اختار الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم من بين البشر، وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً}، وصلى الله عليه وسلم قرأ الجمهور بكسر التاء، وقرئ بفتحها، ومعنى الأول: أنه ختمهم أي جاء آخرهم، ومعنى الثانية: أنه صار كالخاتم لهم الذي يختمون به ويتزينون به لكونه منهم))، وفي الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وأنا خاتم النبيين)). وكلا المعنيين صحيح فالنبي صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء والمرسلين فلا نبي بعده لقوله صلى الله عليه وسلم: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم لا نبي بعدي))، وهو صلى الله عليه وسلم زينة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ومتمم ما بقي من بنائهم الحضاري، روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: صلى الله عليه وسلم إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم الأنبياء)، قال ابن حجر رحمه الله: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قوله: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى دارا ... )) قيل: المشبه به واحد والمشبه جماعة فكيف صح التشبيه ؟ وجوابه أنه جعل الأنبياء كرجل واحد، لأنه لا يتم ما أراد من التشبيه التمثيلي، وهو أن يوجد وصف من أوصاف المشبه بمثله من أحوال المشبه به، فكأنه شبه الأنبياء وما بعثوا به من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه، وبقي منه موضع به يتم صلاح ذلك البيت، وزعم ابن العربي أن اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة، وأنها لولا وضعها لانقضت تلك الدار، قال: وبهذا يتم المراد من التشبيه المذكور، هذا إن كان منقولا فهو حسن، وإلا فليس بلازم، نعم ظاهر السياق أن تكون اللبنة في مكان يظهر عدم الكمال في الدار بفقدها وقد وقع في رواية همام عند مسلم صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم إلا موضع لبنة من زاوية من زواياها)) فيظهر أن المراد أنها مكملة محسنة ، وإلا لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصا، وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة، فالمراد هنا النظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع الكاملة)). والنبي محمد صلى الله عليه وسلم هو سيد ولد آدم، قال عليه الصلاة والسلام: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم أنا سيد ولد آدم، ولا فخر))، قال النووي رحمه الله: صلى الله عليه سلم وقال الهروي: السيد هو الذي يفوق قومه في الخير، وقال غيره: هو الذي يفزع إليه في النوائب والشدائد، فيقوم بأمرهم، ويتحمل عنهم مكارههم ويدفعها عنهم)). ولذلك جعله الله سبحانه وتعالى أعظم أسوة وأكبر قدوة في كل مجالات الدين وشتى جوانب الحياة، قال تعالى: {لقد َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}، قال القرطبي رحمه الله: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {أسوة} الأسوة: القدوة، والأسوة: ما يتأسى به أي يتعزى به، فيقتدى به في جميع أفعاله ويتعزى به في جميع أحواله). والنبي صلى الله عليه وسلم هو المتفرد بالأسوة المطلقة والقدوة الكاملة، فكل أقواله وأفعاله وأحواله موضع اقتداء وتأسي إلا ما استثناه الشرع وهو قليل، أما غيره من الناس فيؤخذ منهم ويرد. وقد ضمن الله تعالى الهداية لمطيعيه والمتبعين له صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}. ويتسع مجال الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ليشمل كل جوانب الدين المختلفة وجميع مناحي الحياة المتنوعة، قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وصلى الله عليه وسلم ما من الأسماء الموصولة المفيدة للعموم فيجب الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم في جميع ما جاء به من العقائد والشعائر والشرائع، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم وهذا شامل لأصول الدين وفروعه، وظاهره وباطنه، وأن ما جاء به يتعين على العباد الأخذ به واتباعه، ولا تحل مخالفته ...)). فالنبي صلى الله عليه وسلم قد جمع أصول الكمال البشري، وحاز أعلى مراتب الدين والخلق، فهو صلى الله عليه وسلم: 1- أول المسلمين: وقال عز وجل: {وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ}، قال الطبري رحمه الله: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قل يا محمد لمشركي قومك: إن الله أمرني أن أعبده مفردا له الطاعة، دون ما تدعون من دونه من الآلهة والأنداد، وأمرت لأن أكون أول المسلمين، يقول: وأمرني ربي جل ثناؤه بذلك، لأن أكون بفعل ذلك أول من أسلم منكم، فخضع له بالتوحيد ، وأخلص له العبادة، وبرئ من كل ما دونه من الآلهة)). 2- أخشى الناس لله تعالى: إن أخشى الناس لربهم وأتقاهم له سبحانه وتعالى هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ}، أي أول المنقادين والخاضعين والمتذللين لربهم سبحانه وتعالى. ولهذا كان من شروط صحة العبادة بعد الإخلاص لله تعالى أن تكون موافقة للسنة النبوية قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال الفضيل رحمه الله: أخلصه وأصوبه، قيل: يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون متبعا فيه الشرع والسنة)). 3 أحسن الناس خلقا: إن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم هو المتمم لمكارم الأخلاق، والمعلم لمحاسنها، وهو صلى الله عليه وسلم مجمع الخصال الحسنة ومنبع الآداب السامية، ولقد مدحه الله تعالى في القرآن الكريم بحسن خلقه فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }، صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم قال العوفي: عن ابن عباس: أي: لعلي دين عظيم، وهو الإسلام، وكذا قال مجاهد، وأبو مالك، والسدي، والربيع بن أنس، والضحاك، وابن زيد، وقال عطية: لعلى أدب عظيم )). وقد شمل حسن خلقه صلى الله عليه وسلم جميع الناس، وظهرت ملامحه في تعامله مع أهله وأقاربه، صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم فعن صاحبه وخادمه أنس رضي الله عنه قال: صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا))، وهذه شهادة ممن خالطه كثيرا في إقامته وسفره، وحله وترحاله، فشاهد غضبه ورضاه، وجده ومزاحه، طيلة عشر سنين، لم يتغير فيها النبي صلى الله عليه وسلم أو يتبدل.