المؤيدون: الصندوق أعاد الاعتبار للمطلقة وأطفالها المعارضون: قرار يشجع على الطلاق وتفكك الأسر الطلاق هو أحد الظواهر الاجتماعية التي عرفتها المجتمعات البشرية على مر العصور وقد تعددت أسبابها وتباينت أحكامها وفقا للتغيرات المتسارعة التي مست المعايير الثقافية والأنظمة الشرعية والقوانين الوضعية التي عاصرت حياة المجتمعات التقليدية والحديثة على حد سواء. حسيبة موزاوي موضوع نقاشنا اليوم ليس الطلاق وإنما الصندوق المالي للمطلقات الذي منذ أن أعلن عنه رئيس الجمهورية في رسالته للجزائريات في عيدهن العالمي في مارس من السنة الجارية وعلى عزم الحكومة في إنشائه إلى غاية المصادقة عليه وتبنيه بصفة رسمية تعرض إلى موجة من الانتقادات اللاذعة وأثار جدلا واسعا، الشيء الذي جعله مادة دسمة للصراع بين المؤيدين الذين اعتبروه قرارا إنسانيا وعقلانيا ، في حين ذهب المعارضون إلى وصفه برغبة الحكومة في نشر الرذيلة والفساد والحث على الطلاق ونشر ثقافة خراب البيوت ، ومن دون مبالغة يمكن القول إن صندوق المطلقات قد أثار فتنة حقيقية في الجزائر. وانتقد عدد من المهتمين والقانونيين والمواطنين القرار القاضي باستحداث صندوق للمطلقات الحاضنات من حالات الطلاق ببلادنا التي تعرف منحنى خطيرا في السنوات الخمس الأخيرة، حيث أشارت آخر الإحصائيات إلى أكثر من 15 ألف حالة طلاق سنويا في الجزائر، كما اعتبره البعض نوعا من التشجيع على الطلاق الأبيض وطريقة لتحصيل مستحقات مالية بواسطة الطلاق، أين أكد مجموعة من الخبراء ممن تحدثت إليهم أخبار اليوم ، أن تأسيس صندوق للمطلقات الحاضنات لأطفال قصّر، يعد قرارا سلبيا رغم إيجابياته المتعددة، في إشارة منهم إلى إمكانية مساهمته في رفع عدد حالات الطلاق في الأسر الجزائرية، خاصة أن ربات بيوت كثيرات هن عرضة للعنف الأسري، والحرمان العاطفي والمادي، ومجبورات على تحمل أوضاعهن المعيشية خوفا من التشرد والضياع رفقة فلذات أكبادهن. قرار من شأنه رفع حالات الطلاق وأكد بعض من تحدثنا إليهم أن عدم التزام الأزواج بدفع النفقات بعد الطلاق والظروف المعيشية الصعبة تجبر عددا كبيرا من النساء على التفكير ألف مرة قبل الإقدام على اتخاذ قرار الطلاق خوفا من التشرد واللجوء إلى الرذيلة لإطعام أولادهن، خاصة أن أكثر من 50 ألف مطلقة تعيش حياة التشرد وأجبرت على حياة البغاء لتأمين لقمة العيش، إلا أن مثل هذا القرار سيكون محفزا لمثل هذه الشريحة للطلاق عوض محاولة إصلاح الأسرة وإعادة خلق روابط بداخلها، محذرين من خطورته على المجتمع الجزائري الذي أحصى 55 ألف حالة طلاق خلال العام الفارط، بالإضافة إلى 20 ألف حالة خلع وهي أرقام مخيفة مقارنة بالأرقام المسجلة بباقي الدول العربية، مضيفين أن واقع المجتمع الجزائري أضحى يستدعي دراسة جديدة لمحاولة الحد من ظاهرة الطلاق لا إصدار قرارات غير مدروسة من شأنها رفع الظاهرة، وأشاروا إلى أنه كان من الأجدر رفع أجور أرباب العائلات الذين لا يتعدى راتبهم 18 ألف دينار لكفالة أسرهم، لاسيما أن نسبة كبيرة من حالات الطلاق تكون بسبب المشاكل المادية التي يتخبط فيها الجزائريون كانعدام المأوى وارتفاع تكاليف إيجار الشقق، كما