تخوض الجزائر حربا ثلاثية الأبعاد لدحر المهرّبين والجماعات الإرهابية والدموية المتربّصة بالحدود الجزائرية بسبب الاضطرابات الأمنية في دول الجوار، هذه الثلاثية المتجانسة التي تعتمد على الحرب العسكرية، القانونية والسياسية مكّنت إلى حد الآن من احتواء الأخطار الداهمة وإفشال كلّ المخطّطات الغربية القذرة في المنطقة. تشنّ قوّات الجيش الوطني الشعبي حربا ضروسا على مافيا التهريب بغرض حماية الاقتصاد الوطني من جهة وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية التي تتغذّى وتموّل من عوائد التهريب. وتفيد الأرقام التي كشفت عنها وزارة الدفاع الوطني خلال الأيّام الثلاثة الأخيرة بتوقيف 27 مهرّبا من مختلف الجنسيات، منهم أفارقة وليبيون وجزائريون. ويرتكز نشاط المهرّبين في الحدود الجنوبية والشرقية للبلاد مع كلّ من ليبيا ومالي والنيجر وتونس، حيث عزّزت قوّات الجيش تمركّزها وتواجدها في مناطق يسلكها المهرّبون تمّ اكتشافها بعد استعانة قوّات الجيش بخبراء الصحراء من المواطنين الصالحين. وتخص أغلب المواد المهرّبة تلك التي تدعّمها الدولة لفائدة المواطن كالوقود بمختلف أنواعه والدقيق، حيث يتمّ تهريبها إلى الأراضي الليبية وتسويقها هناك. وكشفت تحرّيات أمنية دقيقة أن العديد من شبكات التهريب أصبحت مصدر تمويل أو غطاء آخر لكسب المال لفائدة التنظيمات الإرهابية بعد تراجع عمليات الاختطاف التي تستهدف الأجانب والحملة الدولية المُشَنّة ضد دفع الفدية. وفي السياق، نقلت صحيفة (الشروق) التونسية أمس عن محلّلين أمنيين أن الحرب على التهريب لو استمرّت بنفس هذا الزخم خلال الفترة القادمة فإن أغلب الجماعات التي تسمّى نفسها جهادية ستفقد الكثير من أنصارها وأتباعها، ناهيك عن شحّ السيولة المالية التي كانت تتدفّق عليها من المهرّبين مقابل السلع أو مقابل تأمين الطرقات في الأراضي التي تسيطر عليها الميليشيات الإرهابية في ليبيا. وأكّد هؤلاء أن 80 بالمائة من أموال الإرهابيين في ليبيا من عوائد التهريب، خاصّة المخدّرات، إلاّ أن العمليات الكبيرة التي قام بها الجيش الشعبي خلال سنة 2014 بعد تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا وتعزيز تأمين الحدود سمحت له بالإطاحة بشبكات كبيرة من المهرّبين وحجز أطنان (الكيف) المهرّب. حرب قانونية أيضا في إطار جهود الجزائر لمواجهة الإرهاب ومحاربة أسبابه ضمن الأطر القانونية صادقت السلطات على كلّ الآليات الدولية في هذا المجال، كما أقدمت على تعديل القانون الصادر في 2005 المتعلّق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما. ومن أهمّ ما تضمّنه النصّ الجديد لمشروع القانون -الذي صادق عليه الخميس المنصرم نوّاب المجلس الشعبي الوطني بالأغلبية- مفهوما جديدا لجريمة الإرهاب، حيث تمّ توضيح في المادة 3 مكرّر عناصر الجريمة التي تعتبر قائمة بقطع النظر عن ارتباط التمويل بفعل إرهابي معيّن، إلى جانب الإجراءات القانونية للتعرّف على أرصدة الإرهابيين والجماعات الإرهابية وتحديد موضعها وتجميدها. كما يتضمّن مشروع القانون مواد متعلّقة بتوسيع اختصاص المحاكم الجزائرية إلى خارج الإقليم عندما يستهدف الإرهاب مصالح الجزائر، مع تحديد الجهات المعنية القضائية منها والإدارية المعنية بحجز أموال المنظّمات الإرهابية. وينصّ مشروع القانون كذلك على استكمال القواعد الخاصّة باليقظة اتجاه المعاملات المالية باستحداث سند قانوني يرتكز عليه بنك الجزائر وخلية الاستعلام المالي. وفي السياق، قال وزير العلاقات مع البرلمان خليل ماحي الاثنين إن مناقشة والمصادقة على مشروع القانون المتعلّق بالوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما في وقت قصير فرضته أجندة دولية تتعلّق باجتماع هيئات دولية خلال شهر فيفري الجاري. وأوضح ماحي لدوى نزوله ضيفا على برنامج (ضيف الصباح) للقناة الإذاعية الأولى أنه كان لزاما على الحكومة عرض هذا القانون على البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه تمهيدا لتقديمه للهيئات الدولية المتخصّصة للمصادقة عليه حتى لا تدرج الجزائر في القائمة السوداء لمكافحة الإرهاب. الجزائر تشارك بقوّة في الحرب العالمية على الإرهاب كشف وزير العدل أوّل أمس عن تنظيم ندوة دولية حول موضوع الإرهاب ومنابع تمويله، على غرار دفع الفدية والمتاجرة بالمخدّرات دون أن يحدّد تاريخ انعقادها. وأوضح لوح أن وزارتي الخارجية والعدل بصدد التحضير ل (منتدى دولي حول تمويل الإرهاب)، مشيرا إلى أنه سيتمّ خلاله التطرّق إلى (المتاجرة بالمخدّرات وتجريم الفدية كمصادر لتمويل الإرهاب). وفي إطار الجهود السياسية لاحتواء المشاكل الأمنية المتربّصة بحدود الجزائر يستقبل رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة الرئيس التونسي الجديد قايد السبسي الذي يشرع في زيارة إلى بلادنا غدا الأربعاء لبحث ملف التعاون الأمني بين البلدين في مجال مكافحة الإرهاب وملاحقة المجموعات المسلّحة التي تنشط على الحدود بين البلدين. وستكون الأزمة في ليبيا على أجندة المباحثات بين بوتفليقة والسبسي، خاصّة مساعي الجزائر وتونس باعتبارهما من دول جوار ليبيا لدعم جهود حلّ الأزمة وإنجاز حوار بين الفرقاء الليبيين ومنع تحوّل ليبيا إلى منطقة نزاع أهلي وقاعدة للمجموعات الإرهابية.