مع نهاية الفصل الأول من السنة الدراسية والنتائج الكارثية التي تحصل عليها العديد من التلاميذ لا يتردد عدد كبير من الأولياء في اتهام أولادهم المتمدرسين بالتقصير والإهمال، في حالة ما إذا تحصلوا على نتائج غير مرضية في مشوارهم الدراسي، أو تعرضوا لكابوس الفشل والتراجع أو الرسوب، مهددين إياهم في نفس الوقت بضرورة الجد والاجتهاد والمثابرة من أجل الرفع من مستواهم الدراسي، كما يسارع البعض من هؤلاء الأولياء إلى إقحامهم في مختلف الدروس الخصوصية التدعيمية حتى يتخطوا عتبة الفشل مهما كان ثمن ذلك. قائمة من الممنوعات خلال العطلة في حين يقوم البعض الآخر أيضا بوضع قائمة من الشروط والممنوعات على أطفالهم المتمدرسين، كعدم اللعب مع الأصدقاء وأبناء الحي ورفضهم مصاحبة بعض الأصدقاء في الشارع أو منعهم أيضا من مشاهدة بعض البرامج التلفزيونية، على غرار مختلف أفلام الكارتون والرسوم المتحركة التي يفضلونها ويميلون إليها بشكل كبير، الذين -حسب أولياءهم- حطموا فرحتهم وخيبوا آمالهم في النجاح وتحقيق النتائج الدراسية الجيدة المرموقة، اعتقادا منهم أن هذا التقييد والحصار من كل جانب هو الحل الوحيد لتعويض تلك الخسارة الكبيرة، حتى يعيدوا أبناءهم إلى مستواهم الذي لطالما عهدوه منهم من خلال جعلهم ينهمكون في الدراسة بدل تضييع الوقت في اللعب والمرح والعبث فيما لا يفيد، على الرغم من أن أسلوب الضغط والحصار هذا قد يزيد الطين بلة، وهو ما سيؤدي إلى تفاقم الوضع إلى درجة كبيرة، لأن الحل الوحيد والأمثل الذي وقف عليه الكثير من الأشخاص والأولياء حسب العديد من التجارب الميدانية هو المتابعة اليومية والمراقبة الفعالة. الأسرة ملزمة بمتابعة الأبناء دراسيا الحضور القوي للوالدين في الحياة الدراسية لأولادهم، والذي يمكن أن يكون له مفعول سحري بالنسبة لعدد كبير من هؤلاء الأطفال المتمدرسين، الذي قد يدفعهم إلى تحقيق نتائج جد إيجابية ومرضية للغاية، غير أن غياب الأهل والأولياء في متابعة أبنائهم في السنوات الأخيرة قد أقلب كل الأوراق، وخلق في ذات الوقت نتائج عكسية وعواقب وخيمة في أحيان كثيرة، أدت إلى ضياع المستقبل الدراسي للأولاد ودخوله مرحلة الجمود والركود، ثم إنه من جهة أخرى قد يكون تدارك الوالدين لهذا الغياب من جهتهم وعودتهم من جديد على الساحة الدراسية لأطفالهم بعد أن تاهوا في دوامة الحياة الصعبة والركض خلف مبتغياتها المختلفة، قد يأتي تدرجيا بيد أنه وللأسف الشديد كثيرا ما يتحقق ذلك بعد فوات الأوان، وبعد أن أفرز هذا الإهمال والغياب نتائج سلبية غير مقبولة على الإطلاق فالكثير من التجارب في هذا الميدان تبرز تأثير دور الأولياء والوالدين بشكل كبير جدا على الحياة الدراسية لأولادهم المتمدرسين، ذلك أنهما يلعبان الدور الحاسم والفعال في المشوار الدراسي لفلذات أكبادهم ونتائجه المختلفة سواء كانت سلبية متدنية أم إيجابية مشرفة، خاصة في ظل مختلف التغيرات الحاصلة في المجتمع الجزائري الذي تبنى عدة تناقضات