من العلامات الإيجابية في المجتمع المسلم أن تجد بعض المسلمين يهتمُّون بإعداد الولائم، ودعوة أصدقائهم ومعارفهم إلى الطعام؛ لأن هذا يُقَرِّب بين القلوب، ويُذِيب ما قد ينشأ من خلافات بين الناس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشعر بمدى الجهد الذي يبذله صاحب الوليمة؛ حيث يُنفق المال، ويقضي الوقت في الطبخ والإعداد، ويُجَهِّز المكان، بالإضافة إلى استعداده النفسي لاستقبال عدد من الأصدقاء والاحتفال بهم؛ لهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره جدًّا أن يرى بعض المسلمين يُعرضون عن إجابة الدعوة، ويرفضون حضور الولائم؛ لأن هذا يُمَثِّل إحراجًا للداعي، كما أنه يُسَبِّب له خسارة مادِّيَّة؛ حيث قد يضطرُّ إلى التخلُّص من كميات الطعام التي أُعِدَّت بلا طائل؛ لهذا جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إجابة الدعوة حقًّا من حقوق المسلم الداعي؛ فقد روى البخاري أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ السَّلاَمِ، وَعِيَادَةُ المَرِيضِ، وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ، وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ). وأكثر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم من تنبيه المسلمين إلى مسألة إجابة الدعوة؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ). وروى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إِلَى الوَلِيمَةِ فَلْيَأْتِهَا). ولم يشترط رسول الله صلى الله عليه وسلم للوليمة حجمًا أو قدرًا؛ إنما نبَّه المسلمين إلى أن يجيبوا الدعوة ولو كانت بسيطة وإلى طعام زهيد؛ فقد روى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَوْ دُعِيتُ إِلَى ذِرَاعٍ أَوْ كُرَاعٍ لأَجَبْتُ، وَلَوْ أُهْدِيَ إِلَيَّ ذِرَاعٌ أَوْ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ). والذراع هو يد الحيوان، والكراع هو ما استدقَّ من ساق الحيوان، والمرادُ توضيح بساطة الوليمة، فعلى المسلم إن وُجِّهَت له دعوة أن يُلَبِّيَها؛ فإن إجابتها سُنَّة عظيمة من سنن نبيِّنَا صلى الله عليه وسلم.