بعد انتهاء الدور الأول من كأس أمم إفريقيا في غينيا الاستوائية، وبعد أن أدلى كلّ منتخب بدلوه في هذه البطولة الاستثنائية من كلّ الجوانب: منتخبات، لاعبين، مدرّبين، محلّلين، نقّاد وجماهير الكلّ اتّفقوا على أن غينيا الاستوائية تستحقّ أن نرفع لها القبّعة لأنها فعلا أنقذت النسخة الثلاثين من البطولة الإفريقية رغم اليد المغلولة إلى عنق هذا البلد. غينيا مدّت يدها ل (الكاف) وأخرجت عيسى حياتو من عنق الزجاجة بعد أن امتنعت المملكة المغربية عن تنظيم المحفل الإفريقي قبيل الحدث بأسابيع قليلة بحجّة وباء (الإيبولا)، لينطلق حياتو في رحلة البحث عن كفيل لبطولته فلم يجد ضالّته في كبار القارة أمثال جنوب إفريقا، الجزائر ومصر ولكلّ حجّته في الاعتذار عن التنظيم. لتضطرّ إدارة (الكاف) إلى اختيار الأفضل من بين الأسوأ، موجّهة البوصلة إلى وسط القارة ليقع الاختيار على غينيا الاستوائية، حاملة على عاتقها احتضان قارة بأكملها في مهلة لا تتعدّى الخمسين يوما. رغم كلّ النقائص والمشاكل التي تتخبّط فيها البلاد إلاّ أنها تحوّلت إلى ورشة عمل لا تعترف بتعاقب اللّيل والنّهار، مسابقة طائرات المنتخبات والجماهير التي شرعت في شدّ الرحال إليها من كلّ حدب وصوب في ظلّ بعض الريب ومحاولات التشكيك في مدى قدرة غينيا على رفع التحدّي طمعا في إجهاض هذه البطولة. دقّت لحظة الصفر والأنظار كلّها موّهة إلى ملعب (باتا)، حفل افتتاح بسيط يعكس صورة التقاليد والعادات في غينيا الاستوائية لقي استحسان الأغلبية، واضعين نصب أعينهم الظروف الاستثنائية التي أحاطت بتنظيم البطولة، حتى أن الاهتمام كان بالجوانب الإيجابية أكثر منه بالسلبيات. فالحضور الجماهيري كان لافتا بالمقارنة مع الدورات السابقة لترتفع أسهم غينيا في بورصة المتتبّعين كيف لا وهي التي لم تسجّل أيّ إصابات تذكر بالوباء المزعوم عدا إصابة لاعب منتخب غانا أسموا جيان بالملاريا الذي تعافى منه بسرعة، مسجّلا عودة قوية فيما بعد. ليسدل الستار بعدها على انطلاق المباريات، والتي كان منتخب البلد المنظّم طرفا فيها ليخالف كلّ التوقّعات التي أكّدت على مشاركة شرفية لهذا المنتخب بالنظر إلى أنه لا يملك باعا طويلا في البطولة الإفريقية يشفع له في أن يذهب بعيدا في هذه الدورة قبل أن يضع حدّا لهذه التكهّنات بإظهاره لمستوى مقبول إلى حد بعيد خوّل له المرور إلى الدور الثاني بصحبة منتخب الكونغو في مجموعة تضمّ منتخبات قوية مثل منتخب بوركينا فاسو، وصيف النسخة الماضية، ومنتخب (الغابون) الذي يضمّ ترسانة من النّجوم، على غرار مهاجم نادي بوروسيا دورتموند الألماني أوبا ميانغ، مودّعين البطولة من الدور الأول. في نهاية المطاف غينيا الاستوائية جادت بالموجود وكسبت الرهان، محتضنة الحدث بامتياز وقدّمت أوراق اعتمادها كبلد يمكن أن يعوّل عليه مستقبلا وسيكون له دورا فاعلا في الشأن الكروي الإفريقي، حيث أنها لن تخرج خالية الوفاض بما أنها كسبت دعم إدارة عيسى حياتو وربحت منتخبا محترما وخطفت قلوب جميع الأفارقة ويحقّ لها أن تتوّج نفسها بتجاوز الدور الأول والأصعب بنجاح تنظيميا وكرويا.