وتغيرات في الآونة الأخيرة، التي أفرزت بدورها نتائج مختلفة وفي مقدمتها خروج المرأة إلى العمل بغرض تحقيق الكسب المادي، إضافة إلى خلق حالة كبيرة من الإهمال واللامبالاة من قبل الأولياء وتهميش بعض الأمور الإيجابية، التي تُعد في غاية الأهمية كمسألة دراسة أبنائهم ومشوارهم الدراسي ومستقبلهم التعليمي، وبين هذا وذاك وفي ظل هذا الواقع البارز الذي يكشف اللثام عن اليوميات الدراسية المتذبذبة لعدد ليس بالقليل من التلاميذ، الذين على ما يبدو قد أثر المحيط الخارجي بكل ما يحمله من محاسن وعيوب على نتائجهم الدراسية وتحصيلهم العملي على السواء، يتبادر إلى الذهن طرح التساؤل التالي: هل يتحمل الطفل المتمدرس وحده نتائج فشله الدراسي؟ ثم إلى أي مدى يمكن أن يؤثر الدور الكبير للأولياء على الحياة الدراسية لأبنائهم المتمدرسين؟ الأعباء الأسرية ضيعت مشوار الأبناء ولإثراء الموضوع كفاية كان لابد لنا في البداية طرق أبواب بعض الأولياء، حتى نقف معهم عند بعض حدود وتفاصيل هذه المشكلة الكبيرة، وفي هذا الصدد حللنا ضيوفا عند السيدة سامية صاحبة ال45 عاما، التي استقبلتنا برحابة صدر كبيرة، وأفرغت لنا ما في جعبتها حول هذه المسألة المهمة، حيث أكدت أنها تعاني من مشكلة تراجع المستوى الدراسي لأولادها المتمدرسين في الصف المتوسط والابتدائي، حيث لاحظت ذلك بالنسبة إلى ولديها الذين يدرسان في الطور الابتدائي، ولأنها امرأة موظفة فهي ترى أن السبب الأول والمباشر في هذا التراجع المقلق للمستوى الدراسي لأولادها هو انشغالها وزوجها بالعمل طيلة النهار خارج البيت، إضافة إلى الإهمال واللامبالاة الكبيرة من قبلهما، وهو ما أثر برأيها على الوضع الدراسي لأولادها المتمدرسين، مؤكدة أنها قد تفكر في التخلي عن العمل ولو بشكل مؤقت، على الأقل خلال المراحل الأولى من الدخول المدرسي من أجل متابعة دراستهما، ذلك أنه ورغم ما يقدمه الأساتذة للتلاميذ في القسم يبقى دور الأولياء هو الحاسم والفعال، الذي يمكن أن يأتي بنتائج جد إيجابية، مختتمة حديثها لنا بالقول إن الطفل المتمدرس لا يتحمل وحده نتيجة فشله، بل إن الأولياء -حسبها- هما من يتحملا الجزء الأكبر من هذا الفشل بسبب إهمالهما ولامبالاتهما. معلمون في قفص الاتهام أما السيدة نبيلة البالغة من العمر 42 سنة التي تعمل هي الأخرى خارج المنزل في إحدى المؤسسات الخاصة البعيدة عن مقر سكناها، فإن لها رؤية أخرى، حيث ترى أن بعض المدرسين لا يقومون بدورهم التعليمي كما يجب، بل في أيامنا هذه لا يملكون ضميرا حيا كالماضي، الذي كان يدفعهم إلى تعليم الأطفال بشكل جيد والقيام بواجبهم ورسالتهم الكبيرة النبيلة على أكمل وجه، مضيفة بالقول إن عددا كبيرا من المدرسين والمعلمين في الوقت الراهن يسارعون إلى التفكير في الكسب المادي وتحصيل المبالغ المالية، وتنمية رصيدهم المادي لتحسين ظروف حياتهم، من خلال اعتمادهم على تقديم مختلف الدروس الخصوصية، التي أضحت هي الأخرى في الآونة الأخيرة مقصد