طالبوا بضرورة مراجعة قانون الأسرة الحالي الذي اعتبروا أنه يحتاج إلى تعديل لمواكبة المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، ومحاولة سن مواد جديدة للحد من حالات الطلاق. القرار ينقذ المطلقة وأطفالها من التشرد غير أن بعض الجمعيات والفاعلين في المجتمع المدني وصفوا هذه التفسيرات بغير الواقعية ولا المنطقية، داعين إلى النظر بواقعية إلى مشاكل المرأة المطلقة في الجزائر، حيث قالت السيدة ف. زهرة أخصائية في علم النفس الجزائري إن صندوق المطلقات يعد ثمرة نضال طويل وقاس للنساء الجزائريات منذ الثمانينات، حيث طلبن بتغيير مواد قانون الأسرة بالشكل الذي يتماشى مع كرامة المرأة ومكانتها في المجتمع وما وصلت إليه من إنجازات وهو النضال الذي لم يتوقف حتى في أحلك الظروف التي عاشتها الجزائر لتأتي المصادقة على قرار بوتفليقة في بعث هذا الصندوق وإعادة فتح النقاش حول وضعية النساء المطلقات إلى واجهة الأحداث. في هذا الصدد، تساءلت المتحدثة (لا أفهم كيف يرى البعض في بعث صندوق للتكفل بضحايا الطلاق دعوة للتفكك الأسري، بينما لا يرون في الطلاق الفردي الذي يمارسه الرجال يوميا ورميهم لأطفالهم ونسائهم في الشوارع مع ما يترتب عن كل ذلك من مشاكل اجتماعية من انحراف ودعارة وتجارة مخدرات وتسول، أليست كل هذه الظواهر خطيرة وتهدد الأسر بالتفكك؟ خاصة أن المجتمع الجزائري لا يمنح للمرأة الخيارات التي تجعل منها سيدة نفسها لممارسة مواطنتها فأغلب النساء المطلقات يجدن أنفسهن في الشوارع، حتى لو كن حاضنات للأطفال لأن الأسر عادة ترفض استقبال البنت المطلقة خاصة إذا كان لها أولاد، فالمشاكل الاقتصادية والتغيرات الاجتماعية فرضت الكثير من التغيرات في العقليات والوضعيات يجب اليوم أن نتكيف معها ونجد لها الحلول). وأكدت أن من يقول إن الصندوق يشجع الطلاق لا يعرف الواقع الجزائري لأن الطلاق موجود وأرقامه ترتفع من سنة إلى أخرى ليس لأن النساء تمردن بل لأن هناك واقع جديد في الجزائر بكل مشاكله وصعوباته الاجتماعية والاقتصادية التي تفرض علينا جميعا اليوم التعامل معه كمواطنين رجالا ونساء لإيجاد الحلول التي تمكننا من معالجة المشاكل بدل لعنها، وهنا ركزت المتحدثة على أهمية تمكين المرأة اقتصاديا وترقية فرصها كمواطنة لأن النساء اليوم يشكلن أغلبية في عدة قطاعات ومنحن فرصة المواطنة الكاملة من شأنه أن يحل أعباء عدة. نساء مطلقات عرضة للابتزاز والمضايقات والجدير بالذكر، أن المجتمع الجزائري يحمل نظرة سيئة جدا عن المرأة المطلقة التي تبقى عرضة لكل أنواع الابتزاز والاستغلال المادي والمعنوي فهي في مجتمعنا عنوان لفساد الأخلاق وخراب البيوت كما يعني أنها امرأة فاقدة للصلاحية الاجتماعية لأنه وحسب التحليلات الاجتماعية التي تقدم في هذا السياق ما يزال الزواج كمؤسسة اجتماعية في الجزائر هي الإطار الواحد الذي يقاس عليه نجاح المرأة ولا تهم النجاحات الأخرى مهما كانت كبيرة ومثمرة. ومن جهته، عبد الرحمن عرعار رئيس شبكة ندى، يرى في إنشاء صندوق لرعاية المطلقات إجراء قد لا يغير الكثير من نظرة المجتمع للمطلقات، لكنه ربما سيخفف من عبء الإجراءات المادية التي تتحملها