظاعات الإنسانية)، لافتا إلى أنها كانت (في السابق تبحث عن التوسّع، أي ضمّ مساحات إلى نفوذها، لكنها في الوقت الراهن تستوحي على المستوى الشكلي أساليب عملها الجديدة من داعش)، مشيرا إلى أن هذه المجموعات تبدو وكأنها سقطت تحت (سحر) أو (إغراء) طرق عمل داعش وأساليبها في العراق وسوريا، في إشارة إلى عمليات ذبح رهائن غربيين مؤخّرا في منطقة الساحل والمغرب العربي. ورغم التحوّلات الكبيرة التي أصابت أسس تنظيم القاعدة الإرهابي بنوع من الهشاشة عقب خسارته لبعض نفوذه في القارّة الإفريقية مقابل صعود (داعش)، بيْد أن تأثيرات هذا الصعود كانت (سطحية) على المجموعات المسلّحة في غرب وشمال إفريقيا، حسب الباحث بمركز الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمونتريال الكندية أديب بن شريف. بن شريف قال في تصريحات نقلتها (الأناضول) في قراءة لهذا الجانب (حذاري من الإفراط في منح داعش خصالا هيكلية لا يتوفّر عليها)، إذ (من الخطأ تصوّر داعش في شكل مؤسّسة أو شركة تمتلك فروعا إقليمية بعلاقات وأدوار محدّدة بوضوح). ولفت الخبير إلى أنه ينبغي تناول (الولاءات بين المجموعات المسلّحة على غرار أنصار الشريعة وميجاو، إضافة إلى تنظيم جند الخلافة، بشكل متّصل ومتسلسلّ. وتابع قائلا: (تماما مثلما هو الشأن بالنّسبة لظهور المجموعات المرتبطة بالقاعدة فإن بعض الولاءات لا تتجاوز نطاق خطابات الدعم، ما يعني أنها رمزية فحسب، أي أنها جزء من استراتيجية الاتّصالات المعتمدة)، إلاّ أن ذلك لا يمنع وجود (بعض المجموعات التي تتبنّى أساليب وطرق عمل داعش)، فمقتل هيرفي غوردال، متسلّق الجبال الفرنسي الذي خطف وقتل في سبتمبر الماضي، على أيدي تنظيم (جند الخلافة) الإرهابي بالجزائر يوحي بنفس عمليات قطع الرؤوس التي تقوم بها (داعش)، ومع ذلك يبقى من غير المؤكّد أن يتبنّى التنظيم في المستقبل هذا الأسلوب ويكرر فعلته. أمّا بالنّسبة ل (سيسوكو) فإن الإشكال الحقيقي يبقى بغض النّظر عن أسلوب العمل متعلّقا ب (غياب التنسيق والموارد أو الوسائل اللاّزمة للتصدّي لتلك المجموعات المسلّحة)، والتي من الممكن أن تبسط نفوذها في المستقبل القريب على مساحات متزايدة من المنطقة والقارّة الإفريقية عموما، وهو ما يعني أن هناك تهديدا من بعيد ل (داعش) وإن كان الخطر مستبعدا في الوقت الحالي. وكمثال على تلك الإشكالية أشار الخبير إلى (ما تتكبّده القوات الأممية المنيسما المنتشرة شمالي مالي من خسائر في أرواح جنودها جرّاء ظروف العمل والنقص الحاصل على المستوى العددي لقوّاتها، إضافة إلى سوء حالة معدّاتها المستخدمة دون أن يثير ذلك ردّ فعل من أيّ شخص)، وختم حديثه قائلا: (طريق التوصّل إلى حلّ للمسألة الأمنية الشائكة في إفريقيا يمرّ وجوبا عبر الحوكمة الرشيدة، تلك أفضل وسيلة لمواجهة خطر داعش المستبعد).