بقلم: محمد قروش خسارة المنتخب الجزائري لكرة القدم أمام المنتخب الإيفواري لا تعتبر خسارة في مقابلة لكرة القدم فقط بقدر ما تعكس عقلية وطبيعة نفسية وسلوكية خطيرة أصبحت تميّز الإنسان الجزائري وتكاد تصبح طبيعة ثانية له، وهي عقلية غياب الفعالية والتخطيط والأفكار والمناهج التي تتطلّبها، حيث أصبحت ثقافة استسهال الأمور والاكتفاء بردود الأفعال المباشرة وانعدام التخطيط والنجاعة وإتقان العمل هي النمط الغالب على كلّ شيء، وهي المسألة التي احتلّت مجالا كبيرا في فكر العلاّمة مالك بن نبي (رحمه اللّه) الذي يرى أن ما يفاضل بين المجتمعات في هذا القرن هو مدى فاعليتها، حيث أن الاختلاف الأساسي اللاّفت للنّظر بينها هو ما يطبع نشاط أيّ مجتمع من فاعلية، ويرى أن الفعالية هي أساس الفكر الغربي الحديث التي يخضع لها حتى أنها أصبحت عنصرا أساسيا من فلسفة العصر الجديد، ويضيف أن الفعالية أصبحت مقياسا واضحا لقياس الحضارات، أي أن التقدّم الحضاري أو التأخّر يمكن قياسه من خلال قياس درجة الفعالية في أيّ مجتمع، فهناك مجتمعات تتميّز بالفعالية وتنطبع بها كلّ جهودها وسلوكياتها وأخرى تتميّز باللاّ فعالية والتسيّب في كلّ مظاهر حياتها ويظهر ذلك من خلال المؤسسات الاجتماعية في كلا الحضارتين. الفعالية عند مالك بن نبي هي منهج فكري، أي أنها مسألة أفكار ومناهج وليست مسألة وسائل. فالتطوّر الحضاري والإنجازات الحقيقية لا تتعلّق بتوفّر الوسائل المادية المكدّسة لكي نطوّر مجتمعا أو قطاعا، بل إن الأمر يتعلّق بنمط المشروع الثقافي الذي يحمله المجتمع ويتبنّاه وفق منهج معيّن وما يوفّره من أفكار، وهو ما يؤدّي إلى تفعيل الأداء الاجتماعي والاقتصادي والعلمي للفرد والمجموعة من خلال ما تحويه الثقافة من عناصر الفكر والأخلاق والعمل والجمال وهي مجتمعة تشكّل شروط الفاعلية الأساسية لأيّ حضارة أو مجتمع. وإذا عكسنا هذا التصوّر على واقع الجزائر الحديث فإننا نجد أن كلّ المشاريع والتصوّرات في الاقتصاد أو التعليم أو حتى الرياضة تفتقد إلى مشروع ثقافي وفكري ذي مرجعية واضحة وصلبة تقوم عليها تصوّرات الأشياء ومآلاتها، تكون مترابطة المعالم الأخلاقية مع المجتمع وتتمتّع ببرامج عملية واضحة وذات صبغة جمالية متقنة، وهي الخلطة التي تؤدّي إلى التطوّر الحضاري والتاريخي. وفي غياب المشروع الثقافي والفكرة والمنهج والنموذج فإن المفاهيم تتّجه نحو التقليد والاستسهال والتخبّط وتتحوّل إلى معوقات إن لم تكن أمراضا تقضي على بوادر النمو دون تحقيق أيّ نتائج فعلية، وهو ما يؤدّي إلى انعدام الفعالية والتخلّف والفشل. ومن هنا فإن التصوّر الثقافي والحضاري مهمّ جدّا في تحديد قيم الفعالية، لذلك فإن نمط الثقافة إمّا أن يكون زادا أو محيطا يحرّر إرادة الفرد ويحرّك طاقاته في المجتمع وإمّا أن يكون عائقا إذا كانت الثقافة تحمل دستورا من العطال والتسيّب واللاّ مبالاة الفردية والاجتماعية، وهو ما يؤدّي إلى الفشل التنموي والاجتماعي، ومهما حاولنا إصلاحه من خلال الوسائل المادية أو الجرعات الترقيعية فإنه لن يقوم له بنيان ما دامت قيم الفكر والمنهج والعلم والأخلاق غائبة.