المطلقات خاصة الحاضنات للأطفال، وهنا ذكّر بما تعانيه المطلقات من صعوبات في الإجراءات الإدارية والقضائية التي تمكن النساء من تحصيل حقوقهن، وذكّر عرعار أيضا بأهمية تثمين هذا الإجراء كوسيلة لحماية الأطفال وضمان حقوقهم في العيش الكريم والكرامة وضمان تنشئتهم في ظروف حسنة، لهذا دعا إلى وجوب فتح الصندوق لاحتواء حالات الانفصال الناتجة عن الخلع والتطليق، لأن هذا من شأنه أن يوفر للنساء والأطفال ظروف عيش كريمة وما يمكن أن ينتج عنها من مشاكل اجتماعية لا تؤدي في النهاية إلا إلى إعادة إنتاج نفس الظروف ونفس الظواهر، والطلاق يقول عرعار موجود في المجتمع ويبقى موجودا بدليل 15 ألف حالة سنويا وما ينتج عنها من عدد الأطفال المعرضين لكافة أنواع الصدمات والمشاكل الاجتماعية والنفسية الذين يتحولون إلى قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة. فئات أخرى بأمس الحاجة إلى إعانات الأرامل يطالبن بإدراجهن في الصندوق يتامى يستغيثون: أنقذونا من الفقر والضياع المشروع الإنساني الأخير المتعلق بصندوق إعانة المطلقات وأبنائهن على الرغم من إيجابياته في إنقاذ المطلقات وأبنائهن من الضياع، إلا أننا نجده قد استثنى فئات أخرى بأمس الحاجة إلى إعانات فهي لا تقوى حتى على سد جوع يوم واحد ألا وهي فئات الأرامل التي تعيش بعضها بمنح زهيدة وأخرى لا تملك ولا منحة وتعيش على صدقات المحسنين، ليضيع الأبناء ويكون سبيلهم إما التسول أو الانحراف، في الوقت الذي يستوصي فيه ديننا الحنيف باليتيم خيرا. حيث تعيش فئات الأرامل وأبنائهن اليتامى وضعية لا يحسدون عليها بعد أن مات المعيل الوحيد للعائلة، وأغلبهن أجبرتهن الظروف الصعبة على اقتحام سوق العمل حتى منهن من راحت إلى ممارسة التجارة عبر الشوارع لسد رمقها ورمق أبنائها إلى جانب ممارستهن مهنة التنظيف، ولولا التفاتات الجمعيات بين الفينة والأخرى لكان مصير تلك العائلات الضياع، حيث احتارت الكثير من الأرامل من استثنائهن من تلك القرارات النافعة التي تخرجهم من قوقعة الفقر والحرمان. التقينا إحدى الأرامل فبينت استياءها من استثناء فئتهن من صندوق الإعانات على الرغم من الحالة المزرية التي تتخبط فيها المئات من الأرامل فأغلبهن لا يملكن منحة بسبب عدم استقرار الزوج المتوفي في عمل دائم، وحتى من تملكها فهي لا تتعدى واحد مليون سنتيم عادة ما يستنزف في الفواتير المتهاطلة على العائلات، وقالت إنها شخصيا تملك منحة جد زهيدة مما أجبر ابنها الأكبر على مغادرة مقاعد الدراسة وخوض ميدان العمل الشاق مبكرا، فيما يعاني إخوته من آفة التسرب المدرسي بسبب الظروف المحيطة بالعائلة ككل، (وكان على الدولة التكفل بأمورنا نحن كذلك كفئة تستحق العناية والاهتمام في زمن غلت فيه المعيشة وصعبت كثيرا حتى على باقي الأسر، فما بالنا نحن في ظل غياب المعيل الذي كان بمثابة العمود الفقري للعائلة لذلك وجب إدراجنا في الصندوق أو زيادة المنحة الضئيلة جدا التي لا تحفظ كرامة أسرة تشمل أما وأبناء يتامى لا حول ولا قوة لهم). تقربنا من ابنها رامي البالغ من العمر 16 عام يدرس بالمتوسطة أول ما سألناه عن مستواه الدراسي فقال إنه متذبذب، وعن السبب