عدد كبير من التلاميذ وأوليائهم، لاسيما خلال موجة الإضرابات المتعاقبة التي شهدتها السنة الفارطة، وأثرت -حسبها- بشكل كبير على المشوار الدراسي للأطفال، مما يعنى -حسب المتحدثة- أن بعض الأساتذة والمعلمين لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية وكيفية تنمية حياتهم المادية، غير آبهين في نفس الوقت بمستقبل المتمدرسين، وكذا بمصلحتهم التي من المفروض أن تحوز على الاهتمام الأكبر الذي قد يضيع نتيجة سياسة الإهمال والتسيب التي يتبعها معظم المعلمين، والنابعة من التفكير المطلق في تحقيق المصالح الشخصية المختلفة، لتضيف أن المسؤولية الكبيرة في الفشل الدراسي ومسألة التراجع والتقهقر الكبير في المستوى والنتائج يتحملها الأستاذ بشكل أساسي. أما فيما يخص أولادها المتمدرسين، فإنها تلاحظ تراجعهم الدراسي وذلك بسبب سياسة الإهمال من قبل المعلمين، الذين باتوا لا يقدمون الرسالة التعليمية وفق ما هو مطلوب، لتختتم بالقول ليس الحل هو الانقطاع عن العمل والبقاء في المنزل ومتابعة دراسة الأولاد، بل الحل يكمن فيما يقدم لهم من قبل المعلمين في مختلف المؤسسات التربوية. المسؤولية مشتركة بين الأولياء والمعلمين وفي ظل هذا التناقض فيما يخص هذا الموضوع المهم والحساس، اتجهنا صوب المختصين في علم النفس، وفي هذا السياق اقتربنا من الأستاذة ف. زهرة وهي متخصصة في علم النفس الاجتماعي، حيث أكدت لنا من جهتها على أهمية هذه المسألة الحساسة المتمثلة في الإهمال الدراسي أو الفشل التعليمي ومسؤوليته بين الأساتذة والمعلمين من جهة وأولياء التلاميذ من جهة أخرى، وفي هذا الصدد أكدت الأستاذة زهرة أن الموضوع حساس للغاية، وبالتالي يجب دراسة أسبابه بشكل دقيق وليس فقط عشوائيا عن طريق إطلاق التهم المختلفة بين الطرفين، لأن المسألة تمس الأطفال ومستقبلهم، ويجب أن يكون الاهتمام الأول والأخير لكلا الطرفين، مؤكدة أيضا أن مسألة الفشل الدراسي والتراجع في المستوى وتدني النتائج يتشارك في تحملها الجميع كل من له علاقة بالموضوع بدءًا بالعائلة والأولياء وأيضا الأستاذ والمدرس، مركزة في هذه النقطة على الدور الكبير والفعال للأولياء الذي يمكن أن يلعبه الوالدان في هذا الصدد، حيث تكشف أن المتابعة اليومية والاطلاع بشكل مستمر إلى جانب اتباع سياسة التحفيز والتشجيع من قبل الأهل والأولياء قد تعطي نتائج إيجابية باهرة لأن الطفل في النهاية هو إنسان تركيبته النفسية مختلفة عن الشخص الكبير، وبالتالي فإن تشجيعه وإمداده بالتحفيز والدعم المعنوي بطريقة طيبة بعيدة عن القساوة والعنف، قد يؤثر عليه بشكل كبير ويجعله يسارع إلى الدراسة ويزرع في نفسه حب الاجتهاد والمثابرة، لتختتم بالقول المتابعة لا تعني التقييد وحصار الأطفال من كل جانب، بل هي صداقة ومحاولة غرس التحفيز والقدوة لديهم حتى لا يكرهوا العلم والتعليم، بل يسعوا إليه من خلال الحب والرغبة وهو ما يمكنهم من النجاح واعتلاء المراتب العليا وصنع مستقبل كريم ومشرف.