قال إنه يعيش في مراهقته لحظات من اليأس وتسودّ الدنيا في وجهه عندما يجد أمه محتارة في تلبية متطلباتهم ومتطلبات الأسرة ككل بمنحة زهيدة لا تسد حتى رمق الجوع وقال إن له أصدقاء يتامى لا يملكون حتى تلك المنحة الزهيدة ويعيشون على صدقات المحسنين التي تحضر مرة وتغيب لمرّات كثيرة. حيث تبقى فئة الأرامل واليتامى من الفئات التي تستحق الالتفاتة بل هم أولى بتلك الالتفاتات لأنهن لم يختاروا مصيرهم، على خلاف المطلقات والمطلقين الذين كان لهم ضلع بقراراتهم في ذلك المصير الذين يتحملون تبعاته بعد أن اختاروا الطلاق والانفصال، وكانت قد طالبت مجموعة من البرلمانيات بإدراج فئة الأرامل وعدم استثنائها من المساعدات التي تدخل في إطار صندوق إعانة المطلقات، ففئتهن ليست الوحيدة التي تعاني بل هناك فئات أخرى تعاني وضعية أمر وأصعب على غرار الأرامل، دون أن ننسى الأمهات العازبات المرفوضات بالكامل داخل أسرهن وفي المجتمع ككل، حيث يعاني الأطفال مجهولي النسب ظروفا مادية ومعنوية صعبة تحتاج إلى التفاتة من الحكومة. فصندوق الإعانات مثلما ينقذ أطفال المطلقة من الحرمان والجوع سينقذ أيضا أبناء الأرامل من الحرمان والرسوب المدرسي والدخول المبكر إلى ميدان العمل واستنزاف قوّتهم وجهدهم في أعمال شاقة من طرف أشخاص ربما لا يرحمون ولا يسلّموهم إلا الفتات في أواخر الشهر ولا نقول رواتب تحفظ لهم ولأسرهم كرامتهم التي تعيش الكثير منها على منح زهيدة أو ربما على صدقات المحسنين في ظل غياب منحة الأب المتوفي. وبتلك الإجراءات الشاملة والكاملة سننقذ المجتمع من قنابل موقوتة ربما سيكون سببها الأبناء ضحايا الطلاق أو الأطفال اليتامى وحتى الأطفال مجهولي النسب الذين وجب عدم استثنائهم فهم جزء من هذا المجتمع، وهو ما يعاب على بعض القرارات التي تأتي منقوصة وغير شاملة لجميع الفئات المحرومة، وما أكثرها في مجتمعنا الواسع. صندوق المطلقات.. هل يتحول إلى صفقة مالية على حساب الأسرة؟ صندوق المطلقات الذي أثار جدلا واسعا احتدم صراعه بين مختلف الأطراف والتيارات استبشرت به الكثير من المطلقات ممن يعانين صعوبة في التكفل بأطفالهن بعد حصول الطلاق، خصوصا مع تهرب الكثير من الأزواج من النفقة وصراع المطلقة مع مصاعب الحياة لضمان عيش أبنائها ودراستهم وعلاجهم إلى غيرها من المتطلبات الأخرى، وكان الصندوق بمثابة الحل المثالي لكل تلك العوائق التي تواجههن، وهو الأمر الذي حز في نفس سيدات أخريات يعانين ظروفا قاسية حتى وهن متزوجات،حيث راودتهن الفكرة في التنحي عن سلطة الزوج وتنحية الأبناء عن السلطة الأبوية وضمهم إلى سلطة صندوق رعاية المطلقات وأبنائهم، فالمرأة تبقى ناقصة عقل ودين وهناك من لا تقوى حتى على تسيير أمور حياتها برويّة تبعا لبعض الظروف كمحدودية التعليم وغيرها والنتيجة أنه من السهل جدا أن يُغرّر بعقول بعض النسوة فيسارعن إلى طلب الطلاق بغية تحقيق مداخيل معتبرة، حتى من النسوة من راحت إلى عدّ رؤوس أبنائها للتأكد من قيمة المبلغ المكفول قانونا من الصندوق بعد الطلاق في زمن طغت فيه الماديات على العقول، ولم يعد فيه معنا للم شمل الأسر وتربية الأبناء تربية حسنة في كنف الوالدين.